صفحة جزء
الطرف الثاني في حكم البغاة وفيه مسألتان :

إحداها : شهادة البغاة مقبولة بناء على أنهم ليسوا فسقة ، ولفظ الشافعي رحمه الله : ولو شهد منهم عدل ، قبلت شهادته ما لم يكن يرى الشهادة لموافقته بتصديقه ، فأثبت العدالة مع البغي ، فإن كان لهم قاض في بلد ، قال المعتبرون من الأصحاب : إن كان يستحل دماء أهل العدل ، لم ينفذ حكمه ; لأنه ليس بعدل ، ومن شرط القاضي العدالة ، وكذا يقول هؤلاء فيما لو كان الشاهد يستحل دماء أهل العدل وأموالهم ، ومنهم من يطلق نفوذ قضاء البغاة لمصلحة الرعية ، وإن لم يكن قاضيهم ممن يستحل دماء أهل العدل وأموالهم ، ونفذ حكمه فيما ينفذ فيه حكم قاضي أهل العدل ، فلو حكم بما يخالف النص أو الإجماع أو القياس الجلي ، فهو باطل ، حتى لو قضى على رجل من أهل العدل بضمان ما أتلف في الحرب عليهم ، لم ينفذ قضاؤه ، وكذا لو حكم بسقوط ضمان ما أتلفوه هم على أهل العدل في غير القتال ، لم ينفذ ، ولو حكم بسقوط ضمان ما أتلفوه في القتال ، نفذ حكمه ، ولا تجوز مطالبتهم بعد ذلك ; لأنه مجتهد فيه ، ولا ينفذ قضاء الباغي إذا كان من الخطابية الذين يقضون لموافقتهم بتصديقهم إذا قضى لموافقه ، كما ترد شهادته له .

[ ص: 54 ] فرع

إذا كتب قاضيهم حيث ينفذ قضاؤه بما حكم به إلى حاكم أهل العدل ، جاز قبوله وتنفيذه ، ويستحب أن لا يقبل استخفافا بهم ، وإن كتب بما ثبت عنده ولم يحكم به ، فهل يحكم قاضينا به ؟ فيه قولان ، أظهرهما : نعم ، وحكى الإمام طرد القولين فيما حكم به ، واستعان فيه بالاستيفاء ، قال : وكنت أود لو فصل فاصل بين حكم يتعلق بأهل النجدة ، وحكم يتعلق بالرعايا .

فرع

لو ورد من قاضي البغاة كتاب على قاضينا ، ولم يعلم أنه ممن يستحل دماء أهل العدل أم لا ، ففي قبوله والعمل به قولان ، حكاهما ابن كج ، قال : واختيار الشافعي منهما : المنع .

المسألة الثانية : إذا أقام البغاة الحدود على جناة البلد الذي استولوا عليه ، وأخذوا الزكاة من أهله وخراج أرضه ، وجزية الذميين فيه ، اعتد بما فعلوه ، وإذا عاد البلد إلى أهل العدل ، لم يطالبوا أهله بشيء من ذلك ، وفي الجزية وجه شاذ لبعدها عن المسافة ، ولو فرقوا سهم المرتزقة من الفيء على جندهم ، ففي وقوعه موقعه وجهان ، أحدهما : لا ، لئلا يكون عونا لهم ، وأصحهما : نعم ; لأنهم من جند الإسلام ، وإرعاب الكفار حاصل بهم .

فرع

إذا عاد البلد إلى أهل العدل ، فادعى من عليه حق أن البغاة استوفوه ، ولا يعلم الإمام ذلك ولا بينة ، فإن كان زكاة ، صدق بيمينه ، وهل اليمين واجبة أم مستحبة ؟ فيه خلاف سبق في الزكاة ، وإن كان [ ص: 55 ] جزية ، لم يصدق على الصحيح ، وكذا إن كان خراجا على الأصح ; لأنه أجرة أو ثمن بخلاف الزكاة ، فإنها عبادة ومواساة ومبناها على الرفق ، وإن كان حدا فقال المتولي : يصدق إن كان أثره باقيا على بدنه ، وإلا فإن ثبت بالإقرار ، صدق ; لأنه يقبل رجوعه ، وإن ثبت بالبينة ، فلا .

فصل

الذين لهم تأويل بلا شوكة ، أو شوكة بلا تأويل ، ليس لهم حكم البغاة ، ولا ينفذ قضاء حاكمهم ، ولا يعتد باستيفائهم الحقوق والحدود ، وفي أصحاب الشوكة احتمال للإمام لئلا يتضرر أهل الناحية التي استولوا عليها ، والمعروف للأصحاب ما سبق ، والتحكيم فيهم على الخلاف المعروف في غيرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية