صفحة جزء
[ ص: 13 ] فصل

إذا خرج الإمام عن الصلاة بحدث تعمده ، أو سبقه ، أو بسبب غيره ، أو بلا سبب ، فإن كان في غير الجمعة ، ففي جواز الاستخلاف قولان . أظهرهما الجديد : يجوز . والقديم : لا يجوز . ولنا وجه : أنه يجوز بلا خلاف في غير الجمعة . وإنما القولان في الجمعة ، والمذهب : طرد القولين في جميع الصلوات . فإن لم نجوز الاستخلاف ، أتم القوم صلاتهم فرادى . وإن جوزناه ، فيشترط كون الخليفة صالحا لإمامة القوم . فلو استخلف لإمامة الرجال امرأة ، فهو لغو ، ولا تبطل صلاتهم إلا أن يقتدوا بها . قال إمام الحرمين : ويشترط حصول الاستخلاف على قرب . فلو فعلوا على الانفراد ركنا ; امتنع الاستخلاف بعده . وهل يشترط كون الخليفة ممن اقتدى بالإمام قبل حدثه ؟ قال الأكثرون من العراقيين ، وغيرهم : إن استخلف في الركعة الأولى أو الثالثة من الرباعية من لم يقتد به جاز ، لأنه لا يخالفهم في الترتيب ، وإن استخلفه في الثانية ، أو الأخيرة ، لم يجز ، لأنه يحتاج إلى القيام ، ويحتاجون إلى القعود . وأطلق جماعة اشتراط كون الخليفة ممن اقتدى به . وبه قطع إمام الحرمين ، وزاد فقال : لو أمر الإمام أجنبيا فتقدم ، لم يكن خليفة ، بل عاقد لنفسه صلاة ، جاز على ترتيب نفسه فيها . فلو اقتدى به القوم ، فهو اقتداء منفردين في أثناء الصلاة . وقد سبق الخلاف فيه في موضعه ، لأن قدوتهم انقطعت بخروج الإمام عن الصلاة . ولا يشترط كون الخليفة مقتديا في الأولى ، بل يجوز استخلاف المسبوق . ثم عليه مراعاة نظم صلاة الإمام ، فيقعد في موضع قعوده ، ويقوم في موضع قيامه ، كما كان يفعل لو لم يخرج عن الصلاة ، حتى لو لحق الإمام في ثانية الصبح ، ثم أحدث الإمام فيها ، واستخلفه ; قنت وقعد فيها للتشهد ، ثم يقنت في الثانية لنفسه . ولو سها [ ص: 14 ] قبل اقتدائه ، أو بعده ، سجد في آخر صلاة الإمام ، وأعاد في آخر صلاة نفسه على الأظهر . وإذا تمت صلاة الإمام ، قام لتدارك ما عليه . وهم بالخيار ، إن شاءوا فارقوه وسلموا ، وإن شاءوا صبروا جلوسا ليسلموا معه . هذا كله إذا عرف المسبوق نظم صلاة الإمام ، فإن لم يعرف ، فقولان . وقيل : وجهان .

قلت : أرجحهما دليلا : أنه لا يصح . وقال الشيخ أبو علي السنجي : أصحهما : جوازه . - والله أعلم -

فإن جوزنا ، راقب القوم إذا أتم الركعة ، فإن هموا بالقيام ، قام ، وإلا قعد . وسهو الخليفة قبل حدث الإمام ، يحمله الإمام . وسهوه بعده يقتضي السجود عليه وعلى القوم . وسهو القوم قبل حدث الإمام وبعد الاستخلاف ، محمول ، وبينهما غير محمول ، بل يسجد الساهي بعد سلام الخليفة . هذا كله في غير الجمعة .

أما الاستخلاف في الجمعة ، ففيه القولان . فإن لم نجوزه : فالمذهب أنه إن أحدث في الأولى ، أتم القوم صلاتهم ظهرا . وإن أحدث في الثانية ، أتمها جمعة من أدرك معه ركعة . ولنا قول : أنهم يتمونها جمعة في الحالين . ووجه : أنهم يتمونها ظهرا في الحالين . وإن جوزنا الاستخلاف ، نظر ، إن استخلف من لم يقتد به ، لم يصح ، ولم يكن لذلك الخليفة أن يصلي الجمعة ، لأنه لا يجوز ابتداء جمعة بعد جمعة . وفي صحة ظهر هذا الخليفة خلاف مبني على أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة ، أم لا ؟ فإن قلنا : لا تصح ، فهل تبقى نفلا ؟ فيه القولان . فإن قلنا : لا تبقى فاقتدى به القوم ، بطلت صلاتهم . فإن صححناها وكان ذلك في الركعة الأولى ، فلا جمعة لهم . وفي صحة الظهر خلاف مبني على صحة الظهر بنية الجمعة . وإن كان في الركعة الثانية واقتدوا به ، كان هذا اقتداء طارئا على الانفراد . وفيه الخلاف الجاري في سائر الصلوات . وفيه شيء [ ص: 15 ] آخر ، وهو الاقتداء في الجمعة بمن يصلي الظهر ، أو النافلة ، وفيه الخلاف المتقدم . أما إذا استخلف من اقتدى به قبل الحدث ، فينظر ، إن لم يحضر الخطبة ، فوجهان . أحدهما : لا يصح استخلافه ، كما لو استخلف بعد الخطبة من لم يحضرها ليصلي بهم ، فإنه لا يجوز . وأصحهما : الجواز . ونقل الصيدلاني في هذا الخلاف قولين : المنع عن البويطي ، والجواز عن أكثر الكتب . والخلاف في مجرد حضور الخطبة . ولا يشترط استماعها بلا خلاف ، وصرح به الأصحاب . وإن كان حضر الخطبة ، أو لم يحضرها ، وجوزنا استخلافه ، نظر ، إن استخلف من أدرك معه الركعة الأولى ، جاز وتمت لهم الجمعة ، سواء أحدث الإمام في الأولى أم الثانية . وفي وجه شاذ ضعيف : أن الخليفة يصلي الظهر ، والقوم يصلون الجمعة . وإن استخلف من أدركه في الثانية ، قال إمام الحرمين : إن قلنا : لا يجوز استخلاف من لم يحضر الخطبة ، لم يجز استخلاف هذا المسبوق ، وإلا فقولان . أظهرهما - وبه قطع الأكثرون - الجواز . فعلى هذا ، يصلون الجمعة . وفي الخليفة وجهان . أحدهما : يتمها جمعة . والثاني ، وهو الصحيح المنصوص : لا يتمها جمعة . فعلى هذا ، يتمها ظهرا على المذهب . وقيل : قولان . أحدهما : يتمها ظهرا . والثاني : لا . فعلى هذا ، هل تبطل ، أم تنقلب نفلا ؟ قولان . فإن أبطلناها ، امتنع استخلاف المسبوق . وإذا جوزنا الاستخلاف ، والخليفة مسبوق ، يراعي نظم صلاة الإمام ، فيجلس إذا صلى ركعة ويتشهد ، فإذا بلغ موضع السلام ، أشار إلى القوم ، وقام إلى ركعة أخرى إن قلنا : إنه مدرك للجمعة ، وإلى ثلاث إن قلنا : صلاته ظهر . والقوم بالخيار إن شاءوا فارقوه وسلموا ، وإن شاءوا ثبتوا جالسين حتى يسلم بهم . ولو دخل مسبوق واقتدى به في [ ص: 16 ] الركعة الثانية التي استخلف فيها ، صحت له الجمعة وإن لم تصح للخليفة ، نص عليه الشافعي - رحمه الله - . قال الأصحاب : هو تفريع على صحة الجمعة خلف مصلي الظهر . وتصح جمعة الذين أدركوا مع الإمام الأول ركعة بكل حال ، لأنهم لو انفردوا بالركعة الثانية ، كانوا مدركين للجمعة ، فلا يضر اقتداؤهم فيها بمصلي الظهر أو النفل .

التالي السابق


الخدمات العلمية