صفحة جزء
الطرف الثاني في التكرار : فيه مسائل :

إحداها : قال لمدخول بها : أنت طالق أنت طالق ، نظر إن سكت بينهما سكتة فوق سكتة التنفس ونحوه ، وقع طلقتان ، فإن قال : أردت التأكيد ، لم يقبل ظاهرا ويدين ، وإن لم يسكت وقصد التأكيد قبل ولم يقع إلا طلقة ، وإن قصد الاستئناف ، وقع طلقتان ، وكذا إن أطلق على الأظهر . ولو قال : أنت طالق طالق ، فقال القاضي حسين : يقع عند الإطلاق طلقة قطعا ، وقال الجمهور : لا فرق بين اللفظين . ولو كرر اللفظة ثلاثا ، وأراد بالآخرتين تأكيد الأولى لم يقع إلا واحدة وإن أراد الاستئناف ، وقع الثلاث وإن أطلق فكذا على الأظهر . ولو قال : قصدت بالثالثة تأكيد الثانية ، وبالثانية تأكيد الأولى ، وبالثالثة الاستئناف ، وقع طلقتان .

ولو قصد بالثالثة تأكيد الأولى ، وقع الثلاث على الأصح ، وقيل : طلقتان ، ولا يقدح هذا الفصل اليسير . وإن قصد بالثانية الاستئناف ، ولم يقصد بالثالثة شيئا أو بالثالثة الاستئناف ولم يقصد بالثانية شيئا ، وقع الثلاث على الأظهر ، وفي قول طلقتان .

ولو قال : أنت مطلقة ، أنت مسرحة ، أنت مفارقة ، فهو كقوله : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق على الأصح . وقيل : تقع هنا الثلاث قطعا ، حكاه الحناطي . ولو قال : أنت طالق ، وطالق ، وطالق ، وقال : قصدت بالثاني تأكيد الأول ، لم يقبل في الظاهر ، ويجوز أن يقصد بالثالث تأكيد الثاني لتساويهما ، [ ص: 79 ] ويجوز أن يقصد به الاستئناف ، وإن أطلق ، فعلى القولين . ولو قال : قصدت بالثالث تأكيد الأول ، لم يقبل . ولو قال : أنت طالق وأنت طالق ، أو أنت طالق بل طالق ، أو أنت طالق ثم طالق ، أو أنت طالق بل طالق بل طالق . فهو كقوله : طالق وطالق وطالق . ولو قال : أنت طالق ، فطالق ، فطالق ، أو أنت طالق ، ثم طالق ثم طالق ، فهو كقوله : طالق وطالق وطالق . ولو قال : أنت طالق وطالق فطالق ، أو أنت طالق ، ثم طالق ، بل طالق ، أو أنت طالق ، فطالق ثم طالق ، تعين الثلاث ولا مدخل للتأكيد لاختلاف الألفاظ . ونص في " الإملاء " ، أنه لو قال : طالق وطالق ، لا بل طالق . وقال : شككت في الثانية ، فاستدركت بقولي : لا بل طالق لأحقق إيقاع الثانية قبل ولم يقع إلا طلقتان ، فجعل الأصحاب المسألة على قولين : أحدهما هذا ، والثاني وهو المشهور وظاهر نصه في المختصر : لا يقبل ويقع الثلاث كسائر الألفاظ المتغايرة .

ولو قال : أنت طالق وطالق ، بل طالق من غير لفظ " لا " ، فالمذهب وقوع الثلاث قطعا كما سبق . وقيل بطرد القولين .

فرع

قال لها قبل الدخول : أنت طالق طالق ، أو أنت طالق وطالق ، أو طالق فطالق ، أو أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، أو أنت طالق بل طالق وطالق . . لم يقع إلا طلقة لأنها تبين بها ، فلا يقع ما بعدها . وحكي وجه وقول قديم أنه كما لو قال ذلك لمدخول بها على ما سبق ، لأنه كلام واحد فأشبه قوله لها : أنت طالق ثلاثا ، والمذهب الأول ، لأن قوله : ثلاثا ، بيان للأول بخلاف هذه الألفاظ .

فرع

قال لمدخول بها : إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق ، أو قال : [ ص: 80 ] أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار ، فدخلت ، وقع الثلاث ، وإن قاله لغير المدخول بها ، فثلاثة أوجه ، أصحها : تقع الثلاث أيضا إذا دخلت . والثاني : لا يقع إلا واحدة . والثالث : إن قدم الجزاء فقال : أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار . وقع الثلاث . وإن عكس فواحدة . وإن قال : إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار ، فأنت طالق إن دخلت الدار ، فأنت طالق ، فدخلت ، فإن قصد التأكيد ، وقع طلقة . وإن قصد الاستئناف ، وقع الثلاث . وإن أطلق ، فعلى أيهما يحمل ؟ قال البغوي : فيه قولان بناء على ما لو حنث في أيمان بفعل واحد ، هل تتعدد الكفارة ؟ وقال المتولي : يحمل على التأكيد إذا لم يحصل فصل ، أو حصل واتحد المجلس . فإن اختلف فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان . وإذا حمل على التأكيد ، فيقع عند الدخول طلقة أم يتعدد ؟ وجهان بناء على تعدد الكفارة وعدمه . ولو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة ، وإن دخلت الدار فأنت طالق طلقتين ، قال ابن الحداد والأصحاب : تطلق بالدخول ثلاثا سواء كان مدخولا بها أم غيرها لأن الجميع يقع دفعة . قال البغوي : وكذا في الصور المتقدمة لا فرق بين المدخول بها وغيرها ، لأن على تقدير التعدد يقع الجميع حال الدخول .

ولو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، ثم طالق ، لم يقع بالدخول في غير المدخول بها إلا طلقة لأن " ثم " للتراخي . قال المتولي : وكذا لو أخر الشرط فقال : أنت طالق ، ثم طالق إن دخلت الدار .

المسألة الثانية : قال : أنت طالق طلقة فطلقة ، أو طالق فطالق ، وقع طلقتان على المذهب . وقيل : قولان . ولو قال : طلقة بل طلقتين ، وقع الثلاث فإن كانت غير مدخول بها ، بانت بالأولى ولم تقع الزيادة في الصورتين .

المسألة الثالثة : قال لمدخول بها : أنت طالق طلقة معها طلقة ، أو مع [ ص: 81 ] طلقة ، وقع طلقتان . وهل يقعان معا بتمام الكلام ، أم متعاقبين ؟ وجهان . أصحهما : الأول . فإن قال ذلك لغير المدخول بها ، طلقت على الأول طلقتين ، وعلى الثاني طلقة .

ولو قال : طلقة تحت طلقة ، أو تحتها طلقة ، أو فوق طلقة ، أو فوقها طلقة ، فقال الإمام والغزالي : حكمها حكم " مع " ، وقال المتولي كلاما يقتضي الجزم بأن غير المدخول بها لا يقع عليها إلا طلقة ، لأن وصف الطلاق بالفوقية والتحتية محال ، فيلغو ويصير كقوله : طالق طالق ، وفي المدخول بها وجه أنه لا يقع إلا واحدة ، كما لا يلزم في الإقرار إلا درهم ، واختاره ابن كج والحناطي . ولو قال لمدخول بها : أنت طالق طلقة قبل طلقة ، أو بعدها طلقة ، وقع طلقتان . إحداهما بعد الأخرى . ولو كانت غير مدخول بها ، وقعت واحدة وبانت .

ولو قال لمدخول بها : أنت طالق طلقة بعد طلقة ، أو قبلها طلقة ، وقع طلقتان متعاقبتان على الصحيح الذي قطع به الجمهور . وفي كتاب ابن كج وجه أنه لا يقع إلا واحدة ، لاحتمال أن يكون المعنى : قبلها طلقة مملوكة أو ثابتة ، قال : وهذا عند الإطلاق ، ولو قال : أردت ذلك ، صدق بيمينه لا محالة . فإذا قلنا بالصحيح ، ففي كيفية تعاقبهما وجهان . أحدهما : تقع أولا المنجزة ، ثم المضمنة ، ويلغو قوله : قبلها ، كما لو قال : أنت طالق أمس ، يقع في الحال ، ويلغو قوله : أمس . وأصحهما : تقع أولا المضمنة ، ثم المنجزة ، لأن المعنى يقتضي ذلك ، وليس المراد أن المضمنة تقع قبل تمام اللفظ ، بل يقعان بعد تمام اللفظ ، فتقع المضمنة عقب اللفظ ، ثم المنجزة في لحظة عقبها . فإن قال ذلك لغير المدخول بها ، فأوجه . أصحها : يقع واحدة . والثاني : لا يقع شيء ، والثالث : يقع طلقتان ، ويلغو قوله : قبلها ، ويصير كأنه قال : طلقتين وهو ضعيف ، ولو قال للمدخول بها : أنت [ ص: 82 ] طالق طلقة ، قبلها طلقة وبعدها طلقة ، طلقت ثلاثا . ولو قال : قبلها وبعدها طلقة ، وقع الثلاث على الصحيح . وقيل : طلقتان ، ويلغو قوله : قبلها .

ولو خاطب غير المدخول بها بأحد هذين اللفظين ، فهل يقع واحدة أم لا يقع شيء ؟ وجهان . أصحهما : الأول . ومتى قال : أردت بقولي : بعدها طلقة ، أي سأطلقها بعد هذا طلقة ، لم يقبل ظاهرا ويدين ، ولو قال : أردت بقولي : قبلها أن زوجا آخر طلقها في نكاح آخر ، فعلى ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، فيما إذا قال : أنت طالق في الشهر الماضي ، وفسر بهذا .

المسألة الرابعة : قال لمدخول بها : أنت طالق وطالق ، وقع طلقتان على الترتيب .

ولو قال : أنت طالق ثلاثا ، فالصحيح وقوع ثلاث عند فراغه من قوله : ثلاثا . وقيل : ثنتين بالفراغ

[ من ] وقوع الثلاث بقوله : أنت طالق . قال الإمام : وقياس من قال : يقع طلقة ، إذا أراد بقوله : أنت طالق ثلاثا ، فماتت قبل قوله : ثلاثا : أن يقع هنا طلقة بقوله : أنت طالق ، ويتم الثلاث بقوله : ثلاثا ، لكنه ضعيف ، لأنه لا خلاف أنه لو قال لغير المدخول بها : أنت طالق ثلاثا وقع الثلاث ، وذلك يدل على أنها لا تقع مرتبة .

المسألة الخامسة : قال لغير المدخول بها : أنت طالق خمسا ، أو قال : إحدى عشرة ، وقع الثلاث ، ولو قال لها : واحدة ومائة ، لم يقع إلا واحدة . ولو قال : إحدى وعشرين ، فهل يقع الثلاث أم واحدة ؟ وجهان لترددها بين الصورتين .

قلت : الأصح ، أنه تقع واحدة لأنه معطوف كقوله : واحدة ومائة ، بخلاف إحدى عشرة ، فإنه مركب فهو بمعنى المفرد . والله أعلم . [ ص: 83 ] ولو قال : طلقة ونصفا ، لم يقع إلا واحدة .

فرع

قال : أنت طالق واحدة ، بل ثنتين أو ثلاثا ، فإن كانت مدخولا بها ، وقع ثلاث ، وإلا فواحدة .

ولو قال : ثنتين بل واحدة ، طلقت المدخول بها ثلاثا ، وغيرها طلقتين . ولو قال : أنت طالق واحدة بل ثلاثا إن دخلت الدار ، فوجهان . أصحهما وبه قال ابن الحداد : يقع واحدة بقوله : أنت طالق ، ويتعلق طلقتان بدخول الدار . والثاني : يتعلق الثلاث بالدخول إلا أن يقول : أردت تخصيص الشرط بقولي : بل ثلاثا . فإن قاله لغير مدخول بها ، فعلى الوجه الأول تبين بالواحدة الواقعة في الحال ، فإن نكحها بعد ذلك ودخلت ، فقيل فيه قولا عود الحنث ، والمذهب ، أنه لا يقع قطعا ، لأنها إذا بانت كان التعليق بالدخول واقعا في حال البينونة ، فيلغو . وعلى الوجه الثاني يتعلق الثلاث بالدخول ، فإذا دخلت ، فعلى الوجهين السابقين ، فيما إذا قال لغير المدخول بها : إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق ، فعلى وجه : لا يقع إلا واحدة ، وعلى الأصح : يقع الثلاث . ولو قال لغير المدخول بها : أنت طالق طلقتين ، بل ثلاثا إن دخلت الدار ، فعلى قول ابن الحداد : يقع طلقتان في الحال ، ولا يصح تعليق الثالثة . وعلى الثاني تتعلق الثلاث بالدخول ، فإذا دخلت ، ففي وجه يقع طلقة ، وعلى الأصح ثلاث .

فرع

قال : أنت طالق تطليقة ، قبلها كل تطليقة ، أو بعدها كل تطليقة ، قال إسماعيل البوشنجي : قياس المذهب أن يقال : إن كانت مدخولا بها ، وقع الثلاث مع ترتيب بين الواحدة وباقي الثلاث ، وإلا ، فوجهان . أصحهما : يقع واحدة . والثاني : لا شيء .

[ ص: 84 ] فرع

عن أبي العباس الروياني

لو قال : أنت طالق كألف ، فإن نوى عددا ، وقع ، وإلا فواحدة ، وأنه لو قال : أنت طالق حتى تتم ثلاث ، فهل تقع ثلاث ، أم تعتبر نيته ، فإن لم ينو ، فواحدة ؟ فيه وجهان ، ويقرب منه ما إذا قال : أنت طالق حتى أكمل ثلاثا ، أو أوقع عليك ثلاثا ، وأنه لو قال : أنت طالق ألوانا من الطلاق ، تعتبر نيته ، فإن لم ينو ، فواحدة .

وأنه لو قال : يا مطلقة : أنت طالق ، وكان طلقها قبل ذلك ، فقال : أردت تلك الطلقة ، فهل يقبل أم يقع أخرى ؟ وجهان . ذكر إسماعيل البوشنجي : أنه لو قالت له : طلقني وطلقني وطلقني ، أو طلقني طلقني طلقني ، أو قالت : طلقني ثلاثا ، فقال : طلقتك ، أو قد طلقتك ، أو أنت طالق . فإن نوى عددا ، وقع ، وإلا فواحدة ، وأنه لو طلقها واحدة رجعية ثم قال : جعلتها ثلاثا ، فهو لغو لا يقع به شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية