صفحة جزء
[ ص: 98 ] الباب الخامس في الحضانة

هي القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره ، وتربيته بما يصلحه ، ووقايته عما يؤذيه ، وهي نوع من ولاية وسلطنة ، لكنها بالإناث أليق ، لأنهن أشفق ، وأهدى إلى التربية ، وأصبر على القيام بها ، وأشد ملازمة للأطفال . ومؤنة الحضانة على الأب ، لأنها من أسباب الكفاية ، كالنفقة ، وحكى السرخسي وجها أنه ليس للأم طلب الأجرة بعد الفطام ، والصحيح : الأول ، وأما أجرة الرضاع فقد سبق بيانها ، وفي الباب طرفان :

الأول : في صفات الحاضن والمجنون ، فإن كان أبو الطفل على النكاح ، فالطفل معهما يقومان بكفايته ، الأب بالإنفاق ، والأم بالحضانة والتربية ، وإن تفرقا بفسخ أو طلاق ، فالحضانة للأم إن رغبت فيها ، لكن لاستحقاقها شروط :

أحدها : كونها مسلمة ، إن كان الطفل مسلما بإسلام أبيه ، فلا حضانة لكافرة على مسلم ، وقال الإصطخري : لها الحضانة ، وقيل : الأم الذمية أحق بالحضانة من الأب المسلم إلى أن يبلغ الولد سبع سنين ، ثم الأب بعد ذلك . قال الأصحاب : والصحيح الأول ، فعلى هذا حضانته لأقاربه المسلمين على ما يقتضيه الترتيب ، فإن لم يوجد أحد منهم ، فحضانته على المسلمين ، والمؤنة في ماله ، فإن لم يكن له مال ، فعلى أمه إن كانت موسرة ، وإلا فهو من محاويج المسلمين ، وولد [ ص: 99 ] الذميين في الحضانة كولد المسلمين ، فالأم أحق بها ، ولو وصف صبي منهم الإسلام ، نزع من أهل الذمة ، سواء صححنا إسلامه أم لا ، ولا يمكنون من كفالته ، والطفل الكافر والمجنون تثبت لقريبه المسلم حضانته وكفالته على الصحيح ، لأن فيه مصلحة له .

الشرط الثاني : كونها عاقلة ، فلا حضانة لمجنونة ، سواء كان جنونها مطبقا ، أو منقطعا ، إلا إذا كان لا يقع إلا نادرا ، ولا تطول مدته ، كيوم في سنين ، فلا يبطل الحق به ، كمرض يطرأ ويزول ، والمرض الذي لا يرجى زواله ، كالسل والفالج إن كان بحيث يؤلم أو يشغل الألم عن كفالته وتدبير أمره ، سقط حق الحضانة ، وإن كان تأثيره يعسر الحركة والتصرف ، سقطت الحضانة في حق من يباشرها بنفسه دون من يشير بالأمور ويباشرها غيره .

الشرط الثالث : كونها حرة ، فلا حضانة لرقيقة وإن أذن السيد ، ثم إن كان الولد حرا ، فحضانته لمن له الحضانة بعد الأم من الأب وغيره ، وإن كان رقيقا ، فحضانته على السيد ، وهل له نزعه من الأب وتسليمه إلى غيره ؟ وجهان بناء على القولين في جواز التفريق ، ولو كانت الأم حرة والولد رقيق ، بأن سبي طفل ثم أسلمت أمه ، أو قبلت الذمة ، فحضانته للسيد ، وفي الانتزاع منها الوجهان ، والمدبرة ، والمكاتبة ، والمعتق بعضها ، لا حضانة لهن ، لكن ولد المكاتبة ، إذا قلنا : إنه لها تستعين به في الكتابة ، سلم إليها ، لا لأن لها حضانة ، بل لأن الحق لها . وولد أم الولد من زوج أو زنا له حكمها ، يعتق بموت السيد وحضانته لسيده مدة حياته ، وهل لها حق الحضانة في ولدها من السيد ؟ وجهان : الصحيح : لا حضانة لها لنقصها ، وقال الشيخ أبو حامد : لها الحضانة إلى سبع سنين ، ثم السيد أولى بالولد بعد السبع ، ولو كان ولد نصفه حر ونصفه رقيق ، فنصف حضانته لسيده ، ونصفها لمن [ ص: 100 ] يلي حضانته من أقاربه الأحرار ، فإن اتفقا على المهايأة ، أو على استئجار حاضنة ، أو رضي أحدهما بالآخر ، فذاك ، وإن تمانعا ، استأجر الحاكم حاضنة ، وأوجب المؤنة على السيد وعلى من يقتضي الحال الإيجاب عليه .

الشرط الرابع : كونها أمينة ، فلا حضانة لفاسقة .

الشرط الخامس : كونها فارغة خلية ، فلو نكحت أجنبيا ، سقطت حضانتها لاشتغالها بحقوق الزوج ، فلو رضي الزوج ، لم يؤثر ، كما لا يؤثر رضا السيد بحضانة الأمة ، فقد يرجعان فيتضرر الولد ، فلو نكحت عم الطفل ، فوجهان : أصحهما : لا تبطل حضانتها لأن العم صاحب حق الحضانة ، وشفقته تحمله على رعاية الطفل ، فيتعاونان على كفالته بخلاف الأجنبي ، وبهذا قطع القفال والغزالي والمتولي ، ويقال : إن صاحب التلخيص خرجه من نص الشافعي - رحمه الله - أن الجدة إذا نكحت جد الطفل لا يبطل حقها من الحضانة ، وكذا لو كانت في نكاحه ، ثبت لها حق الحضانة بخلاف ما لو كانت في نكاح أجنبي ، والثاني : يبطل حق الأم ، وليس العم كالجد لأن الجد ولي تام الشفقة قائم مقام الأب ، وهذان الوجهان في نكاح الأم العم ، يطردان في كل من لها حضانته ، نكحت قريبا للطفل له حق في الحضانة ، بأن نكحت أمه ابن عم الطفل ، أو عم أبيه ، أو نكحت خالته التي لها حضانة عم الطفل ، أو نكحت عمته خاله ، هكذا ذكره الشيخ أبو علي وغيره ، ثم إنما يبقى الحق إذا نكحت الجدة جد الطفل ، أو الأم عمه على الأصح إذا رضي الذي نكحته بحضانتها ، فإن أبى ، فله المنع ، وعليها الامتناع .

فرع

إذا اجتمعت هذه الشروط فإنما تثبت لها الحضانة إذا كان الأبوان مقيمين في بلد ، فإن سافر أحدهما ، فسيأتي حكمه - إن شاء الله تعالى - [ ص: 101 ] وهل يشرط استحقاقها أن ترضع الولد إن كان رضيعا ؟ وجهان : أحدهما : لا ، بل لها الحضانة وإن لم يكن لها لبن ، أو امتنعت من الإرضاع ، وعلى الأب أن يستأجر مرضعة ترضعه عند الإمام ، وهذا أصح عند البغوي ، والثاني وهو الصحيح وبه قطع الأكثرون : يشترط لعسر استئجار مرضعة تخلي بيتها ، وتنتقل إلى مسكن الأم ، وعلى هذا لا تمنع الأم من زيارته .

فرع

لو أسلمت الكافرة ، أو أفاقت المجنونة ، أو عتقت الأمة ، أو رشدت الفاسقة ، أو طلقت التي سقط حقها بالنكاح ، تثبت لها الحضانة لزوال المانع ، وسواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا ، هذا هو نص المذهب ، وخرج ابن سريج قولا أنه لا حضانة للرجعية حتى تنقضي العدة ، وبه قال المزني لأن الرجعية زوجة ، فعلى المذهب : إن اعتدت في بيت الزوج فإنما تثبت لها الحضانة إذا رضي الزوج بأن يدخل الولد بيته ، فإن لم يرض ، لم يكن لها أن تدخله بيته ، وكذا في البائن ، وإذا رضي ، ثبت حقها بخلاف رضاه في صلب النكاح ، لأن المنع هناك لاستحقاقه الاستمتاع ، واستهلاك منافعها فيه ، وهنا للمسكن ، فإذا أذن صار معيرا .

فرع

إذا امتنعت الأم من الحضانة ، أو غابت ، فثلاثة أوجه ، الصحيح : أنها تنتقل إلى الجدة ، كما لو ماتت ، أو جنت ، والثاني : تنتقل إلى الأب ، والثالث : إلى السلطان لبقاء أهلية الأم كما لو غاب الولي في النكاح ، أو عضل ، يزوج السلطان لا الأبعد ، فعلى الصحيح متى امتنع الأقرب من الحضانة ، كانت لمن يليه لا للسلطان ، لأنها للحفظ ، والقريب الأبعد أشفق من السلطان .

[ ص: 102 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية