صفحة جزء
[ ص: 339 ] كتاب صلاة الجماعة

اعلم أن أركان الصلاة وشروطها ، لا تختلف بالجماعة والانفراد ، لكن الجماعة أفضل . فالجماعة فرض عين في الجمعة ، وأما في غيرها من المكتوبات ، ففيها أوجه . الأصح : أنها فرض كفاية . والثاني : سنة . والثالث : فرض عين قاله من أصحابنا ، ابن المنذر ، وابن خزيمة . وقيل : إنه قول للشافعي رحمه الله . فإن قلنا : فرض كفاية ، فإن امتنع أهل قرية من إقامتها ، قاتلهم الإمام ، ولم يسقط الحرج إلا إذا أقاموها ، بحيث يظهر هذا الشعار بينهم . ففي القرية الصغيرة يكفي إقامتها في موضع ، وفي الكبيرة ، والبلاد ، تقام في المحال . فلو أطبقوا على إقامتها في البيوت ، قال أبو إسحاق : لا يسقط الفرض . وخالفه بعضهم ، إذا ظهرت في الأسواق . وإن قلنا : إنها سنة فتركوها ، لم يقاتلوا على الأصح .

قلت : قول أبي إسحاق أصح . ولو أقام الجماعة طائفة يسيرة من أهل البلد ، وأظهروها في كل البلد ، ولم يحضرها جمهور المقيمين بالبلد ، حصلت الجماعة ، ولا إثم على المتخلفين . كما إذا صلى على الجنازة طائفة يسيرة . وأما أهل البوادي ، فقال إمام الحرمين : عندي فيهم نظر ، فيجوز أن يقال : لا يتعرضون لهذا الفرض ، ويجوز أن يقال : يتعرضون له إذا كانوا ساكنين . قال : ولا شك أن المسافرين لا يتعرضون لهذا الفرض ، وكذا إذا قل عدد ساكني قرية . هذا كلام الإمام . [ ص: 340 ] والمختار أن أهل البوادي الساكنين ، كأهل القرية ، للحديث الصحيح ما من ثلاثة في قرية ، أو بدو ، لا تقام فيهم الصلاة ، إلا قد استحوذ عليهم الشيطان ) . والله أعلم . هذا حكم الرجال . وأما النساء ، فلا تفرض عليهن الجماعة ، لا فرض عين ، ولا كفاية . ولكن يستحب لهن . ثم فيه وجهان . أحدهما : كاستحبابها للرجال . وأصحهما : لا يتأكد في حقهن ، كتأكدها في حق الرجال . فلا يكره لهن تركها ، ويكره تركها للرجال ، مع قولنا : هي لهم سنة . والمستحب أن تقف إمامتهن وسطهن ، وجماعتهن في البيوت أفضل . فإن أردن حضور المسجد مع الرجال ، كره للشواب ، دون العجائز . وإمامة الرجال لهن ، أفضل من إمامة النساء ، لكن لا يجوز أن يخلو بهن غير محرم .

قلت : الخلاف في كون الجماعة فرض كفاية ، أم عين ، أم سنة ، هو في المكتوبات المؤديات ، أما المنذورة ، فلا يشرع فيها الجماعة . وقد ذكره الرافعي في أثناء كلامه في باب الآذان في مسألة لا يؤذن لمنذورة . وأما المقضية ، فليست الجماعة فيها فرض عين ، ولا كفاية قطعا ، ولكنها سنة قطعا . وفي الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه الصبح جماعة حين فاتتهم بالوادي . وأما القضاء خلف الأداء وعكسه ، فجائز عندنا ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى . لكن الأولى الانفراد للخروج من خلاف العلماء . وأما النوافل ، فقد سبق في باب صلاة التطوع ما يشرع فيه الجماعة ، منها ، وما لا يشرع . ومعنى قولهم : لا يشرع ، لا تستحب فلو صلي هذا النوع جماعة جاز ، ولا يقال مكروه ، فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على ذلك . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية