صفحة جزء
الرابعة : ادعت النكاح ومهر المثل ، واعترف الزوج بالنكاح وأنكر المهر ، أو سكت عنه ولم يدع التفويض ولا إخلاء النكاح عن ذكر المهر ، حكى [ ص: 325 ] الغزالي فيه وجهين . أحدهما وينسب إلى القاضي حسين : يثبت لها المهر إذا حلفت ؛ لأن الظاهر معها ، فإن النكاح يوجب مهر المثل إذا لم تكن تسمية صحيحة . وأصحهما عند الغزالي : أنه لا يثبت مهر مثلها بيمينها ، بل يتحالفان ؛ لأنه قد ينكحها بأقل ما يتمول ، وهذا الذي فرضه لا يكاد يتصور ، فإن التحالف أن يحلف كل واحد على إثبات ما يزعمه ، ونفي ما زعمه صاحبه .

والمفروض من جهة الزوج إنكار مطلق ، فلا معنى للتحالف . ولم يذكر الروياني الخلاف هكذا ، بل قال : قال مشايخ طبرستان : القول قول الزوج وعليها البينة ، والحق أنه لا يسمع إنكاره لاعترافه بما يقتضي المهر ، ولكن يكلف البيان .

فإن ذكر قدرا وادعت زيادة ، تحالفا . وإن أصر على الإنكار ، ردت اليمين عليها وقضي لها بها . قال الروياني : ورأيت جماعة من المحققين بخراسان والعراق يفتون بهذا ، وهو القديم .

ولو ادعت زوجية ومهرا مسمى يساوي مهر المثل ، وقال الزوج : لا أدري ، أو سكت ، قال الإمام : ظاهر ما ذكره القاضي ، أن القول قولها لما سبق أن النكاح اقتضى مهر المثل .

قال : والذي يقتضيه قياس المذهب ، أن دعواها متوجهة بذلك القدر ، ولا يسمع منه التردد ، بل يحلف على نفي ما تدعيه . فإن نكل ، ردت اليمين عليها وقضي بيمينها .

ثم حكي عن القاضي على قياس الوجه المنسوب إليه ، أنه لو قال : هذا ابني من فلانة ، استحقت عليه مهر المثل إذا حلفت ؛ لأنه إقرار بالوطء ظاهرا ؛ لأن استدخال الماء بعيد ، والوطء المحرم [ هو ] الذي يحصل منه الولد النسيب ظاهرا ، وهو يقتضي المهر .

وقياس ظاهر المذهب ، أنه يؤمر بالبيان إذا أنكر ما ادعته . فإن أصر على الإنكار ، ردت اليمين عليها .

[ ص: 326 ] فرع

قال المتولي : لو مات الزوج وادعت على الوارث أن الزوج سمى لها ألفا ، فقال الوارث : لا أعلم كم سمى ، لم يتحالفا ، بل يحلف الوارث على نفي العلم . فإذا حلف ، قضي لها بمهر المثل .

قلت : هذا الذي ذكره المتولي حكاه الإمام عن القاضي حسين ، ثم قال : هو مشكل على قياس المذهب ، قال : والقياس أن يحكم بانقطاع الخصومة ، يحلف الوارث ، والقدر الثابت على قطع هو أقل ما يتمول ، والمختار بل الصواب قول المتولي والقاضي ، وقد نص عليه قبلهما القفال شيخ طريقة خراسان ، وقد حكاه عنه الرافعي في الباب الثاني من " الدعوى والبينات " ، ولم يذكر فيه خلافا ، ولم أر لأحد من الأصحاب خلافا ، ودليله أن تعذر معرفة المسمى ، كعدمه من أصله ، ولهذا نوجب مهر المثل في التحالف وإن كان هناك مسمى زائد أو ناقص . والله أعلم .

الخامسة : اختلف الزوج وولي الصغيرة أو المجنونة ، فقال الولي : زوجتكها بألفين ، فقال : بل بألف . فوجهان . أصحهما عند الأصحاب : يتحالفان .

والثاني : لا ، فعلى هذا توقف إلى بلوغها فيتحالفان ، ويجوز أن يحلف الزوج ، ويوقف يمينها إلى بلوغها .

وإذ قلنا : يحلف الولي ، فذلك إذا ادعى زيادة على مهر المثل ، والزوج معترف بمهر المثل . وأما إذا ادعى الزوج نكاحها بدون مهر المثل ، فلا تحالف ؛ لأنه يثبت مهر المثل وإن نقص الولي .

ولو ذكر الزوج قدرا يزيد على مهر المثل ، وادعى الولي زيادة عليه ، لم يتحالفا كيلا يرجع الواجب إلى مهر المثل ، بل يأخذ الولي ما يقوله الزوج .

ولو ادعى الولي مهر المثل أو [ ص: 327 ] أكثر ، وذكر الزوج أكثر من ذلك ، فهل يتحالفان ، أم يؤخذ بما قاله الزوج ؟ وجهان حكاهما الحناطي ، وهذا الخلاف المذكور في اختلاف الزوج وولي الصغيرة ، يجري في اختلاف المرأة وولي الزوج الصغير ، وفيما إذا اختلف وليا الزوجين الصغيرين .

ولو بلغت الصغيرة قبل التحالف ، حلفت هي ولا يحلف الولي . وادعى البغوي الاتفاق عليه . ولو اختلف ولي البكر البالغة وزوجها ، فالصحيح أنها هي التي تحلف .

وقيل : يحلف الولي لأنه العاقد ، قاله القاضي أبو الطيب وغيره . ومن قال بهذا لا يسلم في الصغيرة إذا بلغت أن اليمين عليها .

والخلاف في حلف الولي يجري في الوكيل في النكاح ، وفي وكيل البائع مع المشتري ، ووكيل المشتري مع البائع ، وفي وكيليهما ، ومنهم من رتب وقال : إن لم يحلف الولي ، فالوكيل أولى ، وإلا فوجهان لقوة الولاية .

فرع

إذا قلنا : يحلف الولي فنكل ، فهل يقضى بيمين صاحبه ، أم يوقف حتى تبلغ الصبية وتفيق المجنونة فلعلها تحلف ؟ فيه وجهان نقلهما الحناطي .

فرع

جميع ما ذكرنا في هذه المسألة ، هو فيما يتعلق بإنشاء الولي ، أما ما لا يتعلق به ، بأن ادعى على رجل أنه أتلف مال الطفل ، فأنكر المدعى عليه ونكل ، فهل يحلف اليمين المردودة إتماما للخصومة واستخلاصا لحق الصبي ، أم لا لأنه لا يتعلق بإنشائه ؟ وجهان .

أصحهما : الثاني . وعلى هذا لا يقضى بالنكول ، بل يتوقف حتى يبلغ الصبي . وفي وجه : لا تعرض اليمين على المدعى عليه ، ويتوقف في أصل [ ص: 328 ] الخصومة . وأفتى القفال فيما إذا ادعى الولي على رجل دينا ورثه الصبي وأقام بينة به ، فقال الخصم : كنت قضيته ، أو أبرأني مورثه ، أنه لا يحلف الولي ، بل يحلف الصبي إذا بلغ على نفي العلم بذلك . ولو أقر القيم بما قاله الخصم ، انعزل وأقام القاضي غيره . ولو ادعى أن هذا القيم قبضه وأنكر ، حلف .

التالي السابق


الخدمات العلمية