صفحة جزء
الطرف الثالث في التفويض : يجوز أن يفوض إلى زوجته طلاق نفسها ، فإذا فوض فقال : طلقي نفسك إن شئت ، فهل هو تمليك للطلاق ، أم توكيل به ؟ قولان . أظهرهما : تمليك وهو الجديد ، فعلى هذا ، تطليقها يتضمن القبول ، ولا يجوز لها تأخيره ، فلو أخرت بقدر ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت ، لم يقع . وقال ابن القاص وغيره : لا يضر التأخير ما داما في المجلس ، وقال ابن المنذر : لها أن تطلق متى شاءت ، ولا يختص بالمجلس ، والصحيح الأول ، وبه قال الأكثرون . ولو قال : طلقي نفسك بألف ، أو على ألف إن شئت فطلقت ، وقع بائنا ، وهذا تمليك بعوض . وإذا لم يجر عوض ، فهو كالهبة . قال القفال : ولو قال : طلقي نفسك ، فقالت : كيف يكون تطليقي لنفسي ، ثم قال : طلقت ، وقع الطلاق ولم يكن هذا القدر قاطعا ، وهذا تفريع على أن الكلام اليسير لا يضر تخلله .

أما إذا قلنا : التفويض توكيل ، ففي اشتراط قبولها الخلاف المذكور في سائر الوكالات ، ويجيء الوجه الفارق بين صيغة الأمر بأن يقول : طلقي نفسك . وصيغة العقد ، كقوله : وكلتك في طلاق نفسك . وهل يجوز تأخير التطليق على هذا القول ؟ وجهان . أصحهما : نعم ، فتطلق متى شاءت كتوكيل الأجنبي . والثاني وبه قال القاضي حسين والبغوي : لا ، وطرده القاضي فيما لو قال : وكلتك في طلاق نفسك .

أما إذا قال : طلقي نفسك متى شئت ، فيجوز التأخير قطعا ، وللزوج أن يرجع [ ص: 47 ] فيه قبل أن تطلق نفسها إن جعلناه توكيلا ، وكذا إن جعلناه تمليكا على الصحيح ، ومنعه ابن خيران .

ولو قال : إذا جاء رأس الشهر ، فطلقي نفسك ، فإن قلنا : تمليك ، لغا ، وليس لها التطليق إذا جاء رأس الشهر . . وإن قلنا : توكيل ، جاز كتوكيل الأجنبي . وعلى هذا لو قال : إذا جاء رأس الشهر ، فطلقي نفسك ، إن ضمنت لي ألفا ، أو قال : طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفا بعد شهر ، فإذا طلقت نفسها على ألف بعد مضي الشهر ، طلقت ولزمها الألف .

قال إسماعيل البوشنجي : لو قال لأجنبي : إذا جاء رأس الشهر ، فأمر امرأتي بيدك ، فإن كان قصده بذلك إطلاق الطلاق له بعد انقضاء الشهر ، فله التطليق بعد أي وقت شاء ، إلا أن يطرأ منع ، وإن أراد تقييد الأمر برأس الشهر ، تقيد الطلاق به ، وليس له التطليق بعده ، ولو قال : إذا مضى هذا الشهر فأمرها بيدك ، فمقتضاه إطلاق الإذن بعده ، فيطلقها بعده متى شاء ولو قال : أمرها بيدك إلى شهر أو شهرا ، فله أن يطلقها إلى شهر ، وليس له تطليقها بعده .

وهذه الأحكام في حق الزوجة ، كهي في حق الأجنبي إذا جعلنا التفويض إليها توكيلا .

فرع

قال : طلقي نفسك ، فقالت : طلقت نفسي أو أنا طالق إذا قدم زيد ، لم يقع الطلاق إذا قدم ، لأنه لم يملكها التعليق ، وكذا حكم الأجنبي ، وفيها وجه حكاه الحناطي .

[ ص: 48 ] ولو قال لها : علقي طلاقك ، ففعلت ، أو قاله لأجنبي ، ففعل ، لم يصح ، لأن تعليق الطلاق يجري مجرى الأيمان ، فلا يدخله نيابة ، وقيل : يصح ، وقيل : إن علق على صفة توجد لا محالة ، كطلوع الشمس ، ورأس الشهر ، صح لأن مثل هذا التعليق ليس بيمين ، وإن كانت محتملة الوجود كدخول الدار ، لم يصح ، لأنه يمين ، والصحيح هو الأول ، وبه قطع البغوي .

فرع

تفويض الإعتاق إلى العبد ، كتفويض التطليق إلى الزوجة في الأحكام المذكورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية