صفحة جزء
فرع

في " المنهاج " للإمام الحليمي أنه لا خلاف أن الإيمان ينعقد بغير القول المعروف ، وهو كلمة لا إله إلا الله ، حتى لو قال : لا إله غير الله ، أو لا إله سوى الله ، أو ما عدا الله ، أو ما من إله إلا الله ، أو لا إله إلا الرحمن ، أو لا رحمن إلا الله ، أو لا إله إلا البارئ ، أو لا بارئ إلا الله ، وأن قوله : أحمد أو أبو القاسم رسول الله ، كقوله : محمد رسول الله ، وأنه لو قال كافر : آمنت بالله ، نظر ، إن لم يكن على دين قبل ذلك ، صار مؤمنا بالله تعالى ، وإن كان يشرك بالله تعالى غيره ، لم يكن مؤمنا حتى يقول : آمنت بالله وحده وكفرت بما كنت أشرك به ، وأن قوله أسلمت لله ، أو أسلمت وجهي لله ، كقوله : آمنت بالله ، وأنه لو قيل لكافر : أسلم لله ، أو آمن بالله ، فقال : أسلمت أو آمنت ، يحتمل أن يجعل مؤمنا ، وأنه لو قال : أؤمن بالله أو أسلم لله ، فهو إيمان ، كما أن قول القائل : أقسم بالله ، يمين ، ولا يحمل على الوعد إلا أن يريده ، وأنه لو قال : الله ربي ، أو الله خالقي ، فإن لم يكن له دين قبل ذلك ، فهو إيمان ، وإن كان يقول بقدم شيء مع الله تعالى ، لم يكن مؤمنا حتى يقر بأنه لا قديم إلا الله ، وكذا الحكم لو قال : لا خالق إلا الله ، وأنه لو قال اليهودي المشبه : لا إله إلا الله ، لم يكن إسلاما حتى يتبرأ من التشبيه ويقر بأنه ليس كمثله شيء ، فإن قال مع ذلك : محمد رسول الله ، فإن كان يعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 84 ] جاء بنفي التشبيه ، كان مؤمنا ، وإلا فلا بد أن يتبرأ من التشبيه ، وطرد هذا التفصيل فيما إذا قال من يزعم قدم أشياء مع الله : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، حتى إذا كان يعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء ينفي ذلك ، كان مؤمنا ، وأن الثنوي إذا قال : لا إله إلا الله ، لم يكن مؤمنا حتى يتبرأ من القول بقدم الظلمة والنور أن لا قديم إلا الله كان مؤمنا ، وأن الوثني إذا قال : لا إله إلا الله ، فإن كان يزعم أن الوثن شريك لله تعالى ، صار مؤمنا .

وإن كان يرى أن الله تعالى هو الخالق ويعظم الوثن لزعمه أنه يقربه إلى الله تعالى ، لم يكن مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الوثن ، وأنه لو قال البرهمي وهو الموحد الجاحد للرسل : محمد رسول الله ، صار مؤمنا ، ولو أقر برسالة نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، لم يكن مؤمنا ، ويجيء فيه القول الذي حكاه البغوي في يهودي أقر بنبوة عيسى صلى الله عليه وسلم ، وأن المعطل إذا قال : محمد رسول الله ، فقد قيل يكون مؤمنا ; لأنه أثبت المرسل وإن الكافر لو قال : لا إله إلا الذي آمن به المسلمون ، صار مؤمنا .

ولو قال : آمنت بالذي لا إله غيره ، أو بمن لا إله غيره ، لم يكن مؤمنا ; لأنه قد يريد الوثن ، وأنه لو قال : آمنت بالله وبمحمد ، كان مؤمنا بالله لإثباته الإله ، ولا يكون مؤمنا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يقول : بمحمد النبي ، أو بمحمد رسول الله ، وأن قوله : آمنت بمحمد النبي ، إيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله : آمنت بمحمد الرسول ، ليس كذلك ; لأن النبي لا يكون إلا لله تعالى ، والرسول قد يكون لغيره ، وإن الفلسفي إذا قال : أشهد أن الباري سبحانه وتعالى علة الموجودات أو مبدؤها أو سببها ، لم يكن ذلك إيمانا حتى يقر أنه مخترع لما سواه ومحدثه بعد أن لم يكن ، وأن الكافر إذا قال : لا إله [ ص: 85 ] إلا المحيي المميت ، فإن لم يك من الطبائعيين كان مؤمنا ، وإن كان منهم ، فلا حتى يقول : إلا الله ، أو إلا الباري ، أو اسما آخر لا تأويل لهم فيه ، وأن الكافر إذا قال : لا إله إلا المالك ، أو الرازق ، لم يكن مؤمنا ; لأنه قد يريد السلطان الذي يملك أمر الجند ويرتب أرزاقهم ، ولو قال : لا مالك إلا الله ، أو لا رازق إلا الله ، كان مؤمنا ، وبمثله أجاب فيما لو قال : لا إله إلا الله العزيز ، أو العظيم ، أو الحكيم ، أو الكريم ، وبالعكوس ، وأنه لو قال : لا إله إلا الله الملك الذي في السماء ، أو إلا ملك السماء ، كان مؤمنا ، قال الله تعالى : أأمنتم من في السماء .

ولو قال : لا إله إلا ساكن السماء ، لم يكن مؤمنا ، وكذا لو قال : لا إله إلا الله ساكن السماء ; لأن السكون محال على الله تعالى ، وأنه لو قال : آمنت بالله إن شاء ، أو إن كان شاء بنا ، لم يكن مؤمنا ، وأنه لو قال اليهودي : أنا برئ من اليهودية ، أو نصراني : أنا بريء من النصرانية ، لم يكن مؤمنا ; لأنه ضد اليهودية غير منحصر في الإسلام ، وكذا لو قال : برئ من كل ملة تخالف الإسلام ، فليس مؤمنا ; لأنه لا ينفي التعطيل ; لأنه مخالف وليس بملة ، فإن قال : من كل ما يخالف الإسلام من دين ورأي وهوى ، كان مؤمنا ، وأنه لو قال : الإسلام حق ، لم يكن مؤمنا ; لأنه قد يقر بالحق ولا ينقاد له ، وهذا يخالف ما حكينا عن البغوي في قوله : دينكم حق ، وأنه لو قال لمعتقد ملة : أسلم ، فقال : أسلمت ، أو أنا مسلم ، لم يكن مقرا بالإسلام ; لأنه قد يسمي دينه الذي هو عليه إسلاما ، ولو قال في جوابه : أنا مسلم مثلكم ، كان مقرا بالإسلام ، ولو قيل لمعطل : أسلم ، فقال : أنا مسلم ، أو من المسلمين ، كان مقرا بالإسلام ; لأنه لا دين له يسميه إسلاما ، وقد يتوقف في هذا . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية