صفحة جزء
[ ص: 218 ] الباب الحادي عشر في أحكام نكاح الأمة [ والعبد ]

فيه طرفان .

[ الطرف الأول ] : في نكاح الأمة وفيه مسائل .

إحداها : إذا زوج أمته ، لم يلزمه تسليمها إلى الزوج ليلا ونهارا ، لكن يستخدمها نهارا ويسلمها إلى الزوج ليلا .

ولو أراد السيد أن يسلمها نهارا بدلا عن الليل ، لم يكن له . ولو قال السيد : لا أخرجها من داري ، ولكن أخلي لك بيتا لتدخله وتخلو بها ، فقولان أظهرهما : ليس له ذلك ، فإن الحياء والمروءة تمنعانه دخول دار غيره . وعلى هذا ، فلا نفقة على الزوج كما لو قالت الحرة : أدخل بيتي ولا أخرج إلى بيتك . والثاني ، للسيد ذلك لتدوم يده على ملكه مع تمكن الزوج من حقه . فعلى هذا يلزمه النفقة . فإن قلنا بالأول ، وكانت محترفة ، فقال الزوج : دعوها تحترف للسيد في يدي وبيتي ، فليس له ذلك على الأصح .

[ المسألة ] الثانية : للسيد أن يسافر بها ; لأنه مالك رقبتها ، ولا يمنع الزوج من المسافرة معها ، ولا يكلف أن يسافر بها وينفق عليها . وإذا لم يسافر معها ، لم يكن عليه نفقتها . وأما المهر ، فإن دخل بها ، فقد استقر وعليه تسليمه ، وإلا فلا . فإن كان سلمه ، فله أن يسترده .

قلت : وليس للزوج المسافرة بها منفردا إلا بإذن السيد . والله أعلم .

[ ص: 219 ]

[ المسألة ] الثالثة : ولو سامح السيد فسلمها ليلا ونهارا ، فعلى الزوج تسليم المهر وتمام النفقة ، وإن لم يسلمها إلا ليلا ، فهل تجب جميع النفقة أم نصفها ، أم لا يجب شيء ؟ فيه أوجه . أصحها عند جمهور العراقيين والبغوي : أنه لا يجب شيء ، ويجري الوجهان الأخيران فيما إذا سلمت الحرة نفسها ليلا واشتغلت عن الزوج نهارا .

قلت : الصحيح الجزم في الحرة بأنه لا يجب شيء في هذه الحال . والله أعلم .

وأما المهر ، فقال الشيخ أبو حامد : لا يجب تسليمه كالنفقة . وقال القاضي أبو الطيب : يجب . قال ابن الصباغ : لأن التسليم الذي يتمكن معه [ من ] الوطء قد حصل ، وليس كالنفقة ، فإنها لا تجب بتسليم واحد .

قلت : الأصح الوجوب . والله أعلم .



[ المسألة ] الرابعة : هلاك المنكوحة بعد الدخول ، لا يسقط شيئا من المهر حرة كانت ، أو أمة ، سواء هلكت بموت أو قتل . فأما إذا هلكت قبل الدخول ، فإن قتل السيد أمته المزوجة ، فالنص في " المختصر " أن لا مهر . ونص في " الأم " في الحرة إذا قتلت نفسها لا يسقط شيء من المهر . وللأصحاب طريقان . أحدهما : تقرير النصين . وأشهرهما : طرد قولين فيهما ، ثم الحرة إذا ماتت أو قتلها الزوج ، أو أجنبي ، لم يسقط مهرها قطعا ، وكذا لو قتلت نفسها على المذهب . وأما الأمة ، فإن قتلها سيدها ، أو قتلت نفسها ، سقط على المذهب وهو نصه . وإن ماتت أو قتلها الزوج أو أجنبي ، لم يسقط على الصحيح .

قال البغوي : إذا قلنا : قتل السيد أمته يسقط المهر ، فلو تزوج رجل أمة [ ص: 220 ] أبيه ثم وطئها الأب قبل أن يدخل بها الابن ، وجب أن يسقط المهر لأن قطع النكاح حصل من مستحق المهر قبل الدخول .

[ المسألة ] الخامسة : لو باع الأمة المزوجة ، لم ينفسخ النكاح ويكون المهر للبائع إن سمي في العقد مهر صحيح أو فاسد ، سواء دخل بها قبل البيع أو بعده ; لأنه وجب بالعقد وكان العقد في ملكه . ولوطلقها الزوج بعد البيع قبل الدخول ، كان نصف المهر للبائع ، وإن كان زوجها مفوضة ثم جرى فرض أو دخول قبل البيع ، فالمفروض أو مهر المثل للبائع أيضا . وإن جرى الفرض أو الدخول بعد البيع ، فهل المفروض أو مهر المثل للبائع أم للمشتري ؟ فيه طريقان . أصحهما : على وجهين بناء ، على أن الوجوب بالفرض والدخول ، أم نتبين بهما الوجوب بالعقد ؟ وفيه قولان . أظهرهما الأول . وإن قلنا بالأول ، فهو للمشتري ، أو بالثاني ، فللبائع .

والطريق الثاني : أنه للبائع قطعا ; لأن العقد هو السبب وجرى في ملكه . ولو مات أحد الزوجين بعد البيع وقبل الفرض والدخول ، وأوجبنا المهر ، ففيمن يستحقه هذا الخلاف . ولو طلقها بعد البيع وقبل الفرض والدخول ، فالمتعة للمشتري لأنها تجب بالطلاق وهو في ملكه . ولو أعتق أمته المزوجة ، فالمهر على هذا التفصيل ، فحيث جعلناه للبائع ، فهو هنا للمعتق ، وحيث جعلناه للمشتري ، فهو للمعتقة ، وحيث قلنا : هو للبائع ، أو المعتق ، ولم يجر دخول ، فليس له حبسها لدفع الصداق ; لأنها خرجت عن ملكه وتصرفه ، وليس للمشتري ولا للعتيقة الحبس أيضا لأنهما لا يملكان المهر .

وحيث قلنا : المهر للمشتري ، أو المعتقة فلهما الحبس لاستيفائه . ولو أعتقها وأوصى لها بصداقها ، فليس لها [ ص: 221 ] حبس نفسها لاستيفائه ; لأن استحقاقها بالوصية لا بالنكاح . ولو تزوج أمة ولده ، ثم مات وعتقت وصار الصداق للوارث ، فليس له حبسها ، إذ لا ملك له فيها .

فرع

هذا الذي ذكرناه كله في النكاح الصحيح ، أما إذا زوجها تزويجا فاسدا ، ثم باعها ووطئها الزوج بعد البيع ، فمهر المثل للمشتري ; لأنه وجب بالوطء في ملكه ، وإن وطئ قبل البيع فللبائع .

السادسة : قد سبق أنه يجوز أن يزوج أمته بعبده ، ولا مهر ; لأن السيد لا يثبت له دين على عبده ; ولهذا لو أتلف ماله لم يقتض ضمانا في الحال ولا بعد العتق . قال الشيخ أبو علي : وهل نقول : وجب المهر لحرمة النكاح ثم سقط ، أم لم يجب أصلا ؟ فيه وجهان . ولو أعتقها أو أحدهما ، فلا مهر لا للسيد ولا للمعتقة وإن جرى الدخول بعد العتق ، وكذا لو باعها ودخل الزوج بها في ملك المشتري ، فلا مهر ; لأنه ملك بضعها أولا بلا مهر ، وفيه احتمال للشيخ أبي علي على قولنا : لا يجب بالعقد أصلا . قال : ولا يجيء الاحتمال على قولنا : يجب ثم يسقط ; لأنه كالمقبوض .

التالي السابق


الخدمات العلمية