صفحة جزء
الطرف الثاني : في سؤالها عددا ، فيه مسائل .

إحداها : قالت : طلقني ثلاثا بألف ، أو على ألف ، أو ولك علي ألف ، أو إن طلقتني ثلاثا ، فلك علي ألف ، فطلقها واحدة ، ففيه أربعة أوجه .

الصحيح أنه يقع طلقة بثلث الألف ، والثاني : لا يقع طلاق . والثالث : يقع طلقة بمهر [ ص: 418 ] المثل ، والرابع : طلقة بثلث مهر المثل . حكى الحناطي الأخيرين .

فعلى الصحيح لو طلقها طلقتين ، استحق ثلثي الألف . وإن طلق طلقة ونصفا ، فهل يستحق ثلثي الألف ، أم نصفه ؟ وجهان .

قلت : الثاني أرجح . والله أعلم .

ولو قالت : طلقني ثلاثا بألف وهو لا يملك إلا طلقة ، فطلقها تلك الطلقة ، فقد نص الشافعي رحمه الله أنه يستحق جميع الألف ؛ لأنه حصل بتلك الطلقة مقصود الثلاث وهو البينونة الكبرى .

وللأصحاب أوجه . أصحها عند القفال والشيخ أبي علي وكبار الأصحاب وأكثرهم : وجوب جميع الألف ، كما نص عليه ، سواء علمت أنه لم يبق إلا طلقة أم ظنت بقاء الثلاث ، والثاني : لا يستحق إلا ثلث الألف في الحالين وهو قول المزني وابن خيران ، والثالث : إن علمت استحق الألف ، وإلا فثلثه ، قاله ابن سريج وأبو إسحاق .

والرابع : يستحق مهر المثل ، قاله صاحب " التلخيص " . والخامس : لا يستحق شيئا ؛ لأنه لم يطلق كما سألت ، حكاهما الحناطي .

ولو سألت الثلاث بألف ولا يملك إلا طلقتين ، فطلقها واحدة ، فله ثلث الألف على الأصح المنصوص ، وكذا على الثاني ، وله النصف على الثالث إن علمت ، وإلا فالثلث .

وإن طلقها الطلقتين ، فعلى النص له الألف ، وعلى الثاني ثلثاه ، وعلى الثالث إن علمت ، فالألف ، وإلا فثلثاه ، وزاد الحناطي وجها رابعا ، وهو الرجوع بمهر المثل ، وخامسا : وهو ثلثا مهر المثل ، وسادسا : وهو أنه لا شيء له . ولو قالت : طلقني عشرا بألف ، فإن كان يملك الثلاث ، فالأصح الأشهر الجاري على قياس النص ، أنه يستحق بالواحدة عشر الألف ، وبالثنتين عشريه ، وبالثلاث جميع [ ص: 419 ] الألف . وقيل : إن كان التوزيع على الثلاث والزيادة لغو ، فيستحق بالواحدة الثلث ، وبالطلقتين الثلثين ، وطرد الوجهان على قياس قول المزني . فعلى الأشهر تستحق بالثلاث ثلاثة أعشار الألف .

وعلى الثاني تستحق الجميع توزيعا على العدد الشرعي . وعلى قول من فرق بين العلم والجهل ، تستحق بالثلاث الجميع ، وبالواحدة الثلث ، وبالثنتين الثلثين ، لحصول العلم بأن الطلاق لا يزيد على ثلاث وأن الزيادة لغو .

فإن ظنت أنه يملك عشرا ، بأن كانت قريبة عهد بالإسلام ، فالقياس عود الوجهين في أنه يجب ثلاثة أعشار الألف أم الجميع ؟ ولو لم يملك إلا طلقتين فسألته عشرا ، فعلى قياس النص ، إن طلقها واحدة ، استحق عشر الألف أو الثلث .

وإن طلق ثنتين ، فتمام الألف . وعلى قياس المزني ، المستحق العشر أو العشران على الأشهر ، والثلث أو الثلثان على الوجه الآخر .

وعلى قول الفارق إن علمت ، فله بالواحدة النصف ، وبالثنتين الجميع . وإن ظنت أنه يملك الثلاث ، فبالواحدة الثلث ، وبالثنتين الثلثان .

قال الأصحاب : والضابط على النص ، أن الزوج إن ملك العدد المسئول كله فأجابها ، فله المسمى ، وإن أجابها ببعضه ، فله قسطه بالتوزيع .

وإن ملك بعض المسئول ، فإن تلفظ بالمسئول أو حصل مقصودها بما أوقع ، فله المسمى ، وإلا فيوزع المسمى على العدد المسئول على الأشهر .

وعلى قول المزني ، التوزيع على المسئول أبدا ، وكذا الحكم على الوجه الفارق إن جهلت . فإن علمت ، فالتوزيع على المملوك دون المسئول ، فلو ملك الثلاث فسألته ستا بألف ، فعلى النص وقول المزني : له بالواحدة السدس ، وبالثنتين الثلث . فإن طلق ثلاثا ، فعلى النص : له الجميع ، وعند المزني : له النصف وعلى الوجه : له بالواحدة الثلث ، وبالثنتين الثلثان ، وبالثلاث الجميع .

[ ص: 420 ] المسألة الثانية : قالت : طلقني ثلاثا بألف وهو يملك الثلاث فقال : أنت طالق واحدة بألف وثنتين مجانا ، فنقل الفوراني والصيدلاني والقاضي حسين وغيرهم ، أن الأولى تقع بثلث الألف ؛ لأنها لم ترض بواحدة إلا بثلث الألف كالجعالة ، ولا يقع الأخريان لأنها بانت بالأولى .

وقال الإمام : القياس الحق ، أن لا تجعل كلامه جوابا لها ؛ لأنها سألت كل واحدة بثلث الألف وهو لم يرض إلا بالألف ، وإذا لم يوافق كلامه سؤالها ، كان مبتدئا ، فإذا لم تقبل ، لا تقع الطلقة ، كما لو قالت : طلقني واحدة بثلث ألف ، فقال : طلقتك واحدة بألف ، لا يقع .

وإذا لم تقع الواحدة ، وقع الأخريان رجعيتين ، وتابعه الغزالي وغيره على ما قال ، وهو حسن متجه ، والأول بعيد ، وأبعد منه ما في " التهذيب " ، أنه تقع الواحدة بالألف ، ولا تقع الأخريان ، ولعله غلط من الناسخ .

ولو سألته الثلاث بألف ، فقال : طلقتك واحدة بثلث الألف ، وثنتين مجانا ، فقد وافق كلامه ما اقتضاه السؤال من التوزيع ، وزال الإشكال ، فتبين بالأولى ، ولا تقع الأخريان ، ونقل الأئمة : إن أمكن تأويله على هذه الصورة فليفعل .

ولو قال : طلقتك ثنتين بألف وواحدة مجانا ، فعلى الأول : تقع الثنتان بثلثي الألف ، وعلى الثاني : لا يقعان . ولو قال : طلقتك واحدة مجانا وثنتين بثلثي الألف ، أو ثنتين مجانا وواحدة بثلث الألف ، وقع ما أوقعه مجانا ، ويبنى ما بعده على مخالفة الرجعية إن كانت مدخولا بها ، والجديد صحته .

فعلى هذا : تقع الثنتان بثلثي الألف ، وعلى القديم : يقعان بلا عوض لما سبق أن خلع الرجعية على هذا كالسفيهة ، وإن لم تكن مدخولا بها ، بانت بما أوقعه مجانا ، فلا يقع ما بعده .

[ ص: 421 ] ولو قال : طلقتك واحدة مجانا وثنتين بالألف ، ففي " التهذيب أنه " إن كان بعد الدخول ، وقعت الأولى مجانا والثنتان بثلثي الألف ، ولا يستحق تمام الألف وإن حصل غرضها ؛ لأن ذلك إنما يكون إذا وقع المملوك من الطلاق في مقابلة المال ، وهنا أوقع بعض المملوك مجانا .

واعلم أن الإشكال الذي ذكره الإمام يعود هنا ؛ لأنها لم ترض بالطلقتين إلا بثلثي الألف وقد أوقعهما بألف ، فوجب أن يجعل كلاما مبتدأ . فأما إذا لم يتصل به قبول ، لغا .

وفي " التهذيب " أيضا أنه لو قال : طلقتك ثلاثا ، واحدة بألف ، وقع الثلاث واستحق ثلث الألف ، ويعود فيه الإشكال .

المسألة الثالثة : قالت : طلقني واحدة بألف ، فقال : أنت طالق ثلاثا ، وقع الثلاث واستحق الألف . وهل الألف في مقابلة الثلاث أم الواحدة ؟ وجهان .

ظاهر النص : ثانيهما ، ولا يتعلق بالخلاف فائدة حكمية .

ولو قال : بعني هذا العبد بألف ، فقال : بعتكه مع هذين العبدين بألف ، فالبيع باطل على الصحيح ؛ لأنه معاوضة محضة بخلاف الخلع فإنه كالجعالة .

وقيل : يصح البيع في الجميع ، وقيل : يصح في العبد المسئول خاصة . ولو أعاد في الجواب ذكر الألف . فقال : طلقتك ثلاثا بألف ، فهل يقع الثلاث بألف ، أم الثلاث بثلث الألف ، أم واحدة بثلث الألف ولا يقع الأخريان أم لا يقع شيء أصلا ؟ فيه أربعة أوجه . أصحها : الأول .

وينبغي أن تطرد هذه الأوجه فيما إذا لم يعد ذكر الألف . ولو قالت : طلقني واحدة بألف ، فقال : أنت طالق طلقتين ، فقياس ما تقدم أنه تقع الطلقتان ويستحق الألف ، وفيه احتمال للإمام ، إذ لم تحصل البينونة الكبرى ، فلا يستحق شيئا لأنه خالف ولم تحصل البينونة الكبرى .

[ ص: 422 ] الرابعة : قالت : طلقني بألف ، فقال : طلقتك ، أو أنت طالق بخمسمائة ، فهل يقع الطلاق بخمسمائة أم بألف ويلغى قوله : بخمسمائة لأنها بانت بقوله : طلقتك واستحق الألف ، أم لا يقع طلاق للمخالفة كما لو خالفت في قبولها ؟ فيه ثلاثة أوجه .

أصحها : الأول ، وبه قال ابن الحداد . ولو قال : بعني عبدك بألف ، فقال : بعتك بخمسمائة ، لم ينعقد البيع على الأصح ؛ لأنه معاوضة محضة . وقيل : يصح بخمسمائة .

الخامسة : قالت : طلقني على كذا درهما ، فطلقها على دنانير ، كان مبتدئا بكلامه ، فينظر ، أيتصل به قبول أم لا ؟ .

ولو قالت : طلقني واحدة بألف ، فقال : أنت طالق وطالق وطالق ، سئل ، فإن قال : أردت مقابلة الأولى بالألف ، وقعت الأولى بالألف ولم تقع الأخريان .

وإن قال : أردت الثانية بالألف ، وقعت الأولى رجعية ، ويجيء في الثانية القولان في خلع الرجعية ، فإن صححناه ، لغت الثالثة ، وإلا فلا .

وإن قال : أردت الثالثة ، وقعت الأوليان بلا عوض ، وفي الثالثة الخلاف . وإن قال : أردت مقابلة الجميع بالألف ، وقعت الأولى بثلث الألف ، ولغت الأخريان ، وإن لم يكن له نية ، قال البغوي : بانت الأولى بالألف ؛ لأنه جواب لقولها ، ولغت الأخريان .

وذكر صاحب " المهذب " مثل هذا التفصيل فيما إذا ابتدأ فقال : أنت طالق وطالق وطالق بألف ، وليشترط فيه مطابقة القبول للإيجاب . ولو قال في جوابها : أنت طالق طالق طالق واحدة بألف ، انقطع احتمال مقابلة الجميع بالألف ، والباقي كما ذكرناه .

[ ص: 423 ] هذا إذا كانت مدخولا بها ، فإذا لم تكن ، وأراد مقابلة غير الأولى بالألف ، بانت الأولى ، ولغا ما بعدها . ولو قالت له وهو لا يملك إلا طلقة : طلقني طلقتين بألف ، فقال : طلقتك طلقتين ، الأولى منهما بألف ، والثانية مجانا ، استحق الألف .

وإن قال : الثانية منهما بألف ، وقعت الأولى بلا عوض ولغت الثانية . وإن قال : إحداهما بألف ، أو اقتصر على قوله : طلقتك طلقتين ، سئل ، فإن قال : أردت الأولى والثانية ، فعلى ما ذكرنا ، وإن قال : لم أنو شيئا ، ففي استحقاقه المال وجهان ، أصحهما : نعم لمطابقة الجواب السؤال .

ولو أعاد ذكر المال ، فقال : طلقتك طلقتين بألف ، فهل يستحق خمسمائة عملا بالتوزيع ، أم ألفا لحصول البينونة الكبرى ؟ وجهان . أصحهما : الثاني ، وبه قال أبو زيد .

فرع

لو لم يملك إلا طلقة ، فقالت : طلقني ثلاثا بألف ، طلقة أحرم بها في الحال ، وطلقتين يقعان علي إذا نكحتني بعد زوج ، أو تكونان في ذمتك تنجزهما حينئذ ، فطلقها ثلاثا ، وقعت الواحدة ، ولغا كلامهما في الأخرتين .

ثم النص في " المختصر " : أن للزوج مهر المثل ، وللأصحاب طريقان . أحدهما : هذا ، وأصحهما على قولي تفريق الصفقة للجمع بين مملوك وغيره ، فإن أبطلنا ، فله مهر المثل ، وإن صححنا ، فلها الخيار في العوض لتبعيض مقصودها ، فإن فسخت ، فله مهر المثل ، وإن أجازت ، فهل يجيز بكل الألف ، أم بثلثه عملا بالتقسيط ؟ قولان كالبيع ، ومنهم من قطع هنا بالتقسيط ؛ لأن المشتري بالفسخ [ ص: 424 ] يدفع العقد من كل وجه ، والطلاق هنا لا مدفع له ، فيبعد إلزامها بواحدة ما التزمته للثلاث .

السادسة : قالت : طلقني نصف طلقة بألف ، أو طلق نصفي ، أو يدي ، أو رجلي بألف ، فأجابها بذلك ، أو قال ابتداء : طلقتك نصف طلقة ، أو طلقت نصفك بألف ، فقبلت ، فلا يخفى أن الطلاق يقع مكملا ، وكذا لو كان ذلك بلفظ الخلع وجعلناه طلاقا .

ثم الواجب في هذه الصور ، مهر المثل على الصحيح لفساد صيغة المعاوضة .

ولهذا لو قال : بعتك هذا نصف بيعة ، أو بعته لنصفك أو ليدك ، لم يصح البيع . وإذا فسدت الصيغة ، تعين مهر المثل ، وإنما يجيء الخلاف في الرجوع إلى مهر المثل وبدل المسمى إذا كان الفساد في المسمى . وحكى الإمام وجها واختاره : أنه يجب المسمى ؛ لأن الشرع كمل ذلك المبعض فصار كتكميلها .

التالي السابق


الخدمات العلمية