صفحة جزء
القسم الثاني : إذا كانت العدتان لشخصين ، بأن كانت معتدة لزيد عن طلاق أو وفاة أو شبهة ، أو نكحها جاهلا ووطئها ، أو كانت المنكوحة معتدة عن وطء شبهة ، فطلقها زوجها ، فلا تداخل ، بل تعتد عن كل واحد عدة كاملة ، ثم قد لا يكون هناك حمل ، وقد يكون .

الحال الأول : أن لا يكون ، فإن سبق الطلاق وطء الشبهة ، أتمت عدة [ ص: 386 ] الطلاق ، لتقدمها وقوتها . فإذا أتمتها ، استأنفت عدة الشبهة ، ثم إن لم يكن من الثاني إلا وطء شبهة ، ابتدأت عدته عقب عدة الطلاق ، فإن نكح الثاني ووطئ ، فزمن كونها فراشا له لا يحسب عن واحدة من العدتين . وبماذا تنقطع عدة الطلاق ؟ فيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى . ومتى تعود إليها ؟ وجهان ، أحدهما : من آخر وطء وقع في النكاح الثاني ، حكي عن القفال الشاشي . والثاني وهو الصحيح : من حين التفريق بينهما ، وللزوج الرجعة في عدته ، فإذا راجعها ، شرعت في عدة وطء الشبهة ، وليس للزوج الاستمتاع بها إلى أن تنقضي . وهل له تجديد نكاحها إن كان الطلاق بائنا ؟ وجهان ، أصحهما عند الأكثرين : نعم . ولو وطئت منكوحة بشبهة ، ثم طلقت وهي في عدة الشبهة ، فوجهان . أحدهما : تتم عدة الشبهة ، ثم تبتدئ عدة الطلاق مراعاة للسابق ، وأصحهما عند الأكثرين : تقدم عدة الطلاق ، لقوتها . فإن قدمنا عدة الشبهة ، فله الرجعة إذا اشتغلت بعد الطلاق . وهل له الرجعة قبل ذلك ؟ وجهان ، ولا يجوز تجديد نكاحها في عدة الشبهة إذا كان الطلاق بائنا ، لأنها في عدة الغير .

وإذا قلنا : تقدم عدة الطلاق ، شرعت فيها بنفس الطلاق ، فإذا تمت ، عادت إلى بقية عدة الشبهة ، وللزوج الرجعة إن كان الطلاق رجعيا . وهل له تجديد النكاح إن كان بائنا ؟ فيه الوجهان السابقان . ولو طرأ وطء شبهة في عدة وطء شبهة ، أتمت عدة الواطئ الأول بلا خلاف . ولو نكح امرأة نكاحا فاسدا ، ووطئها غيره بشبهة ، ثم فرق بينهما لظهور فساد النكاح ، قال البغوي : تقدم عدة الواطئ بشبهة بلا خلاف ، لأن عدته من وقت الوطء ، وعدة الناكح من التفريق ، ومعناه : أن عدة الواطئ سبق وجوبها ، وليس للفاسد قوة الصحيح ليترجح بها ، وقد تكون إحدى العدتين بالأقراء ، والأخرى بالأشهر ، بأن طلقها فمضى قرءان ، ثم نكحت فاسدا ودام فراشه حتى أيست ، ثم فرق [ ص: 387 ] بينهما ، فتكمل عدة الأول بشهر ، بدلا عن القرء الباقي ، ثم تعتد للفاسد بثلاثة أشهر .

الحال الثاني : أن يكون هناك حمل ، فيقدم عدة من الحمل منه سابقا كان أو متأخرا ، فإن كان الحمل للمطلق ، ثم وطئت بشبهة ، فإذا وضعت انقضت عدة الطلاق ، ثم تعتد بالأقراء للشبهة بعد طهرها من النفاس ، وللزوج رجعتها قبل الوضع . قال الروياني : لكن لا يراجعها في مدة اجتماع الواطئ بها ، لأنها حينئذ خارجة عن عدة الأول ، وفراش لغيره ، فلا تصح الرجعة في تلك الحالة . وهل له تجديد نكاحها قبل الوضع إن كان الطلاق بائنا ؟ فيه الوجهان السابقان ، ويجريان فيما لو وطئ امرأة بشبهة وأحبلها ، ثم وطئها آخر ، هل للأول أن ينكحها قبل الوضع ، وليس له أن ينكحها في عدة الثاني بحال ، وللثاني أن ينكحها في عدة نفسه ؟ .

وإن كان الحمل من وطء الشبهة ، فإذا وضعت ، انقضت عدة الوطء وعادت إلى بقية عدة الطلاق ، وللزوج الرجعة في تلك البقية ، إن كان طلاقه رجعيا ، سواء في ذلك مدة النفاس وغيرها ، لأنها من جملة العدة ، كالحيض الذي يقع فيه الطلاق . وقيل : لا رجعة في مدة النفاس ، والصحيح الأول . وإذا ثبتت الرجعة ، فلو طلق ، لحقها الطلاق ، ولو مات أحدهما ، ورثه الآخر وانتقلت إلى عدة الوفاة بوفاة الزوج ، وهل له الرجعة قبل الوضع إن كان الطلاق رجعيا ، أو تجديد النكاح إن كان بائنا ؟ وجهان . أصحهما عند الشيخ أبي حامد : نعم ، لأنه لم تنقض عدته ، وكما في العدتين المختلفتين من شخص . وأصحهما عند الماوردي والبغوي : لا ، لأنها في عدة غيره . ثم قال البغوي : لو طلقها قبل الوضع ، لحقها الطلاق ولو مات أحدهما ، ورثه الآخر ، فإن مات الزوج ، انتقلت إلى عدة الوفاة ، حتى إذا وضعت ، تعتد عن الزوج عدة الوفاة وإن كان لا تصح رجعته ، لأنا نجعل زمان الرجعة كزمان صلب النكاح ، [ ص: 388 ] هذا لفظه ، وإذا راجعها وهي حامل من الأجنبي ، وجوزناه ، فليس له الوطء حتى تضع ، كما إذا وطئت منكوحة بشبهة ، فاشتغلت بالعدة ، وإن كانت حاملا منه ، وفي ذمتها عدة الشبهة ، فراجعها ، انقضت عدته في الحال ، وبقيت عدة الشبهة مؤخرة حتى تضع وتعود إلى أقرائها . وهل له وطؤها في الحال ؟ فيه وجهان . أحدهما : نعم ، لأنها زوجة ليست في عدة . والثاني : لا ، لأنها متعرضة للعدة ، ومال المتولي إلى ترجيح هذا ، ورجح بعضهم الأول .

قلت : الراجح الجواز . والله أعلم .

ويجري الوجهان فيما لو وطئت المنكوحة في صلب النكاح بشبهة وهي حامل من الزوج . ولو كانت ترى الدم على الحمل ، وجعلناه حيضا ، فعن القاضي حسين : أن العدة الأخرى تنقضي بالأقراء ، كالعدتين من شخص ، وهذا ضعيف ، وضعفه الإمام والغزالي ، لأن فيه مصيرا إلى تداخل عدتي شخصين .

وجميع ما ذكرنا ، فيما إذا علم أن الولد من هذا أو ذاك ، لانحصار الإمكان فيه ، فلو لم يمكن كونه من واحد منهما ، بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من طلاق الأول وهو بائن أو رجعي على قول ، ولدون ستة أشهر من وطء الثاني ، فالولد منفي عنهما ، ولا تنقضي بوضعه عدة واحد منهما على الأصح ، بل إذا وضعته تممت عدة الأول ، ثم استأنفت عدة الثاني . وقيل : تعتد بوضعه من أحدهما لا بعينه ، لإمكان كونه من أحدهما بوطء شبهة ، ثم تعتد عن الآخر بثلاثة أقراء .

فرع

ويتفرع على الوجهين فرعان . أحدهما : لو كانت ترى الدم والحالة هذه وجعلناه حيضا ، قال الروياني : إن قلنا : تنقضي عدة أحدهما بالوضع ، لم تعتد بأقرائها ، لئلا تتداخل عدة شخصين ، وإلا ففي الاحتساب بأقرائها وجهان : أصحهما : الاحتساب ، لأنها إذا لم تعتد بالحمل ، كانت كالحائل ، وبهذا قطع صاحب " الشامل " .

[ ص: 389 ] الثاني : إن قلنا تنقضي بالوضع عدة أحدهما ، لم تصح رجعة الزوج في مدة الحمل ولا في الأقراء بعد الوضع ، للشك في أن عدته هذه أم هذه ؟ فلو راجع مرة في الحمل ، ومرة في الأقراء ، ففي صحة الرجعة وجهان سيأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى . وإن قلنا : لا تنقضي ، أتمت بعد الوضع عدة الأول وهو الزوج ، وله الرجعة فيه . وهل له الرجعة قبله في مدة الحمل ؟ فيه الوجهان السابقان .

التالي السابق


الخدمات العلمية