صفحة جزء
فصل

في مسائل منثورة من اللعان

إحداها : قال الزوج : قذفتك بعد النكاح ، فلي اللعان ، فقالت : قبله ، فلا لعان ، فهو المصدق بيمينه ، ولو اختلفا بعد حصول الفرقة ، فقال : قذفتك في زمن [ ص: 362 ] النكاح ، وقالت : بعده ، فهو المصدق أيضا ، ولو قال : قذفتك وأنت زوجتي ، فقالت : ما تزوجتك ( قط ) فهي المصدقة بيمينها .

الثانية : قال لزوجته أو أجنبية : قذفتك وأنت أمة أو مشركة أو مجنونة فقالت : بل وأنا حرة مسلمة عاقلة . فإن علم لها حال رق أو كفر أو جنون ، صدق بيمينه ، وليس عليه إلا التعزير . وإن لم يعلم ذلك ، فأيهما يصدق ؟ قولان . أظهرهما : المرأة . ولو قال : وأنت صغيرة ، فهو المصدق بيمينه . ولو قال لمن قذفه من زوجته أو أجنبي : قذفتك وأنا مجنون ، فهل يصدق القاذف بيمينه ، أم المقذوف ، أم يفرق ؟ فإن عهد له جنون ، صدق القاذف ، وإلا ، فالمقذوف فيه ثلاثة أقوال :

أظهرها : الفرق . ولو قال : قذفتك وأنا صبي ، فهو كالمجنون المعهود ، ولو قال : جرى القذف على لساني وأنا نائم ، لم يقبل لبعده . ولو أقام القاذف بينة أن القذف كان في الصغر أو الجنون ، وأقام المقذوف بينة أنه كان في حال الكمال ، فإن كانت البينتان مطلقتين ، أو مختلفي التاريخ ، أو إحداهما مطلقة ، والأخرى مؤرخة ، فهما قذفان ، وعليه الحد لما وقع في حالة الكمال . وإن اتحد تاريخهما ، تعارضتا . وفي التعارض أقوال معروفة .

قال الإمام : ولا يجيء هنا القسمة ولا الوقف ، وحكي عن القاضي حسين قول القرعة ، واستبعده وقال : الوجه القطع بالتهاتر ، فيكون كما لو لم تكن بينة ، وبهذا قطع البغوي . وحيث صدقنا القاذف بيمينه ، فلو نكل وحلف المقذوف ، وجب الحد على القاذف ، ويجوز اللعان في الزوجة .

الثالثة : إذا صدقته في القذف ، واعترفت بالزنا بعد لعان الزوج ، تأكد لعانه ، فإن كانت لاعنت ، فعليها حد الزنا لاعترافها ، إلا أن يرجع عن الإقرار ، وإن صدقته قبل لعانه ، أو في أثنائه ، سقط عنه الحد ، ووجب عليها حد الزنا ، [ ص: 363 ] والصحيح أنه لا يلاعن بعد ذلك ، ولا يتم اللعان إن صدقته في أثنائه إلا أن يكون ولد فينفيه .

الرابعة : إذا مات أحد الزوجين قبل أن يتم لعان الزوج ، ورثه الآخر ، ثم إن كان الميت الزوج ، استقر نسب الولد ، وليس للوارث نفيه ، وإن ماتت هي ، جاز له إتمام اللعان إن كان هناك ولد ، فإن لم يكن ، نظر ، إن لم يكن لها وارث غير الزوج ، بأن كان ابن عمها أو معتقها ، ورث الحد وسقط ، وكذا لو لم يرثها إلا الزوج وأولاده منها ، لأن الولد لا يجوز أن يستوفي حد القذف من أبيه ، وإذا سقط الحد ولم يكن هناك ولد ، فقد سبق أنه لا يجوز اللعان لسائر الأغراض ، فلو كان يرثها غير الزوج وأولاده ، فما ورثه الزوج وأولاده يسقط ، ويجيء الخلاف فيما إذا سقط بعض الحد بعفو بعض الورثة ، إن قلنا : يسقط الجميع ، فكذلك يسقط الكل هنا ، ويمتنع اللعان . وإن قلنا : للباقين المطالبة بجميع الحد أو بقسطهم وطلبوا ، فله اللعان للدفع ، وفي جواز اللعان قبل المطالبة الخلاف السابق .

الخامسة : عبد قذف زوجته ، ثم عتق وطالبته ، فله اللعان . فإن نكل حد حد العبيد ، لأنه وجب في الرق ، وكذا لو زنى في الرق ثم عتق ، حد حد العبيد . ولو قذف الذمي أو زنى ، ثم نقض العهد فسبي واسترق ، حد حد الأحرار ، ولو كانت الزوجة أمة فنكل عن اللعان ، فعليه التعزير . وإن لاعن حدت حد الإماء وإن عتقت بعد القذف .

وإن قذف مسلم زوجته الذمية أو الصغيرة أو المجنونة ، ثم طلبت الذمية ، أو طلبتا بعد البلوغ والإفاقة ، فإن نكل ، فعليه التعزير ، وإن لاعن ونكلت الذمية ، فعليها حد الزنا ، وإن نكل الأخريان ، فلا شيء عليهما .

السادسة : في " التتمة " أن الملاعن لو قبل من نفاه ، وقلنا : يلزمه القصاص فاستلحقه ، حكم بثبوت النسب وسقوط القصاص .

[ ص: 364 ] وأن الذمي لو نفى ولدا ثم أسلم ، لم يتبعه المنفي في الإسلام . ولو مات وقسم ميراثه بين أقاربه الكفار ، ثم استلحقه الذمي الذي أسلم ، ثبت نسبه وإسلامه ، واسترد المال وصرف إليه ، وأن المنفي باللعان إذا كان قد ولد على فراش صحيح ، لو استلحقه غيره ، لم يصح ، كما لو استلحقه قبل أن ينفيه صاحب الفراش ، لأنه وإن نفاه ، فحق الاستلحاق باق له ، فلا يجوز تفويته ، ولو كان يلحقه نسبه بشبهة أو نكاح فاسد ، فنفاه فاستلحقه غيره ، لحقه ، لأنه لو نازعه فيه قبل النفي - سمعت دعواه .

السابعة : فيما جمع من فتاوى القفال وغيره ، أن سقوط حد القذف عن القاذف وعدم حد الزنا على المقذوف لا يجتمعان إلا في مسألتين .

إحداهما : إذا أقام القاذف بينة على زنا المقذوفة ، وأقامت بينة على أنها عذراء .

الثانية : إذا أقام شاهدين على إقرار المقذوف بالزنا ، وقلنا الإقرار بالزنا لا يثبت بشاهدين ، فإنه يسقط حد القذف على الأصح . ومراده ما سوى صورة التلاعن ، فإن الزوجين إذا تلاعنا ، اندفع الحدان . وهنا صورة رابعة يسقط فيها الحدان ، وهي إذا أقام القاذف بينة بإقرار المقذوف بالزنا ، ثم رجع المقذوف عن الإقرار ، سقط عنه حد الزنا ، ولا يقبل رجوعه في حق القاذف ، فلا يلزمه حد القذف .

قلت : مراد القفال : لا يسقط حد القذف مع أنه لا يحكم بوجوب حد الزنا ( ولا يقبل رجوعه ) إلا في المسألتين الأوليين ، فلا يرد عليه الأخريان ، لأنه وجب فيهما حد الزنا ، ثم سقط بلعانها أو بالرجوع . ولهذا قال : وعدم حد الزنا عن المقذوف ، ولم يقل : وسقوط حد الزنا ، كما قال : سقوط حد القذف . فالحاصل أنه لا يسقط حد القذف ويمتنع وجوب حد الزنا ، إلا في المسألتين الأوليين ، ولا يسقط حد القذف وحد الزنا إلا في أربع مسائل . والمراد : السقوط بحكم الشرع ، لا بعفو ونحوه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية