صفحة جزء
المسألة السابعة : سبق أن المؤلي من علق بالوطء مانعا منه ، من حنث في يمين ، أو عتق أو طلاق ونحوها ، فلو لم يتعلق الحنث بالوطء ، بل كان مقربا منه ، فقولان ، المشهور وهو الجديد ، وأخرى قولي القديم : لا يكون مؤليا . والثاني من قولي القديم : يكون مؤليا ، فإذا قال لأربع نسوة : والله لا أجامعكن ، لم يحنث إلا بجماعهن كلهن ، وإذا وطأهن ، لزمه كفارة واحدة ، لأن اليمين واحدة . ولو مات بعضهن قبل الوطء ، انحلت اليمين ، لأنه تحقق امتناع الحنث ، ولا نظر إلى تصور الإيلاج بعد الموت ، فإن اسم الوطء يقع [ ص: 238 ] مطلقه على ما في الحياة . وقيل : إن البر والحنث ، يتعلقان بوطء الميتة . وأشار بعضهم إلى وجه فارق بين ما قبل الدفن وبعده ، ولا أثر لموت بعضهن بعد الوطء ، قال الإمام : والذي أراه أن الوطء في الدبر كهو في القبل في حصول الحنث .

قلت : هذا الذي قاله الإمام متفق عليه ، صرح به جماعات من أصحابنا ، وقد نقله صاحب " الحاوي " و " البيان " عن الأصحاب في القاعدة التي قدمتها ، أن الأصحاب قالوا : الوطء في الدبر كهو في القبل ، إلا في سبعة أحكام أو خمسة ، ليست اليمين منها . - والله أعلم .

ولو طلقهن أو بعضهن قبل الوطء ، لم تنحل اليمين ، بل تجب الكفارة بالوطء بعد البينونة وإن كان زنا ، هذا حكم اليمين ، وأما الإيلاء ، ففيه طرق ، المذهب منها : لا يكون مؤليا في الحال ، فإن وطئ ثلاثا منهن ، صار مؤليا من الرابعة .

وفي قول : يكون مؤليا من الجميع في الحال . فعلى المذهب : لو مات بعضهن قبل الوطء ، ارتفع حكم الإيلاء على الصحيح ، لحصول اليأس من الحنث . ولو مات بعضهن بعد الوطء ، لم يرتفع ، ولو طلق بعضهن قبل الوطء أو بعده ، فكذلك ، حتى لو أبان ثلاثا منهن ووطأهن في البينونة زانيا ، صار مؤليا من الباقية . ولو أبان واحدة قبل الوطء ، ووطئ الثلاث في النكاح ، ثم نكح المطلقة ، ففي عود الإيلاء قولا عود الحنث ، وحكم اليمين باق قطعا ، حتى لو وطئها ، لزمه الكفارة .

وإذا قلنا بالضعيف : إنه مؤل في الحال ، ضربنا المدة ، ولجميعهن المطالبة بعد المدة . فإن وطأهن أو طلقهن ، تخلص من الإيلاء ، وإن وطئ بعضهن ، ارتفع الإيلاء في حق من وطئها ، ولا يرتفع في حق المطلقة ، بل إذا راجعها ضربت المدة ثانيا .

[ ص: 239 ] فرع

قال للنسوة الأربع : والله لا أجامع كل واحدة منكن ، قال الأصحاب : يكون مؤليا من كل واحدة ، ويتعلق بوطء كل واحدة الحنث ولزوم الكفارة ، قالوا : تضرب المدة في الحال ، فإذا مضت ، فلكل واحدة المطالبة بالفيأة أو الطلاق ، فإن طلقهن ، سقطت المطالبة ، فإن راجعهن ، ضربت المدة ثانيا ، وإن طلق بعضهن ، فالباقيات على مطالبتهن .

وإن وطئ إحداهن ، انحلت اليمين في حق الباقيات ، وارتفع الإيلاء فيهن على الأصح عند الأكثرين . وقيل : لا تنحل ولا ترتفع ، وجعلوا على هذا الخلاف ما لو قال : والله لا كلمت واحدا من هذين الرجلين ونظائره ، هذا كلام الأصحاب ، ولك أن تقول : إن أراد بقوله : لا أجامع كل واحدة تخصيص كل واحدة بالإيلاء على وجه لا يتعلق بصواحبها ، فالوجه بقاء الإيلاء في الباقيات ، وإلا فينبغي أن يكون حكم هذه الصورة حكم قوله : والله لا أجامعكن على ما سبق .

فرع

قال : والله لا أجامع واحدة منكن ، فله ثلاثة أحوال .

أحدها : أن يريد الامتناع عن كل واحدة ، فيكون مؤليا منهن كلهن ، ولهن المطالبة بعد المدة ، فإن طلق بعضهن ، بقي الإيلاء في حق الباقيات ، وإن وطئ بعضهن ، حصل الحنث ، لأنه خالف قوله : لا أطأ واحدة منكن ، وتنحل اليمين ، ويرتفع الإيلاء في حق الباقيات .

الحال الثاني : أن يقول : أردت الامتناع عن واحدة منهن لا غير ، فيقبل قوله ، لاحتمال اللفظ . وقال الشيخ أبو حامد : لا يقبل ، للتهمة ، والصحيح الأول ، ثم قد يريد معينة ، وقد يريد مبهمة ، فإن أراد معينة ، فهو مؤل منها ، ويؤمر بالبيان كما في الطلاق ، فإذا بين ، وصدقه الباقيات ، فذاك ، فإن ادعت غير [ ص: 240 ] المعينة أنه أرادها ، وأنكر ، صدق بيمينه ، فإن نكل ، حلفت المدعية ، وحكم بأنه مؤل منها أيضا ، فلو أقر في جواب الثانية أنه نواها ، وأخذناه بموجب الإقرارين ، وطالبناه بالفيأة أو الطلاق ، ولا يقبل رجوعه عن الأولى ، وإذا وطأهما في صورة إقراره ، تعددت الكفارة ، وإن وطأهما في صورة نكوله ويمين المدعية لم تتعدد الكفارة ، لأن يمينها لا تصلح لإلزامه الكفارة .

ولو ادعت واحدة أولا ، أنك أردتني ، فقال : ما أردتك أو ما آليت منك ، وأجاب بمثله الثانية والثالثة ، تعينت الرابعة للإيلاء ، وإن أراد واحدة مبهمة ، أمر بالتعيين . وقال السرخسي : ويكون مؤليا من إحداهن لا على التعيين ، فإذا عين واحدة ، لم يكن لغيرها المنازعة ، ويكون ابتداء المدة من وقت اليمين ، أم من وقت التعيين ؟ وجهان بناء على الخلاف في الطلاق المبهم إذا عينه ، هل يقع من اللفظ أم من التعيين ؟ وإن لم يعين ، ومضت أربعة أشهر فقالوا : تطالب إذا طلبن بالفيأة أو الطلاق ، وإنما يعتبر طلبهن كلهن ليكون طلب المؤلي منها حاصلا ، فإن امتنع ، طلق القاضي واحدة على الإبهام ، ومنع منهن إلى أن يعين المطلقة ، وإن فاء إلى واحدة أو ثنتين ، أو ثلاث ، أو طلق ، لم يخرج عن موجب الإيلاء . وإن قال : طلقت التي آليت منها ، خرج عن موجب الإيلاء ، لكن المطلقة مبهمة ، فعليه التعيين ، هذا هو المذهب في الحال الذي نحن فيه ، ووراءه شيئان . أحدهما : قال المتولي : إذا قال : أردت مبهمة ، قال عامة الأصحاب : تضرب المدة في حق الجميع ، فإذا مضت ، ضيق الأمر عليه في حق من طالب منهن ، لأنه ما من امرأة إلا ويجوز أن يعين الإيلاء فيها ، وظاهر هذا أنه مؤل من جميعهن ، وهو بعيد . الثاني : حكى الغزالي وجها ، أنه لا يكون مؤليا من واحدة منهن ، حتى يبين إن أراد معينة ، أو يعين إن أراد مبهمة ، لأن قصد الإضرار حينئذ يتحقق .

وحكى الإمام هذا الوجه عن الشيخ أبي علي على غير هذه الصورة ، فقال : روى وجها : أنه إذا قال : أردت واحدة ، لا يؤمر بالبيان ، ولا بالتعيين ، بخلاف إبهام الطلاق ، لأن المطلقة خارجة عن النكاح ، فإمساكها منكر ، بخلاف الإيلاء .

[ ص: 241 ] الحال الثالث : أن يطلق اللفظ ، فلا ينوي تعميما ولا تخصيصا ، فهل يحمل على التعميم ، أم على التخصيص بواحدة ؟ وجهان . أصحهما : الأول ، وبه قطع البغوي وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية