صفحة جزء
[ ص: 311 ] كتاب اللعان والقذف

فيه أبواب .

الأول : في ألفاظ القذف وأحكامه العامة ، وفيه طرفان .

الأول : في ألفاظه وهي ، صريح ، وكناية ، وتعريض .

الأول : الصريح ، وفيه مسائل .

إحداها : لفظ الزنا صريح كقوله : زنيت ، أو يا زان ، أو يقول للمرأة : زنيت ، أو يا زانية .

والنيك وإيلاج الحشفة أو الذكر صريحان مع الوصف بالحرام ، لأن مطلقهما يقع على الحلال والحرام . والخلاف المذكور في " باب الإيلاء " في الجماع وسائر الألفاظ ، هل هي صريحة يعود هنا فما كان صريحا وانضم إليه الوصف بالتحريم ، كان قذفا . ولو قال : علوت على رجل حتى دخل ذكره في فرجك ، فهو قذف .

الثانية : إذا رمى بالإصابة في الدبر ، كقوله : لطت أو لاط بك فلان ، فهو قذف ، سواء خوطب به رجل أو امرأة . ولو قال : يا لوطي ، فهو كناية .

قلت : قد غلب استعماله في العرف ، لإرادة الوطء في الدبر ، بل لا يفهم منه إلا هذا ، فينبغي أن يقطع بأنه صريح ، وإلا فيخرج على الخلاف ، فيما إذا شاع لفظ في العرف ، كقوله : الحلال علي حرام وشبهه ، هل هو صريح ، أم كناية ؟ [ ص: 312 ] وأما احتمال كونه أراد على دين قوم لوط - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يفهمه العوام أصلا ، ولا يسبق إلى فهم غيرهم ، فالصواب الجزم بأنه صريح ، وبه جزم صاحب التنبيه ، ولو كان المعروف في المذهب أنه كناية . - والله أعلم .

الثالثة : قال : أتيت بهيمة ، وقلنا : يوجب الحد ، فهو قذف . أما الكناية ، فكقوله للقرشي : يا نبطي ، وللرجل : يا فاجر ، يا فاسق ، يا خبيث ، وللمرأة : يا خبيثة ، يا شبقة ، وأنت تحبين الخلوة ، وفلانة لا ترد يد لامس وشبهها ، فإن أراد النسبة إلى الزنا ، فقذف ، وإلا فلا ، وإذا أنكر الإرادة ، صدق بيمينه ، وإذا عرضت عليه اليمين ، فليس له الحلف كاذبا دفعا للحد ، أو تحرزا عن تمام الإيذاء . ولو خلى ولم يحلف ، فالمحكي عن الأصحاب ، أنه يلزمه الإظهار ليستوفى منه الحد ، وتبرأ ذمته ، كمن قتل رجلا في خفية ، يجب عليه إظهاره ليقتص منه ، أو يعفى عنه . وعلى هذا يجب عليه الحد فيما بينه وبين الله تعالى ، وفيه احتمال للإمام ، ومال إليه الغزالي أنه لا يجب الإظهار ، لأنه إيذاء ، فيبعد إيجابه ، وعلى هذا لا يحكم بوجوب الحد ما لم يوجد الإيذاء التام ، والأول أصح . ولو قال لزوجته : لم أجدك عذراء ، أو وجدت معك رجلا ، فليس بصريح على المشهور . وحكي عن القديم أنه صريح ، ولو قاله لأجنبية ، فليس بصريح قطعا ، لأنه قد يريد زوجها . ولو قال : زنيت مع فلان ، فصريح في حقها دونه . وأما التعريض ، فكقوله : يا ابن الحلال ، وأما أنا فلست بزان ، وأمي ليست بزانية ، وما أحسن اسمك في الجيران وشبهها ، فهذا كله ليس بقذف وإن نواه ، لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ المنوي ، ولا دلالة له هنا في اللفظ ، ولا احتمال ، وما يفهم منه مستنده قرائن الأحوال ، هذا هو الأصح .

[ ص: 313 ] وقيل : هو كناية لحصول الفهم والإيذاء ، وبه قال الشيخ أبو حامد ، وجماعة ، وسواء عندنا حالة الغضب وغيرها .

فرع

النسبة إلى سائر الكبائر غير الزنا والإيذاء ، وبسائر الوجوه لا يتعلق به حد ، ويجب فيه التعزير . وكذا لو قرطبه أو ديثه ، أو قال لها : زنيت بفلانة ، أو زنت بك ، أو أصابتك فلانة ، ونسبها إلى إتيان المرأة المرأة .

فصل

قال لزوجته ، أو أجنبية : زنيت بك ، فهو مقر على نفسه بالزنا ، وقاذف لها ، فعليه حد الزنا والقذف ، ويقدم حد القذف ، فإن رجع ، سقط حد الزنا دون القذف . ولو قالت امرأة لزوجها ، أو أجنبي : زنيت بك ، فكذلك عليها حد الزنا ، وحد قذفه ، هذا هو المعروف في المذهب . ورأى الإمام أن لا يجعل هذا صريحا ، لاحتمال كون المخاطب مكرها ، وهذا أقوى ويؤيده أنه لو قال لها : زنيت مع فلان ، كان قذفا لها دون فلان .

فرع

قال لزوجته : زنيت ، فقالت : زنيت بك ، أو بك زنيت ، فهو قاذف لها وهي ليست مصرحة بقذف ، فإن أرادت حقيقة الزنا ، وأنهما زنيا قبل النكاح ، فهي مقرة بالزنا وقاذفة له ، ويسقط حق القذف عنه لإقرارها ، ولكن يعزر ، كذا حكاه الصيدلاني عن القفال ، وإن أرادت أنها هي التي زنت وهو لم يزن ، كأنها قالت : زنيت به قبل النكاح وهو مجنون أو نائم ، أو وطئني بشبهة وأنا عالمة ، [ ص: 314 ] سقط عنه حد القذف ، وثبت عليها حد الزنا لإقرارها ، ولا تكون قاذفة له ، فإن كذبها وقال : بل أردت قذفي ، صدقت بيمينها ، فإن نكلت فحلفت ، فله حد القذف ، فإن قالت : أردت أني لم أزن لأنه لم يجامعني غيره ، ولا جامعني هو إلا في النكاح ، فإن كان ذلك زنا ، فهو زان أيضا ، أو قالت : أردت أني لم أزن ، كما لم يزن هو ، فليست قاذفة فتصدق بيمينها ، فإذا حلفت ، فلا حد عليها ، وعليه حد القذف ، وإن نكلت ، حلف واستحق حد القذف ، ولو قالت لزوجها : يا زاني ، فقال : زنيت بك ، ففي جوابه مثل هذا التفصيل ، ولو قال لأجنبية : يا زانية ، أو أنت زانية ، فقالت : زنيت بك ، فقد أطلق البغوي أن ذلك إقرار منها بالزنا ، وقذف له .

ومقتضى ما ذكرناه من إرادة نفي الزنا عنه وعنها ، أن تكون الأجنبية كالزوجة .

فرع

قال : يا زانية ، فقالت : أنت أزنى مني ، لم تكن قاذفة له ، إلا أن تريد القذف ، فلو قالت : زنيت وأنت أزنى مني ، أو قالت ابتداء : أنا زانية ، وأنت أزنى مني ، فهي قاذفة له ومقرة بالزنا ، ويسقط حد القذف عن الرجل .

ولو قالت ابتداء : أنت أزنى مني ، ففي كونها قاذفة وجهان حكاهما ابن كج .

فرع

قال له : أنت أزنى مني ، أو أزنى من الناس ، أو يا أزنى الناس ، فليس بقذف إلا أن يريده .

قلت : هكذا نص عليه الشافعي والأصحاب ، وخالفهم صاحب " الحاوي " فقال بعد حكايته نص الشافعي والأصحاب : الصحيح عندي أنه قذف صريح ، ثم استدل له .

وأما الجمهور فقالوا : هذا ظاهره نسبة الناس كلهم إلى الزنا ، وأنه أكثر زنا [ ص: 315 ] منهم ، وهذا متيقن بطلانه ، قالوا : ولو فسر وقال : أردت أن الناس كلهم زناة ، وهو أزنى منهم ، فليس بقذف لتحقق كذبه .

ولو قال : أردت أنه أزنى من زناتهم ، فهو قذف له . - والله أعلم .

ولو قال : أنت أزنى من فلان ، فالصحيح أنه ليس بقذف إلا أن يريده .

وعن الداركي أنه قذف لهما جميعا . ولو قال : زنا فلان وأنت أزنى منه ، فهو صريح في قذفهما . وعن ابن سلمة وابن القطان ، أنه ليس بقذف للمخاطب ، والصحيح الأول . وكذا لو قال : في الناس زناة وأنت أزنى منهم ، أو أنت أزنى زناة الناس .

ولو قال : الناس كلهم زناة وأنت أزنى منهم ، قال الأئمة : لا يكون قاذفا له لعلمنا بكذبه . قالوا : وكذا لو قال : أنت أزنى من أهل بغداد إلا أن يريد ، أنت أزنى من زناة أهل بغداد . ولو قال : أنت أزنى من فلان ، ولم يصرح في لفظه بزنا فلان ، لكنه كان ثبت زناه بالبينة أو الإقرار ، فإن كان القائل جاهلا به ، فليس بقاذف ، ويصدق بيمينه في كونه جاهلا ، ويجيء فيه وجه الداركي . وإن كان عالما به ، فهو قاذف لهما جميعا ، فيحد للمخاطب ، ويعزر لفلان ، ويجيء في قذف المخاطب وجه ابن سلمة وابن القطان .

فرع

قال لزوجته : يا زانية ، فقالت : بل أنت زان ، فكل واحد قاذف لصاحبه ، ويسقط حد القذف عنه باللعان ، ولا يسقط عنها إلا بإقراره أو ببينة .

وإذا تقاذف شخصان ، حد كل واحد منهما لصاحبه ، ولا يتقاصان ، لأن التقاص إنما يكون إذا اتحدت الصفات ، وألم الضربات يختلف .

فرع

قال لرجل : زنيت بكسر التاء ، أو للمرأة : زنيت بفتحها ، فهو قذف .

[ ص: 316 ] ولو قال له : يا زانية ، أو لها : يا زان ، أو يا زاني ، فهو قذف على المشهور ، وحكي قول قديم .

فرع

قال : زنأت في الجبل بالهمز ، فليس بقذف إلا أن يريده ، لأن معناه الصعود ، ويصدق بيمينه في أنه لم يرد القذف ، فإن نكل ، حلف المدعي ، واستحق حد القذف . ولو قال : زنأت في البيت ، فالصحيح أنه قذف ، لأنه لا يستعمل بمعنى الصعود في البيت ونحوه .

قلت : هذه عبارة البغوي . وقال غيره : إن لم يكن للبيت درج يصعد إليه فيها ، فقذف قطعا ، وإن كان ، فوجهان . - والله أعلم .

ولو قال : زنأت ، أو يا زانئ بالهمز ، واقتصر عليه ، ففيه أوجه .

أصحها : ليس بقذف إلا أن يريده ، وبه قال القفال والقاضي أبو الطيب . والثاني : أنه قذف . وعن الداركي أن أبا أحمد الجرجاني نسبه إلى نصه في " الجامع الكبير " . والثالث : إن أحسن العربية ، فليس بقذف بلا نية ، وإلا فقذف . ولو قال : زنيت في الجبل وصرح بالياء ، فالأصح أنه قذف . وقيل : لا ، وقيل : قذف من عارف اللغة دون غيره .

قلت : ولو قال لها : يا زانية في الجبل بالياء ، فقد نص الشافعي - رحمه الله - في " كتاب اللعان " من " الأم " ، أنه كناية ، وبهذا جزم ابن القاص في " التلخيص " ونقل الفوراني أن الشافعي - رضي الله عنه - نص أنه قذف ، وتابعه عليه الغزالي في " الوسيط " وصاحب " العدة " ، ولم أر هذا النقل لغير الفوراني ومتابعيه ، ولم ينقله إمام الحرمين ، فليعتمد ما رأيته في " الأم " ، فإن ثبت هذا ، كان قولا آخر ، ونقل صاحب " الحاوي " ، أن قوله : زنأت في الجبل ، صريح من جاهل العربية ، والصحيح أنه كناية منه ومن غيره كما سبق . - والله أعلم .

[ ص: 317 ] فصل

من صرائح القذف أن يقول : زنا فرجك ، أو ذكرك ، أو قبلك ، أو دبرك . ولو قال لها : زنيت في قبلك ، فقذف . وإن قاله لرجل ، فكناية ، لأن زناه بقبله لا فيه ، ذكره البغوي . ولو قال : زنى يدك ، أو رجلك ، أو عينك ، أو يداك ، أو عيناك ، فكناية على المذهب ، وبه قطع الجمهور .

وقيل : وجهان . ثانيهما : أنه صريح . وقيل : إن قال : يداك أو عيناك ، فكناية قطعا لمطابقة لفظ الحديث ، وإلا فوجهان . ولو قال : زنا بدنك ، فصريح على الأصح ، كقوله : زنيت .

قلت : قال في البيان : لو قال للخنثى : زنا ذكرك وفرجك ، فصريح ، وإن ذكر أحدهما ، فالذي يقتضي المذهب أنه كإضافته إلى اليد . ولو قال لامرأة : وطئك رجلان في حالة واحدة ، قال صاحب " الحاوي " : يعزر ، ولا حد لاستحالته وخروجه من القذف إلى الكذب الصريح ، فيعزر للأذى ولا يلاعن . - والله أعلم .

فصل

قال لابنه اللاحق به ظاهرا : لست ابني ، أو لست مني ، فالنص أنه ليس قاذفا لأمه ، إلا أن يريد القذف . ولو قال لأجنبي : لست ابن فلان ، فالنص أنه قاذف لأمه ، وفيه طرق ، المذهب تقرير النصين ، لأن الأب يحتاج إلى تأديبه ، وهذا ضرب منه ، بخلاف الأجنبي . والثاني : فيهما قولان . أحدهما : صريح فيهما . والثاني وأقيسهما : كناية . والثالث قاله أبو إسحاق : ليس بصريح فيهما قطعا ، وتأويل النص على ما إذا نواه .

والرابع قاله ابن الوكيل : [ ص: 318 ] صريح فيهما قطعا ، وتأول ما ذكره في حق الولد ، فعلى المذهب ، إذ قال : لست ابني ، نستفسره ، فإن قال : أردت أنه من زنا ، فقاذف ، وإن قال : لا يشبهني خلقا وخلقا ، صدق بيمينه إن طلبتها ، فإن نكل ، حلفت واستحقت حد القذف ، وله أن يلاعن لإسقاطه على الصحيح .

وقيل : لا يلاعن لإنكاره القذف . وإن قال : أردت أنه من وطء شبهة ، فلا قذف ، فإن ادعت إرادته القذف ، حلف على ما سبق ، والولد لاحق به إن لم يعين الوطء بالشبهة ، أو عينه ولم تصدقه ولم يقبل الولد ، وإن صدق وادعى الولد ، عرض على القائف ، فإن ألحقه به لحقه ، وإلا لحق بالزوج . وإن قال : أردت أنه من زوج كان قبلي ، فليس بقاذف ، سواء عرف لها زوج أم لا ، كذا قاله السرخسي .

وأما الولد ، فإن لم يعرف لها زوج قبله ، لم يقبل قوله ، بل يلحقه ، وإن عرف ، فسنذكر إن شاء الله تعالى في " كتاب العدة " ، أن الولد بمن يلحق ؟ فإذا لحقه ، فإنما ينفى عنه باللعان ، وإذا لم يعرف وقت نكاح الأول والثاني ، لم يلحق به ، لأن الولادة على فراشه ، والإمكان لم يتحقق ، إلا أن يقيم بنية أنها ولدته في نكاحه لزمان الإمكان ، وتقبل فيه شهادة النساء المتمحضات ، فإن لم تكن بنية ، فلها تحليفه ، فإن نكل ، فعلى ما سنذكره في الصورة الأخرى إن شاء الله تعالى .

وإن قال : أردت أنها لم تلده ، بل هو لقيط أو مستعار ، فلا قذف ، والقول قوله في نفي الولادة ، وعليها البينة ، فإن لم يكن بينة ، فهل يعرض معها على [ ص: 319 ] القائف ؟ وجهان مذكوران في موضعهما ، فإن قلنا : نعم ، فألحقه القائف بها ، لحق بالزوج واحتاج في النفي إلى اللعان . وإن قلنا : لا يعرض ، أو لم يلحقه بها ، أو لم يكن قائف ، أو أشكل عليه ، حلف الزوج أنه لا يعلم أنها ولدته . فإن حلف ، انتفى ، وفي لحوقه بها الوجهان المذكوران في كتاب اللقيط ، في أن ذات الزوج ، هل يلحقها الولد بالاستلحاق ؟

وإن نكل الزوج ، فالنص أنه ترد اليمين عليها ، ونص فيما إذا أتت بولد لأكثر من أربع سنين ، وادعت أن الزوج كان راجعها أو وطئها بالشبهة ، وأن الولد منه وأنكر ونكل عن اليمين ، أنه لا ترد اليمين على المرأة ، فمن الأصحاب من جعلهما على قولين ، ومنهم من قرر النصين ، وفرق بأن الفراش قائم في الصورة الأولى ، فيقوى به جانبها ، والمذهب هنا ، ثبوت الرد ، فإذا قلنا به فحلفت ، لحقه الولد ، وإن نكلت ، فهل توقف اليمين حتى يبلغ الصبي ويحلف ؟ وجهان .

فإن قلنا : توقف فحلف بعد بلوغه ، لحق به ، وإن نكل أو قلنا : لا توقف ، انتفى عنه ، وفي لحوقه بها الخلاف السابق .

فرع

قال لمنفي باللعان : لست ابن فلان ، يعني الملاعن ، فليس بصريح في قذف أمه ، لأنه محتمل ، فيسأل ، فإن قال : أردت تصديق الملاعن في أن أمه زانية ، فهو قاذف ، وإن أراد أن الملاعن نفاه ، أو أنه منفي شرعا ، أو لا يشبهه خلقا وخلقا ، صدق بيمينه ، فإذا حلف ، قال القفال : يعزر للإيذاء ، وإن نكل ، حلفت الأم أنه أراد قذفها ، واستحقت الحد عليه .

قلت : قد قاله أيضا جماعة غير القفال . - والله أعلم .

ولو استلحقه النافي ، ثم قال له رجل : لست ابن فلان ، فهو كما لو قاله لغير [ ص: 320 ] المنفي ، والمذهب أنه قذف صريح كما سبق . وقد يقال : إذا كان أحد التفاسير المقبولة أن الملاعن نفاه ، فالاستلحاق بعد النفي لا ينافي كونه نفاه ، فلا يبعد أن لا يجعل صريحا ، ويقبل التفسير به .

قلت : هذا الذي أورده الرافعي ، حسن من وجه ، ضعيف من وجه ، فحسنه في قبول التفسير ، وضعفه في قوله : ليس بصريح ، والراجح فيه ما قاله صاحب " الحاوي " فقال : هو قذف عند الإطلاق ، فنحده من غير أن نسأله ما أراد . فإن ادعى احتمالا ممكنا ، كقوله : لم يكن ابنه حين نفاه ، قبل قوله بيمينه ، ولا حد . قال : والفرق بين هذا وبين ما قبل الاستلحاق ، فإنا لا نحده هناك حتى نسأله ، لأن لفظه كناية ، فلا يتعلق به حد إلا بالنية ، وهنا ظاهر لفظه القذف ، فحد بالظاهر إلا أن يذكر محتملا . - والله أعلم .

فرع

قال لقرشي : لست من قريش ، أو يا نبطي ، أو قال لتركي : يا هندي ، أو بالعكس ، وقال : أردت أنه لا يشبه من ينتسب إليه في الأخلاق ، أو أنه تركي الدار واللسان ، صدق بيمينه ، فإن ادعت أم المقول له أنه أراد قذفها ، ونكل القاذف ، وحلفت هي ، وجب لها الحد أو التعزير ، وإن أراد القذف ، فمطلقه محمول على أم المقول له .

فإن قال : أردت أن واحدة من جداته زنت ، نظر ، إن عينها ، فعليه الحد أو التعزير ، وإن قال : أردت جدة لا بعينها في الجاهلية أو الإسلام ، فلا حد عليه ، كما لو قال : أحد أبويك زان ، أو في السكة زان ولم يعين ، ولكن يعزر للأذى ، فإن كذبته أم المقول له ، فلها تحليفه ، هكذا أطلقه الغزالي والبغوي والأئمة ، وفي التجربة للروياني ، أنه لو قال لعلوي : لست ابن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، وقال : أردت لست من [ ص: 321 ] صلبه ، بل بينك وبينه آباء ، لم يصدق ، بل القول قول من يتعلق به القذف ، أنك أردت قذفي ، فإن نكل ، حلف القائل ويعزر .

ومقتضى هذا ، أن لا يصدق القائل : أردت جدة من جدات المقول له ، مهما نازعته أمه ، بل تصدق هي ، لأن المطلق محمول عليها ، والسابق إلى الفهم قذفها ، فإن نكلت ، حلف القائل وبرئ .

قلت : وإذا قال : لم أرد شيئا ، فلا حد ، فإن اتهمه الخصم ، حلفه كما سبق . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية