صفحة جزء
فصل

في بيان الحفر الذي هو في محل عدوان وغيره ، والحفر يقع في مواضع ؛ أحدها : إذا حفر في ملك نفسه ؛ فلا عدوان ؛ فلو دخل ملكه داخل بإذنه ، وتردى فيه ، لم يجب ضمانه إذا عرفه المالك أن هناك بئرا ، أو كانت مكشوفة والداخل متمكن من التحرز ؛ فأما إذا لم [ ص: 317 ] يعرفه ، والداخل أعمى ، أو الموضع مظلم ؛ ففي " التتمة " أنه كما لو دعاه لطعام مسموم ؛ فأكله .

ولو حفر بئرا في دهليز داره ، ودعا إليها رجلا ، فتردى فيها ، ففي الضمان قولان سبقا في أول الجنايات ، أظهرهما : الوجوب ، وقيل : إن كان الطريق واسعا وعن البئر معدل فقولان ، وإن كان ضيقا فقولان مرتبان ؛ وأولى الوجوب . وعلى هذا قياس تقديم الطعام المسموم وأطعمة فيها طعام مسموم .

الموضوع الثاني : إذا حفر في موات للتملك أو للارتفاق بالاستقاء منها فلا ضمان ؛ لأنه جائز كالحفر في ملكه . وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " البئر جبار " .

الثالث : إذا حفر في ملك غيره نظر إن حفر بإذن المالك ؛ فهو كحفره في ملكه ، وإن حفر بغير إذنه ، تعلق به الضمان ؛ لكونه عدوانا ، وتكون الدية على العاقلة . ولو هلك به دابة أو مال آخر ، وجب الضمان في ماله . وهل يجعل رضى المالك ببقاء البئر المحفورة كرضاه بالحفر ؟ وجهان سبقا في الغصب ؛ أصحهما : نعم ، ولو كان الحافر عبدا ؛ فالضمان يتعلق برقبته ؛ فلو أعتقه السيد ؛ فضمان من يتردى بعد العتق يتعلق بالعتيق .

ولو حفر في ملك مشترك بينه وبين غيره بغير إذن الشريك ، تعلق به الضمان أيضا ؛ لأنه لا يجوز الحفر في المشترك ؛ وإذا حفر في ملك الغير متعديا ، ودخله رجل بغير إذن ، فتردى فيها ؛ ففي تعلق الضمان بالحافر وجهان . قال في " البيان " : لو قال المالك : حفر بإذني ، لم يصدق .

الرابع : إذا حفر في شارع نظر ؛ إن كان ضيقا يتضرر الناس بالبئر فيه ، وجب ضمان ما هلك بها ؛ سواء أذن الإمام أم لا ، وليس للإمام الإذن فيما يضر . وإن كان لا يتضرر بها لسعة الشارع ، أو انعطاف موضع البئر ، نظر ، إن كان الحفر لمصلحة عامة ، كالحفر [ ص: 318 ] للاستقاء ، أو لاجتماع ماء المطر . فإن أذن فيه الوالي ؛ فلا ضمان ؛ وإلا فالأظهر الجديد أنه لا ضمان . وأشار في القديم إلى وجوبه . وإن حفر لغرض نفسه ؛ فإن كان بغير إذن الإمام ، ضمن ؛ وإلا فلا على الأصح . وبه قطع العراقيون والمتولي والروياني ، وهذا جار على ما سبق في إحياء الموات أن الأصح الذي عليه الأكثرون أنه يجوز أن يقطع الإمام من الشوارع ما لا ضرر فيه ، وأن للمقطع أن يبني فيه .

فرع

الحفر في المسجد كالحفر في الشارع ؛ فلو بنى مسجدا في شارع لا يتضرر به المارون جاز ؛ فلو تعثر به إنسان أو بهيمة ، أو سقط جداره على إنسان أو مال فأهلكه فلا ضمان إن كان بإذن الإمام . وكذا إن لم يكن بإذنه على الأظهر الجديد .

ولو بنى سقف مسجد أو نصب فيه عمادا ، أو طين جداره أو علق فيه قنديلا ؛ فسقط على إنسان أو مال فأهلكه ، أو فرش فيه حصيرا ، أو حشيشا ؛ فزلق به إنسان فهلك ، أو دخلت شوكة منه في عينه فذهب بها بصره ؛ فإن جرى ذلك بإذن الإمام أو متولي أمر المسجد ؛ فلا ضمان ؛ وإلا فلا ضمان أيضا على الجديد الأظهر . ونقل البغوي عن أبي إسحاق أنه إن لم يأذن أهل المحلة ضمن .

قلت : قال البغوي : ومثل هذا لو وضع دنا على بابه ليشرب الناس منه ؛ فإن وضعه بإذن الإمام ، لم يضمن ما تلف به ، وإلا فوجهان ، يعني أصحهما لا ضمان ؛ بخلاف ما لو بنى دكة على باب داره فهلك بها شيء ؛ فإنه يضمن ؛ لأنه فعله لمصلحة نفسه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية