صفحة جزء
الباب الخامس في الشك في الطلاق

إذا شك ، هل طلق ؟ لم يحكم بوقوعه ، وكذا لو علق الطلاق على صفة وشك في حصولها ، كقوله : إن كان هذا الطائر غرابا ، فأنت طالق ، وشك في كونه غرابا ، أو قال : إن كان غرابا فزينب طالق ، وإن كان حمامة ، فعمرة طالق ، وشك هل كان غرابا أم حمامة أم غيرهما فلا يحكم بالطلاق . ولو تيقن أصل الطلاق ، وشك في عدده ، أخذ بالأقل ، ويستحب الأخذ بالاحتياط ، فإن شك في أصل الطلاق ، راجعها ليتيقن الحل ، وإن زهد فيها ، طلقها لتحل لغيره يقينا ، وإن شك في أنه طلق ثلاثا أم اثنتين ؟ لم ينكحها حتى تنكح زوجا غيره ، وإن شك هل طلق ثلاثا أم لم يطلق شيئا ؟ طلقها ثلاثا .

فصل

تحته زينب وعمرة ، فقال : إن كان هذا الطائر غرابا ، فزينب طالق ، وإلا فعمرة طالق ، وأشكل حاله ، طلقت إحداهما ، وعليه اعتزالهما جميعا حتى يتبين الحال ، [ ص: 100 ] وعليه البحث والبيان . ولو قال : إن كان غرابا فامرأتي طالق ، فقال رجل آخر : إن لم يكن غرابا فامرأتي طالق ، لم يحكم بوقوع الطلاق على واحد منهما .

فرع

قال : إن كان هذا الطائر غرابا ، فعبدي حر ، وقال آخر : إن لم يكن غرابا ، فعبدي حر ، وأشكل ، فلكل واحد منهما التصرف في عبده ، فإن ملك أحدهما عبد الآخر بشراء أو غيره ، واجتمع عنده العبدان ، منع التصرف فيهما ويؤمر بتعيين العتق في أحدهما ، كما لو كانا في ملكه وعلق التعليقين ، وعليه البحث عن طريق البيان ، وفي وجه : إنما يمتنع التصرف في الذي اشتراه ، فلا يتصرف فيه حتى يحصل البيان ، ولا يمتنع التصرف في الأول .

قلت : هذان الوجهان نقلهما الإمام وآخرون ، ورجحوا الأول ، وبه قطع المتولي ، لكن قطع الشيخ أبو حامد وسائر العراقيين ، أو جماهيرهم ، بأن العتق يتعين في العبد المشترى ، ويحكم بعتقه إذا تم تملكه ظاهرا ، ولكن الأول أفقه . والله أعلم .

ولو باع أحدهما عبده ، ثم اشترى عبد صاحبه ، قال في " البسيط " : لم أره مسطورا ، والقياس أن ينفذ تصرفه فيه ، لأن بيع الأول لواقعة انقضت ، وتصرفه في الثاني واقعة أخرى ، كما لو صلى إلى جهتين باجتهادين .

قلت : أما على طريقة العراقيين التي نقلتها ، فيعتق عليه الثاني بلا شك ، وأما على الطريقة الأخرى ، فيحتمل ما قاله في " البسيط " ، ويحتمل بقاء الحجر في الثاني حتى يتبين الحال ، وهو قريب من الخلاف فيما إذا اشتبه إناءان [ ص: 101 ] فانصب أحدهما ، هل يجتهد في الثاني ، أم يأخذ بطهارته ، أم يعرض عنه ، والأقيس بقاء الحجر احتياطا للعتق ، ولأن الأموال وغراماتها أشد من القبلة وسائر العبادات ، ولهذا لا يعذر الناسي والجاهل في الغرامات ، ويعذر في كثير من العبادات ، ويؤيد ما ذكرته أن إقدامه على بيع عبده كالمصرح بأنه لم يعتق ، وأن الذي عتق هو عبد الآخر ، وقد سبق أنه لو صرح بذلك ، عتق عليه عبد صاحبه إذا ملكه قطعا ، وقد ذكر الغزالي في " الوسيط " : احتمالين ، أحدهما : ما ذكره في " البسيط " . والثاني : خلافه وهو يؤيد ما قلته . والله أعلم .

هذا كله إذا لم يصدر منه غير التعليق السابق ، فإن قال للآخر : حنثت في يمينك ، فقال : لم أحنث ، ثم ملك عبده ، حكم عليه بعتقه قطعا لإقراره بحريته ، ولا رجوع له بالثمن إن كان اشتراه . ولو صدر هذان التعليقان من شريكين في عبد ، فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى في " كتاب العتق " .

فرع

قال : أنت طالق بعدد كل شعرة على جسد إبليس ، قال إسماعيل البوشنجي : قياس مذهبنا : أنه لا يقع طلاق أصلا ، لأنا لا ندري أعليه شعر أم لا ؟ والأصل العدم ، وعن بعض أصحاب أبي حنيفة وقوع طلقة .

قلت : القياس وقوع طلقة ، وليس هذا تعليقا على صفة ، فيقال : شككنا فيها بل هو تنجيز طلاق ، وربط لعدده بشيء شككنا فيه ، فنوقع أصل الطلاق ، ونلغي العدد ، فإن الواحدة ليست بعدد ، لأن أقل العدد اثنان ، فالمختار وقوع طلقة . والله أعلم .

[ ص: 102 ] فصل

طلق إحدى امرأتيه بعينها ثم نسيها ، حرم عليه الاستمتاع بكل منهما حتى يتذكر ، فإن صدقناه في النسيان ، فلا مطالبة بالبيان ، وإن كذبناه وبادرت واحدة وقالت : أنا المطلقة ، لم يقنع منه في الجواب بقوله : نسيت ، أو لا أدري ، وإن كان قوله محتملا ، بل يطالب بيمين جازمة أنه لم يطلقها ، فإن نكل ، حلفت وقضي باليمين المردودة .

فصل

قال لزوجته وأجنبية : إحداكما طالق ، وقال : نويت الأجنبية ، قبل قوله بيمينه على الصحيح المنصوص في " الإملاء " ، وبه قطع الجمهور ، وقيل : تطلق زوجته ، قال البغوي في " الفتاوى " : لو قال : لم أنو بقلبي واحدة ، طلقت امرأته ، وإنما ينصرف عنها بالنية ، ولو حضرتا ، فقالت زوجته : طلقني ، فقال : طلقتك ، ثم قال : أردت الأجنبية ، لم يقبل ، ذكره البغوي ، وأمته مع زوجته ، كالأجنبية مع الزوجة .

ولو كان معها رجل أو دابة ، فقال : أردت الرجل ، أو الدابة ، لم يقبل . ولو كان اسم زوجته زينب ، فقال : زينب طالق ، ثم قال : أردت جارتي زينب ، فثلاثة أوجه ، الصحيح الذي عليه الجمهور : أنه لا يقبل ، فتطلق زوجته ظاهرا ويدين ، وقيل : يصدق بيمينه كالصورة السابقة ، وهذا اختيار القاضي أبي الطيب الطبري وغيره ، والثالث ، قاله إسماعيل البوشنجي : إن قال : زينب طالق ، ثم قال : أردت الأجنبية ، قبل ، وإن قال : طلقت زينب ، لم يقبل ، وهذا ضعيف . ولو نكح امرأة نكاحا صحيحا ، وأخرى نكاحا فاسدا ، فقال لهما : إحداكما طالق ، وقال : أردت فاسدة النكاح ، فيمكن أن يقال : إن قبلنا التفسير بالأجنبية ، فهذه أولى ، وإلا فوجهان .

التالي السابق


الخدمات العلمية