صفحة جزء
[ ص: 276 ] السابع : الأسنان ، فيجب في كل سن من الذكر الحر المسلم ، خمس من الإبل ، سواء قلعها ، أو قطعها ، أو كسرها ولو اقتلعها ، فبقيت معلقة بعروق ، ثم عادت إلى ما كانت فليس عليه إلا حكومة ؛ ذكره الروياني .

وتستوي الأسنان في الدية وإن اختلفت منافعها ، وتكمل دية السن بقلع كل سن أصلية تامة مثغورة غير متقلقلة ، فهذه أربعة قيود ، الأول : كونها أصلية ، ففي الشاغية الحكومة لا الدية ، ولو سقطت سنه فاتخذ سنا من ذهب أو حديد أو عظم طاهر ، فلا دية في قلعها ، وأما الحكومة ، فإن قلعت قبل الالتحام ، لم تجب ، لكن يعزر القالع ، وإن قلعت بعد تشبث اللحم بها ، واستعدادها للمضغ والقطع ، فلا حكومة أيضا على الأظهر .

الثاني : كونها تامة ، وتكمل دية السن بكسر ما ظهر من السن ، وإن بقي السنخ بحاله ، ولو قلع السن من السنخ ، وجب أرش السن فقط على المذهب ، وقيل في وجوب الحكومة معه وجهان ، ولو كسر الظاهر رجل ، وقلع السنخ آخر ؛ فعلى الأول دية سن ، وعلى الثاني حكومة قطعا ، ولو عاد الأول وقلعه بعد الاندمال ، فعليه حكومة مع الدية ، وإن قلعه قبل الاندمال ، فكذلك على الأصح ، وقيل : لا حكومة ، وطرد مثل هذا في قطع الكف بعد قطع الأصابع من القاطع أو غيره ، ولو قطع بعض الظاهر ، فعليه قسطه من الأرش وينسب المقطوع إلى الباقي من الظاهر ، ولا يعتبر السنخ على المذهب ، وبه قطع الجمهور .

وقيل : وجهان ، ثانيهما يوزع عليه وعلى السنخ ، وفي معنى هذا صور منها : أن الدية تكمل في قطع الحشفة ، فلو استؤصل الذكر ، فهل ينفرد بقية الذكر بحكومة أم تدخل حكومتها في دية الحشفة ؟ فيه طريقان ، أحدهما : نعم ، والثاني : على وجهين .

[ ص: 277 ] ومنها : حلمة الثدي فيها كمال الدية ، فلو استؤصل الثدي ففيه الطريقان ، والمذهب فيهما الاندراج .

ومنها : في المارن الدية ، فلو قطعه مع القصبة ، فهل تندرج حكومة القصبة في دية المارن ؟ وجهان : الصحيح الاندراج .

واعلم أنا قدمنا أن قصبة الأنف محل الموضحة في الوجه ، وكذا هي محل الهاشمة والمنقلة ، وإبانة القصبة أعظم من المنقلة ، فيجب أن يجب فيها مع دية المارن أرش المنقلة . وقد حكى ابن كج هذا عن النص ، لكن لم أجد لغيره تعرضا له .

وإذا قلنا بالاندراج في هذه الصور ، فقطع بعض الحشفة أو الحلمة أو المارن ، فهل ينسب المقطوع إلى الحشفة أم جميع الذكر ، وإلى الحلمة أم جميع الثدي ، وإلى المارن أم إليه مع القصبة ؟ فيه الطريقان اللذان في بعض ظاهر السن ؛ والمذهب التوزيع على الحشفة والحلمة والمارن فقط ، فإذا اختلفا في قدر المكسور من ظاهر السن ؛ فالمصدق الجاني ، لأن الأصل براءته .

فرع

كسر واحد بعض ظاهر السن ، ثم كسر غيره الباقي من الظاهر ؛ فعلى كل منهما قسط ما كسره من الأرش . ولو قلع الثاني الباقي مع السنخ فطريقان : أحدهما على وجهين ، أحدهما : عليه أرش الباقي وحكومة السنخ ، والثاني : عليه الأرش فقط ، والطريق الثاني - وهو الأصح وبه قطع الأكثرون - ينظر في جناية الأول ؛ فإن كسر بعض السن في العرض ، وبقي الأسفل بحاله ، فليس على الثاني حكومة السنخ ، بل يدخل في أرش الباقي ، وإن كسر بعضها في الطول ، فحكومة السنخ بقدر [ ص: 278 ] ما يجب الباقي من السن يدخل في أرشه ، وما لا شيء فوقه تلزمه حكومته .

فرع

لو ظهر بعض السنخ بخلل أصاب اللثة ، لم يلحق ذلك بالظاهر ، بل تكمل الدية فيما كان ظاهرا في الأصل .

فرع

لو تناثر بعض السن ، أو تآكل ، ففي قلعها قسط ما بقي من الدية ، فإن اختلفا في قدر المتناثر والمتآكل ، صدق المجني عليه بيمينه .

فرع

لو كانت أسنانه من الأعلى طويلة ، ومن الأسفل قصيرة ، أو بالعكس ، لم يؤثر ذلك ، ووجب لكل واحدة كمال الأرش ، والغالب أن الثنايا من الأسنان تكون أطول من الرباعيات بقليل ، فلو كانت ثناياه كرباعياته أو أقصر منها ، فوجهان ، أحدهما حكاه الإمام عن الأكثرين : لا يجب فيها تمام الأرش بل ينقص منه بحسب نقصانها ، وبهذا قطع الروياني .

والثاني : يجب كمال الأرش ، وبه قطع البغوي ، ولو كانت إحدى الثنيتين من الأعلى أو الأسفل أقصر من أختها ، فقلعت الصغيرة ، نقص من ديتها بقدر نقصانها ؛ لأن الغالب أنهما لا تختلفان ؛ فإذا اختلفتا ، كانت القصيرة ناقصة ، ولوأنهى صغر السن إلى أن بطلت منفعته ولم يصلح للمضغ ؛ ففي قلعها الحكومة دون الدية ، كاليد الشلاء .

القيد الثالث : كونها مثغورة ، فلو قلع سن صغير لم يثغر ، فقد سبق في كتاب الجنايات أنه لا يستوفى في الحال قصاص ولا دية ، لأن الغالب عودها ؛ فهي كالشعر يحلق ، لكن ينتظر عودها فإن عادت ، فلا [ ص: 279 ] قصاص ولا دية . وتجب الحكومة إن بقي شين ، وإلا فهل يعتبر حال الجناية وقيام الألم أم لا يجب شيء ؟ فيه خلاف يأتي في باب الحكومات إن شاء الله تعالى .

وإن مضت المدة التي يتوقع فيها العود ولم تعد ، وفسد المنبت ، استوفي القصاص أو الدية ، فإن مات الصبي قبل بيان الحال ، ففي وجوب الأرش وجهان ، وقيل : قولان ؛ أحدهما : يجب لتحقق الجناية ؛ والأصل عدم العود ، وأصحهما : لا ؛ لأن الأصل البراءة ، والظاهر العود لو عاش ؛ فعلى هذا تجب الحكومة .

قال المتولي : هذا على طريقة من يعتبر حال الجناية والألم ، ولو قلع رجل سن الصغير ، وجنى آخر على منبته جناية أبطلت النبات ، قال الإمام : لا وجه لإيجاب الأرش على الثاني ولا عليهما ، أما الأول فيجوز أن يقال بوجوبه عليه ، ويجوز أن يقتصر على الحكومة ، ولو سقطت سنه بنفسها ، ثم جنى جان وأفسد المنبت ؛ فيجوز أن يقال بوجوب الأرش على الثاني ، لأنه أفسد المنبت ، ولم تسبقه جناية بحال عليها .

فرع

لو قلع سن مثغور ، فأخذ منه الأرش ، فعادت السن على الندور ، لم يسترد الأرش على الأظهر . ولو التحمت الموضحة أو الجائفة بعد أخذ أرشها ، لم يسترد على الصحيح ، ولو جنى على يده فذهب بطشها ، أو على عينه فذهب بصرها ، فأخذنا ديتهما لظن زوال البطش والبصر ، ثم قويت اليد والعين فصار يبطش ويبصر ، استردت الدية قطعا ، لأن الشلل والعمى المحققين لا يزولان ، وكذا الحكم في السمع وسائر المعاني .

فرع

قلع سن صغير ، فطلع بعضها ومات الصغير قبل أن يتم نباتها ؛ فعليه من الدية فيما إذا مات قبل [ ص: 280 ] النبات ، والحكومة إن قلنا : لا تجب هناك الدية ؛ نص عليه الشافعي رحمه الله .

ولو قلعها قبل تمام الطلوع آخر ، فعن النص انتظار نباتها ، فإن لم تنبت ، فعليه الدية ، وإن نبتت ، لزمه حكومة هي أكثر من حكومة المرة الأولى .

القيد الرابع : كونها ثابتة غير متقلقلة ؛ فإن كانت متحركة حركة يسيرة لا تنقص المنافع ، لم يؤثر تحركها في قصاص ولا دية ، وإن كان بها اضطراب شديد بهرم أو مرض ونحوهما ، نظر ، إن بطلت منفعتها ، ففيها الحكومة ؛ وإن نقصت فهل يجب الأرش أم الحكومة ؟ قولان ، أظهرهما : الأرش .

وقال الإمام : إن كان الغالب على الظن نباتها ، وجب الأرش قطعا ، وإن كان الغالب على الظن سقوطها ، فهو موضع القولين ، ولو ضرب سن رجل فتزلزلت وتحركت ؛ نظر إن سقطت بعد ذلك لزمه الأرش ، وإن عادت كما كانت ، فلا أرش ، وفي وجوب الحكومة وجهان ، كما إذا لم يبق في الجراحة نقص ولا شين ، وإن بقيت كذلك ناقصة المنفعة ؛ فهل يجب الأرش أم الحكومة ؟ فيه القولان ، فإن قلعها آخر ؛ فعليه الأرش إن أوجبنا على الأول الحكومة ، والحكومة إن أوجبنا على الأول الأرش . قال الشيخ أبو حامد : إن قلنا : تجب الحكومة ، فهي دون حكومة السن المتحركة بهرم ومرض ؛ لأن النقص الذي فيها قد غرمه الجاني الأول بخلاف الهرم .

وقطع المتولي بأنه ليس على الثاني إلا حكومة بخلاف ما لو كان الاضطراب بهرم ومرض ؛ لأن خلل الجناية يخالفهما ؛ ولهذا لو قتل مشرفا على الموت في آخر رمق بالمرض ، وجب القصاص ، ولو كان في هذا الحال بجناية ؛ فلا قصاص ، ولو جنى على سن ، فاضطربت ونقصت منفعتها ، وقلنا : الواجب عليه الحكومة ؛ فعاد وقلعها قبل أن يضمن الحكومة ؛ فعليه الأرش بكماله . [ ص: 281 ] فرع

قلع سنا سوداء كاملة المنفعة ؛ نظر إن كانت سوداء قبل أن يثغر وبعده ، لزمه كمال الأرش ، وإن كانت في الأصل بيضاء ، فلما ثغر نبتت سوداء ، أو نبتت بيضاء ثم اسودت ، فعن نص الشافعي رحمه الله أنه يراجع أهل الخبرة ؛ فإن قالوا : لا يكون ذلك إلا لعلة حادثة ، ففي قلعها الحكومة ، وإن قالوا : لم يحدث ذلك لعلة ، أو قالوا : مثل هذا قد يكون لعلة ومرض ؛ وقد يكون لغيره ؛ وجب كمال الأرش ، والرد إلى الحكومة للمرض مع كمال المنفعة خلاف القياس .

وإن ضرب سنا فاسودت ، فهل يجب الأرش أم الحكومة ؟ نقل المزني اختلاف نص فيه ، فقيل : قولان والمذهب وما قطع به الجمهور تنزيل النصين على حالين ، إن فاتت المنفعة مع الاسوداد ، وجب الأرش ، وإلا فالحكومة ، ولو اخضرت السن بجناية أو اصفرت ، وجبت الحكومة ، وحكومة الاخضرار أقل من الاسوداد ، وحكومة الاصفرار أقل من الاخضرار .

التالي السابق


الخدمات العلمية