صفحة جزء
فصل

علق بقذف زيد ، طلقت بقذفه حيا أو ميتا ، فلو قال : إن قذفت فلانا في المسجد فأنت طالق ، فالمعتبر كون القاذف في المسجد . ولو قال : إن قتلته في المسجد ، اشترط كون المقتول في المسجد ، والفرق أن قرينة الحال تشعر بأن المقصود الامتناع مما يهتك [ حرمة ] المسجد ، وهتك الحرمة إنما تحصل إذا كان القاذف والمقتول فيه دون عكسه ، فإن قال : أردت العكس ، قبل منه في الظاهر على الأصح . ولو قال : إن قذفت أو قتلت فلانا في الدار ، سئل عما أراد .

فصل

قال : إن رأيت زيدا فأنت طالق ، فرأته حيا أو ميتا أو نائما ، طلقت وإن كان الرائي أو المرئي مجنونا أو سكران ، ثم يكفي رؤية شيء من بدنه وإن قل ، وقيل : يعتبر الوجه . ولو كان كله مستورا بثوب ، أو رأته في المنام لم تطلق ، ولو رأته وهو في ماء صاف لا يمنع الرؤية أو من وراء زجاج شفاف ، طلقت على الصحيح . ولو نظرت في المرآة أو في الماء فرأت صورته ، لم تطلق ، وفيه احتمال ضعيف للإمام . ولو قال للعمياء : إن رأيت زيدا فأنت طالق ، قال الإمام : الصحيح أن الطلاق معلق بمستحيل ، فلا يقع ، وفي وجه : يحمل على اجتماعهما في مجلس ، لأن الأعمى يقول : رأيت اليوم زيدا ، ويريد الحضور عنده .

فرع

علق برؤيته أو رؤيتها الهلال ، فهو محمول على العلم ، فرؤية غير المعلق برؤيته

[ كرؤيته ] وتمام العدد كرؤيته ، فيقع الطلاق به وإن لم ير الهلال .

[ ص: 191 ] ولو قال : أردت بالرؤية المعاينة ، دين ويقبل أيضا ظاهرا على الأصح . ولو كان المعلق برؤيته أعمى ، لم يقبل التفسير بالمعاينة في الظاهر على الأصح .

وحكى الحناطي فيما إذا أطلق ولم ينو شيئا قولين في وقوع الطلاق برؤية الغير ، هذا كله فيمن علق برؤية الهلال باللغة العربية ، فلو علق بالعجمية ، فعن القفال : أنه يحمل على المعاينة ، سواء فيه البصير والأعمى ، وادعى أن العرف الشرعي في حمل الرؤية على العلم ، لم يثبت إلا في العربية ، ومنع الإمام الفرق بين اللغتين .

وفي " التهذيب " وجه : أنه يحمل في حق الأعمى على العلم . وإذا أطلق التعليق برؤية الهلال ، حمل على أول شهر يستقبله ، حتى لو لم ير في الشهر الأول ، انحلت اليمين ، قاله البغوي ، وهو محمول على ما إذا صرح بالمعاينة أو فسر بها وقبلناه . قال البغوي : والرؤية في الليلة الثانية والثالثة ، كهي في الأولى ، ولا أثر لها بعد الثلاث ، لأنه لا يسمى هلالا بعد ثلاث . وفي " المهذب " : أنه لو لم يره حتى صار قمرا ، لم تطلق ، وحكى خلافا فيما يصير به قمرا ، هل هو باستدارته ، أم بأن يبهر ضوءه ؟ قلت : هذا المنقول عن " المهذب " ، مذكور في " الحاوي " ، وفيما تفرع عنه ، والمختار ما ذكره البغوي . - والله أعلم .

والمعتبر الرؤية بعد غروب الشمس ، ولا أثر للرؤية قبله .

فصل

قال : إن كلمت زيدا فأنت طالق ، فكلمته وهو سكران أو مجنون طلقت ، قال ابن الصباغ : يشترط أن يكون السكران بحيث يسمع ويكلم ، وإن كلمته وهو نائم أو مغمى عليه ، أو هذت بكلامه في نومها وإغمائها لم تطلق . ولو كلمته [ ص: 192 ] وهي مجنونة ، قال ابن الصباغ : لا تطلق . وعن القاضي حسين ، أنها تطلق .

والظاهر تخريجه على حنث الناسي وأما كلامها في سكرها ، فتطلق به على الأصح ، إلا إذا انتهت إلى السكران الطافح . ولو خفضت صوتها بحيث لا يسمع وهو الهمس ، لم تطلق وإن وقع في سمعه شيء وفهم المقصود اتفاقا ، لأنه لا يقال : كلمته ، ولو نادته من مسافة بعيدة لا يسمع منها الصوت ، لم تطلق ، ولو حملت الريح كلامها ووقع في سمعه ، فقد أشار الإمام إلى تردد فيه ، والمذهب أنها لا تطلق . وإن كانت المسافة بحيث يسمع فيها الصوت ، فلم يسمع لذهول أو شغل طلقت ، فإن لم يسمع لعارض لغط أو ريح ، أو لصمم به ، فوجهان ، أحدهما : تطلق ، وبه أجاب الروياني ، وكذا الإمام والغزالي في صورة اللغط ، وأصحهما عند البغوي : لا طلاق حتى يرتفع الصوت بقدر ما يسمع في مثل تلك المسافة مع ذلك العارض ، فحينئذ يقع وإن لم يسمع ، ورأى الإمام القطع بالوقوع إذا كان اللغط بحيث لو فرض معه الإصغاء لأمكن السماع ، وكذا في تكليم الأصم إذا كان وجهه إليه وعلم أنه يكلمه ، وقطع الحناطي بعدم الوقوع إذا كان الصم بحيث يمنع السماع ، وحكى قولين فيما إذا قال : إن كلمت نائما أو غائبا عن البلد ، هل يقع الطلاق في الحال بناء على الخلاف في التعليق بالمستحيل . ويحتمل أن يقال : لا تطلق حتى تخاطبه مخاطبة المكلمين ، وبنحو منه أجاب القاضي أبو الطيب فيما إذا قال : إن كلمت ميتا أو حمارا .

فصل

إذا علق الطلاق بفعل شيء ، ففعله وهو مكره ، أو ناس للتعليق ، أو جاهل به ، ففي وقوع الطلاق قولان ، وذكر صاحب " المهذب " والروياني وغيرهما ، أن الأظهر في الأيمان ، أنه لا يحنث الناسي والمكره ، ويشبه أن يكون الطلاق [ ص: 193 ] مثله . وقطع القفال بأنه يقع الطلاق . ولا يخرج على القولين في الأيمان ، لأن التعويل في الأيمان على تعظيم اسم الله تعالى ، والحنث هتك حرمة ، والناسي والمكروه غير منتهك ، والطلاق تعليق بصفة ، وقد وجدت ، والمذهب الأول ، وعليه الجمهور .

قلت : قد رجح الرافعي في كتابه المحرر أيضا عدم الحنث في الطلاق واليمين جميعا ، وهو المختار للحديث الحسن : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه . والمختار أنه عام فيعمل بعمومه ، إلا فيما دل دليل على تخصيصه ، كغرامة المتلفات . - والله أعلم .

ولو علق بفعل الزوجة ، أو أجنبي ، فإن لم يكن للمعلق بفعله شعور بالتعليق ، ولم يقصد الزوج إعلامه ، أو كان ممن لا يبالي بتعليقه ، بأن علق بقدوم الحجيج أو السلطان ، طلقت بفعله في حالتي النسيان والإكراه على المذهب ، وقيل : إن فعله مكرها ، ففيه القولان ، فكأنه لا فعل له ، وإن كان المعلق بفعله عالما بالتعليق ، وهو ممن يبالي بتعليقه ، وقصد المعلق بالتعليق منعه ، ففعله ناسيا أو مكرها أو جاهلا ، ففيه القولان . ولو قصد منعها من المخالفة فنسيت ، قال الغزالي : لا تطلق قطعا لعدم المخالفة ، ويشبه أن يراعى معنى التعليق ويطرد الخلاف .

قلت : الصحيح قول الغزالي ، ويقرب منه عكسه ، وهو أنه لو حلف لا يدخل عمدا ولا ناسيا ، فدخل ناسيا ، فنقل القاضي حسين : أنه يحنث بلا خلاف . - والله أعلم .

ولو علق بدخول طفل أو بهيمة أو سنور ، فدخل ، طلقت ، قال الحناطي : ويحتمل المنع ، وإن حصل دخولهم كرها ، لم تطلق ، قال : ويحتمل الوقوع ، إذ لا قصد لهم ، فلا أثر لإكراههم .

[ ص: 194 ] قلت : ذكر الإمام الرافعي - رحمه الله - هنا مسائل منثورة كثيرة جدا ، متعلقة بتعليق الطلاق وغيره ، فقدمت منها جملا وفرقتها على مواضع تليق بها مما سبق ، وأذكر هنا باقيها إن شاء الله تعالى . - والله أعلم .

قال لأربع نسوة : إن لم أطأ واحدة منكن اليوم ، فصواحبها طوالق ، فإن وطئ واحدة منهن ذلك اليوم ، انحلت اليمين ، وإن لم يطأ واحدة ، طلقت كل واحدة طلقة . وإن قال : أيتكن لم أطأها اليوم ، فإن الأخريات طوالق ، فمضى اليوم ، ولم يطأ واحدة ، طلقن ثلاثا ثلاثا ، وإن وطئ واحدة فقط ، طلقت هي ثلاثا ، لأن لها ثلاث صواحب لم يطأهن ، وطلقت الباقيات طلقتين طلقتين ، لأن لها صاحبتين لم يطأهما ، ولو وطئ امرأتين ، طلقتا طلقتين ، وطلقت الأخريان طلقة طلقة . ولو وطئ ثلاثا طلقن طلقة طلقة ، ولم تطلق الرابعة ، لأنه ليس لها صاحبة غير موطوءة . ولو قال : أيتكن لم أطأها فالأخريات طوالق ، ولم يقيد بوقت ، فجميع العمر وقت له ، فإن مات أو متن قبل الوطء ، طلقت كل واحدة ثلاثا قبيل الموت ، وإن ماتت واحدة والزوج حي ، لم يحكم بطلاق الميتة ، لأنه قد يطأ الباقيات ويطلق الباقيات طلقة طلقة . فلو ماتت ثانية قبل الوطء ، تبينا وقوع طلقة على الأولى قبيل موتها ، وطلقت كل واحدة من الباقيتين طلقة أخرى إن بقيتا في العدة . فإن ماتت الثالثة قبل الوطء ، تبينا وقوع طلقتين على الأوليين قبيل موتهما ، وطلقت الباقية طلقة ثالثة ، فإن ماتت الرابعة قبل الوطء ، تبينا وقوع الثلاث على الجميع .

التالي السابق


الخدمات العلمية