صفحة جزء
الطرف الرابع : فيما تحصل به الفيأة ، وهو تغيب الحشفة في القبل خاصة ، فلو استدخلت ذكره ، لم تنحل يمينه .

فلو وطئ بعده ، لزمته الكفارة . وهل تحصل به الفيأة ويرتفع حكم الإيلاء ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، وبه قطع كثيرون ، ولو وطئها مكرها ، ففي وجوب الكفارة القولان فيمن فعل المحلوف عليه ناسيا أو مكرها . فإن أوجبناها ، انحلت اليمين وارتفع الإيلاء ، وإلا ففي انحلال اليمين وجهان يجريان في كل يمين وجد المحلوف عليه بإكراه أو نسيان ، أصحهما : عدم الانحلال ، وهو الأوفق لكلام الأئمة ، وبه قطع الشيخ أبو حامد ، والقاضي أبو الطيب ، لاختلال الفعل .

فإن حكمنا بالانحلال ، حصلت الفيأة وارتفع الإيلاء ، وإلا فوجهان ، أصحهما : كذلك ، وبه أجاب البغوي وغيره . والمسألة مفرعة على أنه يتصور إكراهه على الوطء وهو الراجح .

فرع

لو وطئها المؤلي في المدة أو بعدها وهو مجنون ، فطريقان . قطع العراقيون [ ص: 258 ] بأنه لا يحنث ، ولا تنحل اليمين ، ولا كفارة ، والثاني ، وبه قطع المتولي والبغوي : أن في وجوب الكفارة قولين كالناسي ، لأن المجنون ملحق بالمخطئ في كفارة القتل ، فكذا كفارة اليمين ، فعلى هذا إن أوجبنا الكفارة ، انحلت اليمين ، وإلا فعلى الوجهين في المكره ، فكيف كان ، فالمذهب أنه لا يحنث ، ولا تجب الكفارة ، ولا تنحل اليمين ، وهل يسقط حقها من الفيأة بالوطء في الجنون ؟ وجهان . أحدهما : لا ، بل تطالبه بعد الإفاقة من غير استئناف مدة ، وقيل : لا بد من استئنافها بعد الإفاقة ، وأصحهما : نعم ، لأنها وصلت إلى حقها ، كما لو رد المجنون الوديعة إلى صاحبها ، ولأن وطء المجنون كوطء العاقل في تقرير المهر والتحليل ، وتحريم الربيبة وسائر الأحكام .

فرع

لو آلى من إحدى امرأتيه بعينها ، ووطئها وهو يظنها الأخرى ، قال البغوي : يخرج عن الإيلاء ، وفي الكفارة القولان في الناسي .

فصل

سبق في فصل التعنين ، أن الزوجين إذا اختلفا في الوطء ، فالقول قول النافي إلا في مواضع . أحدها : إذا ادعى العنين الوطء بعد المدة أو فيها . الثاني : إذا ادعى مثل ذلك في الإيلاء ، فالقول قوله في الموضعين ، فإذا حلف ثم طلقها وقال : هذا طلاق رجعي

[ فلي الرجعة ] وهي على إنكار الوطء والعدة ، قال ابن الحداد والجمهور : القول قولها ، ولا يمكن من الرجعة عملا بقياس الخصومات ، وإنما قبلنا قوله في الوطء للضرورة ، وتعذر البينة . وقيل : له الرجعة .

الموضع الثالث : طلق زوجته وولدت ولدا يلحقه ظاهرا ، وقالت : وطئتني فلي كل المهر ، فقال : لم أطأ ، فلك نصفه ، فالمذهب والمنصوص في رواية المزني وغيره ، [ ص: 259 ] أن القول قولها بيمينها . ونقل الربيع قولا آخر ، أن القول قوله بيمينه ، فقيل : قولان ، وقيل : بالأول قطعا ، ورواية الربيع من كيسه ، وقيل : إن اختلفا قبل ظهور الولد وحكمنا بالنصف ، لم يعتبر الحكم بالولد ، وإن اختلفا بعد ظهوره ومات الزوج ، أوجبنا جميع المهر ولا يقبل قول الورثة .

فرع

اختلفا في أصل الإيلاء وفي انقضاء مدته ، فهو المصدق بيمينه ، ولو اعترفت بالوطء بعد المدة وأنكر ، فلا مطالبة لها ، فلو رجعت وقالت : لم يطأني ، لم يسمع قولها ، لأنها أقرت بوصول حقها إليها ، فلا يقبل رجوعها ، ذكره المتولي .

فصل

قال : والله لا أجامعك ، ثم أعاد ذلك مرتين فأكثر ، نظر ، إن أطلق في المرتين ، أو قيد بمدة واحدة كسنة وسنة ، فإن قال : أردت بالثاني تأكيد الأول ، قبل ، وكانت اليمين واحدة ، سواء اتحد المجلس أم تعدد ، طال الفصل أم لا ، وفي وجه ضعيف : إذا طال الفصل ، لا يقبل ، ويكون يمينا أخرى ، ويجري هذا الخلاف فيما لو كرر تعليق الطلاق بصفة ، والصحيح قبول التأكيد أيضا . وإن قال : أردت الاستئناف ، فهما يمينان ، وإن أطلق ، فهل يحمل على التأكيد ، أم الاستئناف ؟ قولان . قال المتولي : إن اتحد المجلس ، فالأظهر يحمل على التأكيد ، وإن تعدد ، فعلى الاستئناف لبعد التأكيد مع اختلاف المجلس . وإن اختلفت المدة المقيد بها ، كقوله : والله لا أجامعك خمسة أشهر ، ثم قال : والله لا أجامعك سنة ، فالأصح أنه كاتحادها . وقيل : يمينان بكل حال ، فإذا لم نحكم بالتعدد ، لم يجب الوطء إلا كفارة ، وإذا حكمنا بالتعدد ، تخلص بالطلاق عن الأيمان كلها ، وتنحل اليمين بوطأة واحدة ، وفي تعدد الكفارة قولان . أظهرهما عند الجمهور : لا يجب إلا كفارة واحدة ، والثاني ، تتعدد بتعدد الأيمان ، وقيل : تتحد قطعا ، وقيل : تتعدد قطعا . [ ص: 260 ] فصل

آلى من زوجته الرقيقة ، ثم ملكها ، ثم باعها أو أعتقها ، ثم نكحها ، ففي عود الإيلاء الخلاف في عود الحنث ، وكذا لو آلى عبد من زوجته ثم ملكته وأعتقته ونكحته ، فعلى الخلاف . وهل الخلاف العائد كالبينونة بالثلاث أم بما دونها ؟ وجهان .

فصل

في فتاوى البغوي ، أن القاضي إذا طالب المؤلي بالفيأة أو الطلاق فامتنع منهما ، وطلبت المرأة من القاضي أن يطلق عليه ، لم يشترط حضوره في تطليق القاضي . ولو شهد عدلان أن زيدا آلى ، ومضت المدة وهو ممتنع من الفيأة أو الطلاق ، لم يطلق عليه ، بل لا بد من الامتناع بين يديه ، كما في العضل ، فلو تعذر إحضاره بتمرد أو توار أو غيبة ، حكم عليه بالعضل بشهادة الشهود ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية