صفحة جزء
فصل

عن البويطي أنه لو قال : أنت طالق بمكة ، أو في مكة ، أو في البحر ، طلقت في الحال ، إلا أن يريد إذا حصلت هناك . وكذا لو قال : في الظل وهما في الشمس ، بخلاف ما إذا كان الشيء منتظرا غير حاصل ، كقوله : في الشتاء وهما في الصيف ، لا يقع حتى يجيء الشتاء .

فصل

في الزيادات لأبي عاصم العبادي أنه لو قال : إن أكلت من الذي طبخته هي فهي طالق ، فوضعت القدر على الكانون ، وأوقدت غيرها ، لم تطلق ، وكذا لو سجر التنور غيرها ووضعت القدر فيه . وأنه لو قال : إن كان في بيتي نار فأنت طالق ، وفيه سراج ، طلقت وأنه لو حلف لا يأكل من طعامه ، ودفع إليه دقيقا ليخبزه له فخبزه بخميرة من عنده ، لم يحنث لأنه مستهلك .

وأنها لو قالت : لا طاقة لي بالجوع معك ، فقال : إن جعت يوما في بيتي فأنت طالق ، ولم ينو المجازاة ، تعتبر حقيقة الصفة ، ولا تطلق بالجوع في أيام الصوم ، وأنه لو قال : إن دخلت دارك فأنت طالق ، فباعتها ودخلها ، لم تطلق على الأصح .

فصل

[ ص: 212 ] قال : إن لم تكوني أحسن من القمر ، أو إن لم يكن وجهك أحسن من القمر فأنت طالق ، قال القاضي أبو علي الزجاجي والقفال وغيرهما : لا تطلق ، واستدلوا بقول الله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم

[ التين : 4 ] .

قلت : هذا الحكم والاستشهاد ، متفق عليه ، وقد نص عليه الشافعي - رحمه الله - ، وقد ذكرت النص في ترجمة الشافعي من كتاب " الطبقات " . قال الشيخ إبراهيم المروذي : لو قال : إن لم أكن أحسن من القمر فأنت طالق ، لا تطلق ، وإن كان زنجيا أسود . - والله أعلم .

فصل

في فتاوى الحناطي أنه لو قال : إن قصدتك بالجماع فأنت طالق ، فقصدته المرأة ، فجامعها ، لم تطلق ، وإن قال : إن قصدت جماعك ، طلقت في هذه الصورة .

فصل

حكى أبو العباس الروياني ، أن امرأة قالت لزوجها : اصنع لي ثوبا ليكن لك فيه أجر ، فقال : إن كان لي فيه أجر فأنت طالق ، فقالت : استفتيت فيه إبراهيم بن يوسف العالم ، فقال : إن كان إبراهيم بن يوسف عالما فأنت طالق ، فاستفتى إبراهيم بن يوسف فقال : لا يحنث في اليمين الأولى ، لأنه مباح ، والمباح لا أجر له فيه ، ويحنث في الثانية ، لأن الناس يسمونني عالما .

وقيل : يحنث في الأولى أيضا ، لأن الإنسان يؤجر في ذلك إذا قصد البر ، وحكى الوجهين القاضي الروياني في كتابه " التجزئة " وقال : الصحيح الثاني .

قلت : لا معنى للخلاف في مثل هذا ، لأنه إن قصد الطاعة كان فيه أجر ويحنث ، وإلا فلا ، ومقتضى الصورة المذكورة ، أن لا يحنث ، لأنه لم يقع فعل نية الطاعة . - والله أعلم .

فصل

[ ص: 213 ] قال شافعي : إن لم يكن الشافعي أفضل من أبي حنيفة ، فامرأتي طالق ، وقال حنفي : إن لم يكن أبو حنيفة أفضل من الشافعي ، فامرأتي طالق ، لا يحكم بالطلاق على أحدهما ، وشبهوه بمسألة الغراب . وعن القفال : لا يفتى في هذه المسألة وفي تعليق الشيخ إبراهيم المروذي في هذه المسألة ، أنه لو قال السني : إن لم يكن الخير والشر من الله تعالى فامرأتي طالق ، وقال المعتزلي : إن كانا من الله تعالى فامرأتي طالق ، أو قال السني : إن لم يكن أبو بكر أفضل من علي - رضي الله عنهما - فامرأتي طالق ، فقال الرافضي : إن لم يكن علي أفضل من أبي بكر ، وقع طلاق المعتزلي والرافضي ، وأنه لو قال لها : أفرغي البيت من قماشك ، فإن دخلت ووجدت فيه شيئا من قماشك ولم أكسره على رأسك فأنت طالق ، فدخل فوجد في البيت هاونا لها ، فوجهان . أحدهما : لا تطلق ، للاستحالة ، والثاني : تطلق عند اليأس قبيل موتها أو موته .

وأنه لو تخاصم الزوجان فخرجت مكشوفة الوجه ، فعدا خلفها وقال : كل امرأة لي خرجت من الدار مكشوفة ليقع نظر الأجانب عليها فهي طالق ، فسمعت قوله فرجعت ولم يبصرها أجنبي ، طلقت ، ولو قال : كل امرأة لي خرجت مكشوفة ويقع نظر الأجانب عليها فهي طالق ، فخرجت ولم يبصرها أجنبي ، لم تطلق .

والفرق أن الطلاق في الصورة الثانية معلق على صفتين ، ولم يوجد إلا إحداهما ، وفي الأولى على صفة فقط وقد وجدت .

قلت : هكذا صواب صورة هذه المسألة ، وكذا حقيقتها من كتاب إبراهيم المروذي ، ووقعت في نسخ من كتاب الرافعي مغيرة . - والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية