صفحة جزء
الشرط الرابع : العدد . فلا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين ، هذا هو المذهب الصحيح المشهور . ونقل صاحب " التلخيص " قولا عن القديم : أنها تنعقد بثلاثة : إمام ، ومأمومين . ولم يثبته عامة الأصحاب . ويشترط في الأربعين : الذكورة ، والتكليف ، والحرية ، والإقامة على سبيل التوطن . وصفة التوطن : أن لا يظعنوا عن ذلك الموضع شتاء ولا صيفا ، إلا لحاجة . فلو كانوا ينزلون في ذلك الموضع صيفا ، ويرتحلون شتاء ، أو عكسه ، فليسوا مستوطنين ; فلا تنعقد بهم . وفي انعقادها بالمقيم الذي لم يجعل الموضع وطنا له خلاف نذكره في الباب الثاني - إن شاء الله تعالى - . وتنعقد بالمرضى على المشهور . وفي قول شاذ : لا تنعقد بهم ، كالعبيد . فعلى هذا ، صفة الصحة شرط خامس . ثم الصحيح ، أن الإمام من جملة الأربعين . والثاني : يشترط أن يكون زائدا على الأربعين . وحكى الروياني هذا الخلاف قولين . الثاني القديم .

فرع

العدد المعتبر في الصلاة - وهو الأربعون - معتبر في الكلمات الواجبة من الخطبتين ، واستماع القوم لها . فلو حضر العدد ، ثم انفضوا كلهم ، أو بعضهم ، وبقي دون أربعين ، فتارة ينقصون قبل الخطبة ، وتارة فيها ، وتارة بعدها ، وتارة في الصلاة ، فإن انفضوا قبل افتتاح الخطبة ، لم يبتدأ بها حتى يجتمع أربعون ، [ ص: 8 ] وإن كان في أثنائها ، فلا خلاف أن الركن المأتي به في غيبتهم غير محسوب ، بخلاف ما إذا نقص العدد في الصلاة ، فإن فيها خلافا ، لأن كلا يصلي لنفسه ، فسومح بنقص العدد فيها . والخطيب لا يخطب لنفسه ، إنما الغرض : استماع الناس ، فما جرى ولا مستمع فات فيه الغرض ، فلم يحتمل . ثم إن عادوا قبل طول الفصل ، بنى على خطبته ، وبعد طوله ، قولان يعبر عنهما بأن الموالاة في الخطبة واجبة ، أم لا ؟ والأظهر : أنها واجبة ، فيجب الاستئناف . والثاني : غير واجبة فيبني . وبنى جماعة القولين ، على أن الخطبتين بدل من الركعتين فيجب الاستئناف ، أم لا ، فلا ولا فرق بين فوات الموالاة بعذر أو بغيره . ولو لم يعد الأولون ، واجتمع بدلهم أربعون ، وجب استئناف الخطبة ; طال الفصل أم قصر . أما إذا انفضوا بعد فراغ الخطبة ، فإن عادوا قبل طول الفصل ، صلى الجمعة بتلك الخطبة . وإن عادوا بعد طوله ، ففي اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة قولان . الأظهر : الاشتراط . فلا يمكن الصلاة بتلك الخطبة . وعلى الثاني : يصلي بها . ثم نقل المازني أن الشافعي قال : أحببت أن تبتدئ الخطبة ، ثم يصلي الجمعة ، فإن لم يفعل ، صلى بهم الظهر . واختلف الأصحاب في معناه ، فقال ابن سريج ، والقفال ، والأكثرون : يجب أن يعيد الخطبة ، ويصلي بهم الجمعة لتمكنه . قالوا : ولفظ الشافعي : أوجبت ، ولكنه صحف . ومنهم من قال : أراد بأحببت : أوجبت . قالوا : وقوله : صلى بهم الظهر ، محمول على ما إذا ضاق الوقت . وقال أبو إسحاق : لا يجب إعادة الخطبة ، لكن يستحب ، وتجب الجمعة للقدرة . وقال أبو علي في " الإفصاح " : لا تجب إعادة الخطبة ، ولا الجمعة ، ولكن يستحبان عملا بظاهر النص . ودليل الثاني والثالث في ترك الخطبة ، خوف الانفضاض ثانيا ، فسقطت بهذا العذر ، وحصل خلاف في وجوب إقامة الجمعة ، كما اختصره الغزالي ، فقال : إن شرطنا الموالاة ، ولم تعد الخطبة ، أتم المنفضون . وهل يأثم الخطيب ؟ قولان . [ ص: 9 ] قلت : الأصح قول ابن سريج ، ومتابعيه ، وأن الخطيب يأثم إذا لم يعد ، - والله أعلم - .

وسواء طال الفصل والخطيب ساكت ، أو مستمر في الخطبة ، ثم لما عادوا أعاد ما جرى من واجبها في حال الانفضاض . أما إذا أحرم بالعدد المعتبر ، ثم حضر أربعون آخرون وأحرموا ، ثم انفض الأولون ، فلا يضر ، بل يتم الجمعة ، سواء كان اللاحقون سمعوا الخطبة ، أم لا . قال إمام الحرمين : ولا يمتنع عندي أن يقال : يشترط بقاء أربعين سمعوا الخطبة ، فلا تستمر الجمعة إذا كان اللاحقون لم يسمعوها . فأما إذا انفضوا ولحق أربعون على الاتصال ، فقد قال في ( الوسيط ) : تستمر الجمعة . لكن يشترط هنا أن يكون اللاحقون سمعوا الخطبة . أما إذا انفضوا فنقص العدد في باقي الصلاة ، ففيه خمسة أقوال منصوصة ومخرجة . أظهرها : تبطل الجمعة ويشترط العدد في جميعها . فعلى هذا ، لو أحرم الإمام ، وتبطأ المقتدون ، ثم أحرموا ، فإن تأخر تحرمهم عن ركوعه ، فلا جمعة . وإن لم يتأخروا عن ركوعه ، فقال القفال : تصح الجمعة . وقال الشيخ أبو محمد : يشترط أن لا يطول الفصل بين إحرامه وإحرامهم . وقال إمام الحرمين : الشرط أن يتمكنوا من إتمام الفاتحة ، فإذا حصل ذلك ، لم يضر الفصل ، وهذا هو الأصح عند الغزالي . والقول الثاني : إن بقي اثنان مع الإمام ، أتم الجمعة ، وإلا بطلت . والثالث : إن بقي معه واحد ، لم تبطل ، وهذه الثلاثة منصوصة . الأولان في الجديد . والثالث : القديم . ويشترط في الواحد والاثنين : كونهما بصفة الكمال . وقال صاحب " التقريب " : في اشتراط الكمال احتمال ، لأنا اكتفينا باسم الجماعة .

قلت : هذا الاحتمال حكاه صاحب " الحاوي " وجها محققا لأصحابنا ، حتى لو بقي [ ص: 10 ] صبيان ، أو صبي ، كفى . والصحيح : اشتراط الكمال . قال في " النهاية " : احتمال صاحب " التقريب " غير معتد به . - والله أعلم - والرابع : لا تبطل وإن بقي واحد . والخامس : إن كان الانفضاض في الركعة الأولى بطلت الجمعة . وإن كان بعدها ، لم تبطل ، ويتم الإمام الجمعة وحده ، وكذا من معه إن بقي معه أحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية