صفحة جزء
فصل

لا يجزئ في الدية مريض ولا معيب بعيب يثبت الرد في البيع إلا برضى المستحق ، سواء كانت إبل من عليه سليمة أم معيبة .

[ ص: 260 ] فرع

الغالب أن الناقة لا تحمل حتى يكون لها خمس سنين وهي الثنية ، فلو حملت قبل ذلك ؛ فهل يلزمه قبولها في الخلفات ؟قولان ، أظهرهما : نعم .

وإذا تنازعا في كونها خلفات ، عمل بقول عدلين من أهل الخبرة ، وإذا أخذت بقول العدلين ، أو بتصديق المستحق ، فماتت عند المستحق وتنازعا في الحمل ، شق جوفها لتعرف ؛ فإن بان أنها لم تكن حاملا ، غرمها المستحق وأخذ بدلها خلفة ، وفي وجه يأخذ أرش النقص فقط ؛ والصحيح الأول . ولو صادفنا الناقة المأخوذة حائلا ؛ فقال المستحق : لم يكن بها حمل ، وقال الدافع : أسقطت عندك ، فإن لم يحتمل الزمان الإسقاط ، ردت ، وطولب بخلفة ، وإن احتمل ، نظر ، إن أخذت بقول الجاني فقط ، صدق المستحق بيمينه ، وإن أخذت بقول أهل الخبرة ، فأيهما يصدق ؟ وجهان ، أصحهما : الدافع .

فرع

من لزمته الدية من الجاني أو العاقلة له حالان ، الأولى : أن لا يملك إبلا ، فيلزمه تحصيل الواجب من غالب إبل البلدة أو القبيلة إن كانوا أهل بادية ينتقلون ، فإن تفرقت العاقلة في البلدان أو في القبائل ، أخذت حصة كل واحد من غالب إبل بلده أو قبيلته ؛ فإن لم يكن في البلد أو القبيلة إبل ، أو كانت بعيدة عن البلد ، اعتبر إبل أقرب البلاد ، ويلزمه النقل إن قربت المسافة ؛ فإن بعدت وعظمت المؤنة والمشقة ، لم يلزمه ، وسقطت المطالبة بالإبل ، وأشار بعضهم إلى ضبط البعيد بمسافة القصر ، وقال الإمام : لو زادت مؤنة إحضارها على قيمتها في موضع العزة ، لم يلزمه تحصيلها ، وإلا فيلزم .

الحالة الثانية : أن يملك إبلا ؛ فإن كانت من غالب إبل البلدة أو القبيلة ، فذاك ، وإن كانت من صنف آخر ، أخذت [ ص: 261 ] أيضا من أي صنف كانت ، هذا هو الصحيح ، وبه قطع الأكثرون من العراقيين وغيرهم ، وهو ظاهر نصه في " المختصر " وفي وجه حكاه الإمام عن محققي المراوزة واختاره أنه يجب غالب إبل البلد ، ومتى تعين نوع ، فلا عدول إلى ما فوقه أو دونه إلا بالتراضي ، وإذا كان الاعتبار بإبل البلد ، أو القبيلة ، فكانت نوعين فأكثر ، ولا غالب فيها ، فالخيرة إلى الدافع ، وإذا اعتبرنا إبل من عليه ، فتنوعت ، فوجهان ، أحدهما : تؤخذ من الأكثر ، فإن استويا ، دفع ما شاء ، والثاني : تؤخذ من كل بقسطه إلا أن يتبرع ، فيعطي الجميع من الأشرف ، ولو دفع نوعا غير ما في بيده ، أجبر المستحق على قبوله إذا كان من غالب إبل البلد والقبيلة كذلك ، وإذا كانت الإبل تباع بأكثر من ثمن المثل فهي كالمعدومة فلا يلزم تحصيلها .

فرع

إذا كانت الإبل موجودة وعدل من عليه الدية ومستحقها إلى القيمة أو غيرها بالتراضي ، جاز ، كما لو أتلف مثليا وتراضيا على أخذ القيمة مع وجود المثل جاز .

قال صاحب البيان : هكذا أطلقوه ، وليكن ذلك مبنيا على جواز الصلح عن إبل الدية ، ولو أراد أحدهما العدول عن الإبل ، لم يجبر الآخر عليه ، وحكي وجه عن ابن سلمة وغيره أن الجاني يتخير بين الإبل والدراهم والدنانير المقدرة على القول القديم تفريعا على القديم ، والمذهب الأول .

فإن لم توجد الإبل في الموضع الذي يجب تحصيلها منه ، أو وجدت بأكثر من ثمن المثل فقولان ؛ الجديد الأظهر : أن الواجب قيمة الإبل بالغة ما بلغت ، والقديم : يجب ألف دينار ، أو اثنا عشر ألف درهم . وفي وجه مخرج على القديم عشرة آلاف درهم . والاعتبار بالدراهم والدنانير المضروبة الخالصة ، وذكر الإمام أن الدافع [ ص: 262 ] يتخير بين الدراهم والدنانير ، وقال الجمهور : على أهل الذهب ذهب ، وعلى أهل الورق ورق .

فإن كان الواجب دية مغلظة ، فهل يزاد للتغليظ شيء ؟ وجهان ، أصحهما : لا ، والثاني : يزاد ثلث المقدر ؛ فعلى هذا لو تعدد سبب التغليظ بأن قتل محرما في الحرم ، فهل يتكرر التغليظ ؟ وجهان ، أصحهما : لا فلا يزاد على الثلث ، كما لو قتل المحرم صيدا حرميا ، يلزمه جزاء فقط ، والثاني : يزاد لكل سبب ثلث دية .

فعلى هذا لو قتل ذا رحم محرما في الحرم والأشهر الحرم عمدا ، وجب ثمانية وعشرون ألف درهم ، وأما إذا قلنا بالجديد ، فتقوم الإبل بغالب نقد البلد وتراعى صفتها في التغليظ إن كانت مغلظة . قال الإمام : فإن غلب نقدان في البلد ، يخير الجاني منهما ، وتقوم الإبل التي لو كانت موجودة وجب تسليمها ؛ فإن لم يكن هناك إبل ، قومت من صنف أقرب البلاد إليهم ، وهل تعتبر قيمة موضع الوجود ، أم موضع الإعواز لو كانت فيه إبل ؟ وجهان :

أصحهما : الثاني ، وتعتبر قيمتها يوم وجوب التسليم ، هذا هو المفهوم من كلام الأصحاب ، وقال الروياني : إن وجبت الدية والإبل مفقودة ، اعتبرت قيمتها يوم الوجوب ، وإن وجبت وهي موجودة فلم تؤد حتى أعوزت وجبت قيمتها يوم الإعواز ، وإن وجد بعض الإبل الواجبة ، أخذ الموجود وقيمة الباقي .

فرع

قال الإمام : لو قال المستحق عند إعواز الإبل : لا أطالب الآن بشيء ، وأصبر إلى أن يوجد ؛ فالظاهر أن الأمر إليه ، لأن الأصل هو الإبل ، ويحتمل أن يقال لمن عليه أن يكلفه قبض ما عليه لتبرأ ذمته ، قال : ولم يصر أحد من الأصحاب إلى أنه لو أخذ الدراهم ، ثم وجدت الإبل يرد الدراهم ، ويرجع إلى الإبل ، بخلاف ما إذا غرم قيمة المثلى لإعواز المثل ، ثم وجد ؛ ففي الرجوع إلى المثل خلاف . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية