صفحة جزء
الشرط الثالث : كمال الرق .

وفيه مسائل : إحداها : لا يجزئ إعتاق المستولدة ولا المكاتب ، سواء أدى شيئا من النجوم ، أم لا ، فإن كانت الكتابة فاسدة ، أجزأ إعتاقه عن الكفارة على المذهب ، ولو قال للمكاتب : إذا عجزت عن النجوم فأنت حر عن كفارتي ، فعجز ، عتق ، ولم يجزئ عن الكفارة ، لأنه حين علق لم يكن بصفة الإجزاء . كذا ولو قال لعبده الكافر : إذا أسلمت ، فأنت حر عن كفارتي ، فأسلم ، أو قال : إن خرج الجنين سليما ، فهو حر عن كفارتي ، فخرج سليما .

ولو علق العتق عن الكفارة بدخول الدار ، ثم كاتب العبد ، ثم دخل ، فهل يجزئ عن الكفارة اعتبارا بوقت التعليق ، أم لا ، لأنه مستحق العتق عن الكتابة وقت الحصول ؟ فيه وجهان .

قلت : قال الإمام وغيره : إذا قلنا بالقديم في جواز بيع أم الولد ، أجزأ إعتاقها عن الكفارة ، وإذا قلنا بالمشهور : إنه لا يجوز بيعها فأعتقها عن الكفارة ، لا يجزئه ، ويقع العتق تطوعا ، ولا يريد عتقها ، وكذا المكاتب إذا أعتقه عن [ ص: 287 ] الكفارة ، عتق ولا يجزئه عنها ، سواء جوزنا بيعه أم لا ، بخلاف أم الولد على القول الشاذ ، لأن أمية الولد ينقطع أثرها بالبيع ، بخلاف الكتابة ، فإنه إذا أدى النجوم إلى المشتري عتق ، ثم إذا عتق المكاتب ، تبعه أولاده وأكسابه ، وأم الولد لا تستتبع ذلك ، لأنهم إنما يتبعونها في العتق بموت السيد ، ولم يحصل ، وأولاد المكاتب يتبعونه إذا عتق بأداء النجوم أو البراءة منها ، وهذا في معنى الإبراء . - والله أعلم .

المسألة الثانية : إذا اشترى من يعتق عليه ، ونوى كون العتق عن الكفارة ، فعن الأودني أنه يجزئه ، والصحيح أنه لا يجزئه ، وكذا لو وهب له ، فقبله ، أو أوصى له به ، فقبل وقلنا : تملك الوصية بالقبول ، ونوى العتق عن الكفارة ، وكذا لو ورثه أو ملك المكاتب من يعتق على سيده ، ثم عجزه السيد ، ونوى عتق قريبه عن الكفارة لأن العتق مستحق بجهة القرابة في كل هذه الصور . الثالثة : لو اشترى عبدا بشرط العتق ، فقد سبق في كتاب البيع أن المذهب أنه لا يجزئ إعتاقه عن الكفارة .

الرابعة : إذا أعتق عن الكفارة مرهونا ، بني على الخلاف في نفوذ عتقه ، إن نفذناه ، أجزأ عن الكفارة إذا نواها ، وكذا إن لم ننفذه في الحال ونفذناه بعد الانفكاك باللفظ السابق ، ويكون كما لو علق عتق عبده عن الكفارة بشرط .

وإعتاق الجاني عن الكفارة يبنى على نفوذ إعتاقه ، وقد ذكرناه في البيع . وقيل : لا يجزئ المرهون والجاني عن الكفارة وإن قلنا بنفوذ العتق ، لتعلق حق الغير بهما ، ونقصان التصرفات ، والمذهب الأول ، لأن الإعتاق إذا نفذناه رفع حق تعلق الغير ، ورجع إلى الفداء ، والموصى بمنفعته لا يجزئ على الأصح ، وقد ذكرناه في الوصية ، والمستأجر إن قلنا : يرجع على السيد بأجرة منافعه ، أجزأه ، وإلا فلا ، لنقصان منافعه .

[ ص: 288 ] قلت : ولو أعتق عن الكفارة من تحتم قتله في المحاربة ، أجزأه ، ذكره القاضي حسين في تعليقه . - والله أعلم .

الخامسة : يجزئ المدبر والمعلق عتقه بصفة ، ولو أراد بعد التعليق أن يجعل العتق المعلق عند حصوله عن الكفارة ، لم يجزئه . مثاله : قال : إن دخلت الدار ، فأنت حر ، ثم قال : إن دخلتها فأنت حر عن كفارتي ، فيعتق بالدخول ولا يجزئه عن الكفارة ، لأنه مستحق بالتعليق الأول .

السادسة : أعتق عن الكفارة حاملا ، أجزأه ، وعتق الحمل تبعا ، ولو استثنى الحمل ، عتقا ، وبطل الاستثناء ، وأجزأه عتقها عن الكفارة على المشهور ، وحكى المتولي قولا أنه لا يجزئه ، لأن العتق عن الكفارة غير مبني على التغليب ، فبطل الاستثناء كما يبطل به البيع ، بخلاف مطلق العتق .

السابعة : ملك نصف عبد ، فأعتقه عن كفارة وهو معسر ، ثم ملك باقيه فأعتقه عن تلك الكفارة ، أجزاه كما لو أطعم في أوقات ، فلو لم ينو الكفارة عند إعتاق باقيه ، لم يجزئه عن الكفارة على الصحيح . وقيل : يجزئه كما لو فرق وضوءه ، وجوزناه ، فإنه لا يجب تجديد النية على الأصح ، حكاه الفوراني . ولو ملك نصفا من عبد ، ونصفا من آخر ، فأعتق النصفين عن الكفارة وهو معسر ، فثلاثة أوجه . أحدها : لا يجزئه ، قاله ابن سريج وابن خيران ، لأنه لا يسمى عتق رقبة ، وكما لا يجزئ شقصان في الأضحية . والثاني : يجزئه ، وأصحهما : يجزئه إن كان باقيهما حرا ، وإلا فلا .

وتجري الأوجه في ثلث أحدهما ، وثلثي الآخر ونظائرهما . ولو كان عليه كفارتان عن ظهارين ، أو ظهار وقتل ، فأعتق عبدين عن كل واحدة نصفا من هذا ، ونصفا من هذا ، أجزأه على المنصوص وهو المذهب .

[ ص: 289 ] وقيل : فيه خلاف ، فعلى المذهب ، اختلف في كيفيته ، فعن أبي إسحاق أنه يعتق نصف كل عبد عن كفارة كما أوقعه ، وعن ابن سريج وابن خيران : يقع عبد عن هذه الكفارة ، وعبد عن هذه ، ويلغو تعرضه للتنصيف . ويجري الخلاف فيما لو أعتق عبدا عن كفارتين ، ففيه وجه : يعتد به وعليه إتمام كل واحدة ، قال الإمام : ولا حاجة إلى هذا التقدير .

فرع

إذا أعتق موسر نصيبه من عبد مشترك ، سرى إلى نصيب صاحبه ، وهل تحصل السراية بنفس اللفظ ، أم عند أداء القيمة ، أم موقوف ؟ فإذا أدى تبينا حصول العتق باللفظ ، فيه ثلاثة أقوال . ولو أعتق جميع العبد المشترك ، فمتى يعتق نصيب الشريك ؟ فيه الأقوال ، فإن قلنا : يعتق باللفظ ، فهل نقول : عتق الجميع دفعة ، أم يعتق نصيبه ثم يسري ؟ وجهان . وكل هذا يأتي إن شاء الله تعالى

[ في كتاب العتق ] مبسوطا .

وغرضنا هنا أن إعتاق المشرك عن الكفارة جائز ، سواء وجه العتق إلى جملته ، أم إلى نصيبه فقط لحصول العتق بالسراية في الحالين . وقال القفال : لا يجزئ عن جميع الكفارة إذا وجه العتق إلى نصيبه فقط ، لأن نصيب الشريك عتق بالشرع ، لا بإعتاقه ، والصحيح الأول ، ثم ينظر ، فإن أعتق نصيبه ونوى عتق الجميع عن الكفارة ، أجزاه عنها إن قلنا : يسري عند اللفظ ، أو موقوف . وإن قلنا : يسري عند أداء القيمة ، فهل تكفيه هذه النية لنصيب الشريك ، أم يحتاج إلى تجديد النية عند الأداء ؟ وجهان . أصحهما : تكفي لاقترانها بالعتق ، إلا أنه وقع مرتبا .

ولو نوى في الحال صرف العتق في نصيبه إلى الكفارة ، ونوى عند أداء القيمة صرف العتق في نصيب الشريك إليها ، أجزأه على الصحيح . وقيل : يشترط أن ينوي الجميع في الابتداء ، لأن [ ص: 290 ] سبب عتق الجميع لفظه ، كما لو علق العتق بدخول الدار ، يشترط في الإجزاء عن الكفارة نيتها عند التعليق ، ولا يكفي اقترانها بالدخول ، فحصل أن الراجح أنه مخير في نصيب الشريك بين تقديم النية عند اللفظ وتأخيرها إلى الأداء ، هذا كله إذا نوى عتق الجميع عن الكفارة ووجه العتق إلى نصيبه .

أما إذا وجه العتق إلى [ نصيبه بنية الكفارة ، ولم ينو الباقي ، فلا ينصرف الباقي إليها وإن حكمنا بعتقه في الحال ، ويجيء في وقوع نصيبه عن الكفارة الخلاف ] السابق في إعتاق بعض رقبة ، وحكى صاحب " الشامل " وغيره وجها أن الباقي ينصرف إلى الكفارة

[ تبعا لنصيبه كما تبعه في أصل العتق ، ولو أعتق الجميع بنية الكفارة ] وقلنا : يسري عند اللفظ أو موقوف ، أجزأه ، وإن قلنا بحصوله عند أداء القيمة ، ففي " التهذيب " القطع بالإجزاء ، وأنه لا يحتاج إلى تجديد النية عند الأداء ، ويشبه أن يعود فيه الوجهان السابقان فيما إذا وجه العتق إلى نصيبه .

المسألة الثامنة : العبد الغائب ، إن علم حياته ، أجزأه عن الكفارة ، وإن انقطع خبره ، لم يجزئه على المنصوص ، وهو المذهب ، فلو أعتقه عنها ، ثم تواصلت أخبار حياته ، تبينا إجزاءه عن الكفارة لحصول العتق في ملك تام بنية الكفارة . والآبق والمغصوب يجزئان إذا علم حياتهما على الصحيح لكمال الرق .

قلت : الصواب ما قطع به الماوردي والفوراني وغيرهما ، أن الآبق يجزئ قطعا لاستقلاله بمنافعه كالغائب .

وأما المغصوب ، فأكثر العراقيين : على أنه لا يجزئ قطعا ، لعدم استقلاله كالزمن ، وجمهور الخراسانيين على الإجزاء لتمام الملك والمنفعة ، وفيه وجه [ ص: 291 ] ثالث قاله صاحب " الحاوي " : إن قدر العبد على الخلاص من غاصبه بهرب إلى سيده ، أجزأه عن الكفارة لقدرته على منافع نفسه ، وإن لم يقدر على الخلاص ، فالإجزاء موقوف ، وإن لم يكن عتقه موقوفا كالغائب إذا علمت حياته بعد موته ، وهذا الذي قاله قوي جدا ، وحيث صححنا عتق الغائب ، والآبق ، والمغصوب ، أجزأه عن الكفارة ، سواء علم العبد بالعتق أم لا ، لأن علمه ليس بشرط في نفوذ العتق ، فكذا في الإجزاء ، ذكره صاحب " الحاوي " . - والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية