صفحة جزء
الشرط الرابع : خلو الإعتاق عن شوب العوض ، فلو أعتق عن كفارة على أن يرد عليه دينارا مثلا ، لم يجزئه عن الكفارة على الصحيح ، وحكى ابن القطان وجها أنه يجزئه لأن العتق حاصل ، ويسقط العوض ، كما لو قال : صل الظهر لنفسك ولك دينار ، فصلى ، أجزأته صلاته ولو شرط عوضا على غير العبد ، فلو قال الإنسان : أعتقت عبدي هذا عن كفارتي بألف عليك ، فقبل ، أو قال له إنسان : أعتقه عن كفارتك ، وعلي كذا ، ففعل ، لم يجزئه عن الكفارة ، وسواء قدم في الجواب ذكر الكفارة ، فقال : أعتقته عن كفارتي بألف عليك ، أو عكس ، فقال : أعتقته على أن لي عليك ألفا عن كفارتي .

وعن أبي إسحاق وجه أنه إذا قدم ذكر الكفارة ، أجزأه وسقط العوض ، والصحيح الأول ، وسواء قال في الجواب : أعتقته عن كفارتي ، على أن لي عليك كذا ، أو اقتصر على قوله : أعتقته عن كفارتي ، فإنه يبنى على الخطاب والالتماس ، وفي استحقاقه العوض على الملتمس وجهان سنذكرهما إن شاء الله تعالى ، ولا يختصان بما إذا قال : أعتقته عن كفارتك ، بل يجزئان فيما إذا التمس منه أن يعتق عبده عن نفسه مطلقا بعوض ، فإن قلنا : لا يستحق عوضا وقع العتق ، وله الولاء ، وإن قلنا : يستحق عوضا ، فعمن يقع العتق ؟ وجهان ، أحدهما : عن باذل العوض ، وبه قال العراقيون ، والشيخ أبو محمد .

[ ص: 292 ] وأصحهما : عن المعتق ، وبه قطع صاحبا " المهذب " و " التتمة " ، لأنه لم يعتقه عن الباذل ، ولا هو استدعاه لنفسه . ولو قال المعتق : أرد العوض ليكون العتق مجزئا عن كفارتي ، لم ينقلب مجزئا ، فلو قال في الابتداء عقب الالتماس : أعتقته عن كفارتي لا على الألف ، كان ردا لكلامه ، وأجزأه عن الكفارة .

فصل

العتق على مال كالطلاق على مال ، فهو من جانب المالك معاوضة فيها شبه التعليق ، ومن جانب المستدعي معاوضة فيها شبه الجعالة ، كما سبق في الخلع . فإذا قال : أعتق مستولدتك على ألف ، فأعتقها ، نفذ العتق ، وثبت الألف ، وكان ذلك افتداء من المستدعي ، كاختلاع الأجنبي .

ولو قال : أعتقتها عني على ألف ، أو وعلي ألف ، فقال : أعتقتها عنك ، نفذ العتق ، ولغا قوله : عني ، وقول المعتق : عنك ، لأن المستولدة لا تنتقل من شخص إلى شخص ، ثم الصحيح أنه لا يستحق عوضا ، لأنه التزم العوض على أن يحصل العتق عنه ، ولم يحصل . وقيل : يستحق ويلغى قوله : عني ، ويجعل باقي الكلام افتداء . ولو قال : طلق زوجتك عني على ألف ، فطلق ، قال الإمام : الوجه إثبات العوض . ولو قال : أعتق عبدك عن نفسك ولك علي كذا ، أو وعلي كذا ، ففعل ، فهل يستحق العوض عليه ؟ وجهان . أصحهما : نعم كالمستولدة ومسألة الطلاق .

والثاني وهو اختيار الخضري ، لا لإمكان تملكه بالشراء ، بخلافهما ، ولو قال : أعتقه عني ، ففعل ، نظر ، إن قال : مجانا ، فلا شيء على المستدعي ، وإن ذكر عوضا [ ص: 293 ] ، لزمه العوض ، وإن أطلق ، فهل يستحق عليه قيمة العبد ؟ وجهان بناء على الخلاف في قوله : اقض ديني ولم يشترط الرجوع ، وخص الإمام والسرخسي هذا البناء بما إذا قال : أعتقه عن كفارتي ، فإن العتق حق ثابت عليه كالدين ، فأما إذا [ قال ] : أعتقه عني ولا عتق عليه ، أو لم يقصد وقوعه عنه ، فقد أطلق السرخسي أنه لا شيء عليه ، ورأى الإمام تخريجه على أن الهبة هل تقتضي الثواب ؟ ثم سواء نفى العوض أم أثبته ، يقع العتق على المستدعي . وقال المزني : إذا قال : أعتقه عني مجانا ، ففعل ، لا يقع على المستدعي ، واحتج الأصحاب بأنه أعتقه عنه ، فصار كذكر العوض . وقالوا : العتق بعوض صار كالمبيع المقبوض حتى [ استقر ] عوضه ، فكذلك يجعل عند عدم العوض ، كالموهوب المقبوض ، ويجعل القبض مندرجا تحت العتق لقوته ، وذكروا بناء على هذا ، أن إعتاق الموهوب قبل القبض بإذن الواهب جائز .

ولو قال : أعتقه عن كفارتي ، أو عني ، ونوى الكفارة ، فأجابه ، أجزأه عن كفارته ، ولو قال : أعتق عبدك ولك علي كذا ، ولم يقل : عن نفسك ، ولا عني ، فهل هو كقوله : عني لقرينته العوض ، أم كقوله : عنك ؟ وجهان : أصحهما : الثاني ، وهو المذكور في " التهذيب " . ولو قال : أعتق عبدك عني ولك ألف بشرط أن يكون الولاء لك ، ففعل ، قال المتولي في باب " الخلع " : المشهور من المذهب أن هذا الشرط يفسد ، ويقع العتق عن المستدعي ، وعليه القيمة .

وفيه وجه أنه يعتق عن المالك ، وله الولاء . وعن القفال أنه لو قال : أعتق عبدك عني على ألف ، والعبد مستأجر أو مغصوب ، فأعتقه ، جاز ، ولا يضر كونه مغصوبا . وإن كان المعتق عنه لا يقدر على انتزاعه ، ولا يخرج في المستأجر وليس على الخلاف في بيعه ، لأن البيع يحصل في ضمن الإعتاق ، ولا يعتبر في الضمنيات ما يعتبر في المقاصد ، وأنه لو قال : أعتق عبدك عن ابني الصغير ، ففعل ، [ ص: 294 ] جاز ، وكان اكتساب ولاء له بغير ضرر يلحقه ، وليس كما لو كان له رقيق فأراد الأب إعتاقه .

وأنه لو وهب عبدا له لإنسان ، فقبله الموهوب له ، ثم قال للواهب : أعتقه عن ابني وهو صغير ، فأعتقه عنه ، جاز وكأنه أمره بتسليمه إلى ابنه ، وناب عنه في الإعتاق للابن . واعلم أن الإعتاق في صور الاستدعاء ، إنما يقع على المستدعي ، والعوض إنما يجب إذا اتصل الجواب بالخطاب ، فإن طال الفصل وقع العتق عن المالك ، ولا شيء على المستدعي .

فرع

قال : إذا جاء الغد ، فأعتق عبدك عني بألف ، فصبر حتى جاء الغد ، فأعتقه عنه ، حكى صاحب " التقريب " عن الأصحاب أنه ينفذ العتق عنه ، ويثبت المسمى عليه ، وأنه لو قال المالك لغيره : عبدي عنك حر بألف إذا جاء الغد ، فقال المخاطب : قبلت ، فهو كتعليق الخلع في قوله : طلقتك على ألف إذا جاء الغد ، فقالت : قبلت ، وقد سبق ذكر وجهين في وقوع الطلاق عند مجيء الغد ، أصحهما : الوقوع ، ووجهين إذا وقع ، أن الواجب مهر المثل أم المسمى ؟ أصحهما : الثاني ، فكذا يجيء هنا الخلاف في وقوع العتق عن المخاطب ، وإذا وقع ، ففي صحة المسمى وفساده ، وفرقوا بين الصورتين بأنه لم يوجد في الأولى تعليق العتق ، ويحتمل مجيء وجه في الأولى أنه يستحق قيمة المثل لا المسمى ، وأشار إليه صاحب " التقريب " ، واستصوبه الإمام وغيره .

فرع

قال : أعتق عبدك عني على خمر ، أو مغصوب ، ففعل ، نفذ العتق عن المستدعي ، ولزمه قيمة العبد ، كما في الخلع .

[ ص: 295 ] فرع

لا خلاف أن العبد المعتق عن المستدعي يدخل في ملكه إذ لا عتق في غير ملك ، ومتى يدخل ؟ فيه أوجه . أحدها يملكه بالاستدعاء ، ويعتق عليه إذا تلفظ المالك بالإعتاق ، والثاني : يملك بالشروع في لفظ الإعتاق ، ويعتق إذا تم اللفظ . والثالث : يحصل الملك والعتق معا عند تمام اللفظ . وأصحها : أن العتق يترتب على الملك في لحظة لطيفة ، وأن حصول الملك لا يتقدم على آخر لفظ الإعتاق . ثم قال الشيخ أبو حامد : وأكثر الذين اختاروا هذا الوجه : إن الملك يحصل عقب الفراغ من لفظ الإعتاق على الاتصال ، وعن الشيخ أبي محمد أن الملك يحصل مع آخر جزء من أجزاء اللفظ .

وجعل الإمام اختلاف عبارة الشيخين راجعا إلى اختلاف الأصحاب ، في أن حكم الطلاق والعتاق ، وسائر الألفاظ ، يثبت مع آخر جزء من اللفظ ، أم بعد تمام أجزائه على الاتصال ؟ فعبارة الشيخ أبي محمد على الوجه الأول ، وأبي حامد ، على الثاني ، وليس في هذا الوجه الرابع إشكال سوى تأخر العتق عن الإعتاق بقدر توسط الملك .

قال الإمام : وسبب تأخره ، أنه إعتاق عن الغير ، ومعنى الإعتاق عن الغير ، انتقال الملك إليه ، وإيقاع العتق بعده ، وقد يتأخر العتق عن الإعتاق بأسباب ، ألا ترى أنه لو قال : أعتقت عبدي عنك بكذا ، لا يعتق حتى يوجد القبول .

فرع

قال : أعتق عبدك عني على كذا ، ففعل ، ثم ظهر بالعبد عيب ، لم يبطل العتق ، بل يرجع المستدعي بأرش العيب ، ثم إن كان عيبا يمنع الإجزاء عن الكفارة ، لم تسقط به الكفارة .

فرع

في فتاوى البغوي أنه لو قال : أعتق عبدك عني على ألف ، فقال : أعتقته عنك مجانا ، عتق عن المعتق دون المستدعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية