صفحة جزء
السادسة : في بيان ما ينزل عليه الدرهم . إذا علق الطلاق بإعطائه ، وما يقبل تفسيره ، وقد سبق في " الزكاة والإقرار " قدر الدرهم الإسلامي ، واسم الدرهم هنا يقع على ذلك القدر من الفضة الخالصة المضروبة ، سواء كان نوعه جيدا ، أو رديئا ، لسواد أو خشونة أو غيرهما .

فإذا قال : إن أعطيتني ألف درهم ، فأنت طالق ، طلقت بأي نوع أعطته . لكن إذا كان في البلد نقد غالب ، فأتت بغيره ، طولبت به ؛ لأن المعاملات تنزل على النقد الغالب ، والخلع فيما يتعلق بالمال كسائر المعاملات .

وفي قول : يرجع بمهر المثل ، والمشهور الأول .

وإن قلنا بالرجوع إلى مهر المثل ، فالمعطى غير مملوك ، وإن قلنا بالرجوع إلى الغالب ، فالمعطى مملوك للزوج ، وله رده والمطالبة بالغالب .

وذكر في " الوسيط " : أنه لا يملكه ويجب الإبدال ، والصحيح الأول . ثم العادة الغالبة ، إنما تؤثر في المعاملات ، لكثرة وقوعها ورغبة الناس فيما يروج هناك ، ولا تؤثر في الإقرار والتعليق ، بل يبقى اللفظ على عمومه فيهما . أما في التعليق ، فلقلة وقوعه ، وأما [ ص: 410 ] في الإقرار ، فلأنه إخبار عن وجوب سابق ، وربما تقدم الوجوب على الضرب الغالب ، أو وجوب في بقعة أخرى .

ولو قال : طلقتك على ألف ، فهذا ليس بتعليق ، فينزل على الغالب على قاعدة المعاملات .

فرع

لو كان الغالب في البلد دراهم عددية ناقصة الوزن أو زائدته ، لم ينزل الإقرار والتعليق عليها ؛ لأن الغلبة لا تؤثر فيهما ، واللفظ صريح في الوازنة ، وفي تنزيل البيع والمعاملات عليها وجهان .

أحدهما : المنع ؛ لأن اللفظ صريح في القدر المذكور ، والعرف لا يغير المسمى وإن كان يخص بعض الأنواع .

وأصحهما : التنزيل عليهما ؛ لأنها التي تقصد في مثل هذه البلدة . وفي قبول تفسير المقر بالناقص خلاف وتفصيل سبق في الإقرار .

ولو فسر المعلق بالدراهم المعتادة ، فإن كانت زائدة ، قبل على المذهب ، وإن كانت ناقصة ، قبل قطعا ؛ لأنه توسيع لباب الطلاق .

فرع

لو أتت بدراهم مغشوشة ، فإن كان الغالب في البلد المغشوشة ، فقد أطلق الغزالي أنه لا ينزل اللفظ عليها ، فلا يقع الطلاق إلا إذا أعطته الخالصة ، لكن تسترد ما أعطته وتعطيه مغشوشة .

ومن قال بهذا قال : التفسير بالمغشوشة كالتفسير بالناقصة . فإن قلنا : التفسير بهما ، فهل تراجعه ليعبر عن مقصوده ، أم تأخذ بالظاهر إلا أن يفسر ؟ فيه احتمالان في " البسيط " .

[ ص: 411 ] قلت : أفقههما : الثاني . والله أعلم .

وقطع المتولي والبغوي ، بأن اللفظ ينزل على المغشوشة ، ويقع الطلاق إذا أعطت مغشوشة ، وهل تسلم له الدراهم بذلك ؟ قال المتولي : يبنى على جواز المعاملة بالمغشوشة .

إن لم نجوزها ، رد الدراهم ولزمها مهر المثل ، وإلا سلمت له الدراهم ، ويشبه أن يكون ما ذكره الغزالي أصح . أما إذا كان الغالب في البلد الدراهم الخالصة ، فلا تطلق إلا إذا أعطت ما تبلغ نقرته ألفا .

وفي وجه لا يقع الطلاق وإن بلغته ، كما لو أعطته سبيكة . فإن قلنا بالصحيح وهو الوقوع ، فهل يملك الزوج المدفوع إليه ؟ وجهان . أحدهما : لا ؛ لأن المعاملة تنزل على الغالب .

والثاني : [ نعم ] ؛ لأن قبضها اعتبر في وقوع الطلاق ، وكذا في إفادة الملك ، لكن له الرد بسبب العيب . فإذا رد ، رجع إلى مهر المثل على الأظهر ، وإلى ألف خالصة في قول .

ولك أن تقول : ينبغي أن لا يملك الغش نفسه في هذه الصورة ؛ لأنه إذا بلغت الفضة الخالصة ألفا ، بقي الغش شيئا آخر مضموما ، فلا يملكه كما لو ضمت إلى الألف ثوبا .

قلت : ظاهر كلام القائل بالملك ، أنه لا ينظر إلى الغش لحقارته في جنب الفضة ، ويكون تابعا كما سبق في مسألة نعل الدابة . والله أعلم .

وأما المعاملة بالدراهم المغشوشة ، فذكرناها في كتابي الزكاة والبيع ، والأصح الجواز .

التالي السابق


الخدمات العلمية