صفحة جزء
فصل

في تغريب الحر وفيه مسائل :

إحداها : تغرب المرأة كما يغرب الرجل ، لكن هل تغرب وحدها ؟ وجهان ، أصحهما : لا ، هكذا أطلق مطلقو الوجهين ، وخصهما الإمام والغزالي بما إذا كان الطريق آمنا ، فعلى هذا يشترط محرم أو زوج يسافر معها ، وفي النسوة الثقات عند أمن الطريق وجهان ، وربما اكتفى بعضهم بواحدة ثقة ، وشرط بعضهم أن يكون معها زوج أو محرم ، فإن قلنا بالأصح ، فتطوع الزوج ، أو محرم بالسفر ، أو وجدت نسوة ثقات يسافرن فذاك ، وإن لم يخرج المحرم ولا الزوج إلا [ ص: 88 ] بأجرة ، أعطي أجرة ، وهل هي في مالها أم في بيت المال ؟ وجهان كأجرة الجلاد ، أصحهما : الأول ، وإن امتنع من الخروج بأجرة ، لم يجبر على الأصح كما في الحج ، فعلى هذا قياس اشتراط المحرم أن يؤخر التغريب حتى يتيسر ، وذكر الروياني أنها تغرب ، ويحتاط الإمام في ذلك ، وإن قلنا بالإجبار وهو محكي عن ابن سريج فاجتمع محرمان أو محرم وزوج فأيهما يقدم ؟ لم يتعرض الأصحاب .

قلت : يحتمل وجهين كنظائره ، أحدهما : الإقراع ، والثاني : يقدم باجتهاده من يراه ، وهذا أرجح . والله أعلم .

الثانية : يغرب الزاني إلى مسافة القصر ، وقيل : يجوز دونها ، وقيل : يكفي التغريب إلى موضع لو خرج المبكر إليه ، لم يرجع بيومه ، لإطلاق لفظ التغريب ، والصحيح الأول ، ولو رأى الإمام التغريب إلى فوق مسافة القصر ، فعل ، وقال المتولي : إن كان على مسافة القصر موضع صالح لم يجز التغريب إلى ما فوقه ، والصحيح الأول ، وبه قطع الجمهور ، غرب عمر رضي الله عنه إلى الشام ، وعثمان رضي الله عنه إلى مصر ، والبدوي يغرب عن حلته وقومه ، ولا يمكن من الإقامة بينهم ، ولو عين السلطان جهة لتغريبه ، فطلب الزاني جهة غيرها ، فهل يجاب أم يتعين ما عينه الإمام ؟ وجهان ، أصحهما : الثاني ، قال البغوي : لا يرسله الإمام إرسالا بل يغربه إلى بلد معين ، وإذا غرب إلى بلد معين ، فهل يمنع من الانتقال إلى بلد آخر ؟ وجهان ، أصحهما : لا ، وبه قطع المتولي واختاره الإمام .

الثالثة : قال البغوي : لا يمكن المغرب من أن يحمل معه أهله وعشيرته ; لأنه لا يستوحش حينئذ ، وله أن يحمل جارية يتسرى [ ص: 89 ] بها ، وما يحتاج إليه للنفقة وقال المتولي : لو خرج معه عشيرته ، لم يمنعوا .

الرابعة : الغريب إذا زنى ، يغرب من بلد الزنا تنكيلا وإبعادا عن موضع الفاحشة ، لا يغرب إلى بلده ولا إلى بلد بينه وبين بلده دون مسافة القصر ، ولو رجع هذا الغريب إلى بلده فهل يمنع ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، ثم هذا في غريب له وطن ، فإن لم يكن ، بأن هاجر حربي إلى دار الإسلام ولم يتوطن بلدا ، قال المتولي : يتوقف الإمام حتى يتوطن بلدا ثم يغربه ، ولو زنى مسافر في طريقه ، غرب إلى غير مقصده .

الخامسة : إذا رجع المغرب إلى البلد الذي غرب منه ، رد إلى الموضع الذي غرب إليه ، وهل تستأنف المدة أم يبني ؟ وجهان ، أصحهما : تستأنف ، وهما راجعان إلى أنه هل يجوز تفريق سنة التغريب .

السادسة : لا يعتقل في الموضع الذي غرب إليه ، لكن يحفظ بالمراقبة والتوكيل به ، فإن احتيج إلى الاعتقال خوفا من رجوعه اعتقل .

السابعة : لو زنى ثانيا في البلد المغرب فيه ، غرب إلى موضع آخر ، قال ابن كج : وتدخل بقية مدة الأول ; لأن الحدين من جنس فيتداخلان .

الثامنة : لو أراد الحاكم تغريبه فخرج بنفسه ، وغاب سنة ، ثم عاد ، قال ابن كج قال بعض الأصحاب : يكفيه ذلك ، والصحيح خلافه ; لأن المقصود التنكيل ، ولا يحصل إلا بتغريب الإمام .

التاسعة : قال ابن كج : مؤنة المغرب بقدر مؤنة الحضر في ماله ، وما زاد في بيت المال ، وهذا غريب .

[ ص: 90 ] قلت : الصواب أن الجميع في ماله . والله أعلم .

العاشرة : يجوز تقديم التغريب على الجلد .

فرع

ذكر الروياني أن الأصح أنه لا يلزم المغرب أن يقيم في بلد الغربة حتى يكون كالحبس له ، فلا يمكن من الضرب في الأرض ; لأنه كالنزهة ، ومما يناسب التغريب النفي في قطع الطريق ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ، وثبت في الحديث نفي المخنثين وهو تعزير .

فرع

ليس من شرط الإحصان الإسلام ، فإذا زنى ذمي مكلف حر وطئ في نكاح صحيح ، رجم ، ولو ارتد محصن ، لم يبطل إحصانه ، فلو زنى في الردة أو بعد الإسلام رجم .

التالي السابق


الخدمات العلمية