صفحة جزء
[ ص: 190 ] فصل

إذا وجد رجلا يزني بامرأته أو غيرها ، لزمه منعه ودفعه ، فإن هلك في الدفع ، فلا شيء عليه ، وإن اندفع بضرب غيره ثم قتله ، لزمه القصاص إن لم يكن الزاني محصنا ، فإن كان ، فلا قصاص على الصحيح ، وقد سبق في الجنايات ، وإذا قال : قتلته لذلك ، وأنكر وليه ، فعلى القاتل البينة ، وينظر إن ادعى أنه قصد امرأته ، فدفعه فأتى الدفع على نفسه ، ثبت ذلك بشاهدين ، وإن ادعى أنه زنى بها وهو محصن ، لم يثبت الزنى إلا بأربعة ، فإن لم يكن بينة ، حلف ولي القتيل على نفي العلم بما يقوله ، ومكن من القصاص ، ولو كان للقتيل وارثان ، فحلف أحدهما ، ونكل الآخر ، حلف القاتل للآخر ، وعليه نصف الدية للحالف ، وإن كان أحدهما بالغا ، والآخر صغيرا ، وحلف البائع لم يقتص حتى يبلغ الصغير ، فيحلف ، أو يموت ، فيحلف وارثه ، وإن أخذ البالغ نصف الدية حكى الروياني أنه يؤخذ للصغير أيضا ، فإذا بلغ ، حلف ، فإن نكل وحلف القاتل ، رد عليه ما أخذ ، ولو أقر الورثة أن مورثهم كان معها تحت ثوب يتحرك تحرك المجامع وأنزل ، ولم يقروا بما يوجب الحد ، لم يسقط القصاص ، وإن أقروا بما يوجبه وقالوا : كان بكرا ، فالقول قولهم ، وعلى القاتل البينة بالحصان ، ولو أخرج سارق المتاع من حرزه ، ثم ألقاه وهرب ، لم يكن له أن يتبعه فيضربه ، فإن تبعه ، فقطع يده التي وجب قطعها بالسرقة ، فلا قصاص ؛ لأنها مستحقة الإزالة ، وكذا في قطع الطريق إذا قطع ما وجب قطعه منه لا قصاص ، لكن يعزر لافتئاته ، ويجيء في وجوب القصاص الخلاف السابق في الزاني المحصن ، ولو وجب الجلد على زان ، فجلده واحد من الناس ، لم يقع حدا إلا بإذن الإمام بخلاف القطع ، وفي تعليق إبراهيم المروذي وجهان فيمن جلد رجلا ثمانين ، وقال : كان قذفني ، وأقام بينة به ، هل يحسب ذلك عن [ ص: 191 ] الحد ؟ وبني على الوجهين أنه إن عاش هل يعاد الحد ، وإن مات هل يجب القصاص على الضارب ؟

فصل

إذا نظر إلى حرمة إنسان في داره من كوة ، أو ثقب ، أو شق باب ، فنهاه صاحب الدار ، فلم ينته ، فرماه بحصاة ونحوها ، فأصاب عينه فأعماه ، أو أصاب قريبا من عينه فجرحه ، فلا ضمان ، وإن سرى إلى النفس لم يضمن ، قال الشافعي - رحمه الله - : ولو ثبت المطلع ، ولم يندفع بعد رميه بالشيء الخفيف ، استغاث عليه صاحب الدار ، فإن لم يكن في موضع غوث ، قال : أحببت أن ينشده بالله تعالى ، فإن لم يندفع ، فله ضربه بالسلاح ويناله بما يردعه ، فإن أتى على نفسه ، فلا ضمان ، ولو لم ينل منه صاحب الدار ، عاقبه السلطان ، وسواء كان وقوف الناظر في الشارع أو في سكة منسدة الأسفل ، أو في ملك نفسه ، إذ ليس للواقف في ملكه مد النظر إلى حرم الناس ، وعن القاضي حسين وجه ضعيف : أنه ليس له قصد عينه إذا وقف في الشارع ، أو ملك نفسه ، وإنما يقصده إذا وقف في ملك المنظور إليه وليس بشيء ، ثم إنما يرمي عينه إذا قصد النظر والتطلع ، أما إذا كان مخطئا ، أو وقع بصره اتفاقا ، وعلم صاحب الدار الحال ، فلا يرميه ، فلو رماه ، وقال الناظر : لم أكن قاصدا ، أو لم أطلع على شيء ، فلا شيء على الرامي ؛ لأن الاطلاع حاصل ، وقصده أمر باطن لا يطلع عليه ، وهذا ذهاب إلى جواز الرمي من غير تحقق قصده ، وفي كلام الإمام ما يدل على أنه لا يرمي حتى يتبين الحال ، وهو حسن .

فرع

هل يجوز رميه قبل إنذاره ؟ وجهان ، أحدهما يحكى عن الشيخ أبي حامد والقاضي حسين : لا ، بل ينذره ويزجره ويأمره بالانصراف ، [ ص: 192 ] فإن أصر ، رماه ، جريا على قياس الدفع بالأهون ، ولأنه قد يكون له عذر ، وأصحهما وبه قال الماسرجسي ، والقاضي أبو الطيب ، وجزم به الغزالي : يجوز رميه قبل الإنذار ، واستدل صاحب " التقريب " بجواز الرمي هنا قبل الإنذار على أنه لا يجب تقديم الكلام في دفع كل صائل ، وأنه يجوز للمصول عليه الابتداء بالفعل ، قال الإمام : مجال التردد في كلامه هو موعظة قد تفيد وقد لا تفيد ، فأما ما يوثق بكونه دافعا من تخويف وزعقة مزعجة ، فيجب قطعا ، وهذا أحسن ، وينبغي أن يقال : ما لا يوثق بكونه دافعا ، ويخاف من الابتداء به مبادرة الصائل لا يجب الابتداء به قطعا .

فرع

ليكن الرمي بشيء خفيف تقصد العين بمثله ، كبندقة وحصى خفيفة ، أما إذا رشقه بنشاب ، أو رماه بحجر ثقيل ، فيتعلق به القصاص والدية ، لكن لو لم يمكن قصد عينه ، أو لم ينزجر ، فيستغيث عليه ويدفعه بما أمكنه كما سبق ، ولا يقصد رمي غير العين إذا أمكنه إصابتها ، فإن لم يمكن ، فرمى عضوا آخر ، ففي " التهذيب " حكاية وجهين فيه ، ونقل أنه لو أصاب موضعا بعيدا عن عينه بلا قصد ، فلا يضمن على الأصح ، والأشبه ما ذكره الروياني أنه إن رماه ، فأصاب غير العين ، فإن كان بعيدا لا يخطئ من العين إليه ، ضمن ، وإن كان قريبا يخطئ إليه ، لم يضمن .

فرع

لو كان للناظر محرم في الدار ، أو زوجة ، أو متاع ، لم يجز قصد عينه ؛ لأن له في النظر شبهة ، وقيل : لا يكفي أن يكون له في الدار محرم ، بل لا يمنع قصد عينه إلا إذا لم يكن في الدار إلا محارمه .

[ ص: 193 ] والصحيح الأول ، ولو كان الناظر محرما لحرم صاحب الدار ، فلا يرمي إلا أن تكون متجردة ، إذا ليس للمحرم النظر إلى ما بين السرة والركبة .

فرع

لو لم يكن في الدار حرم ، بل كان فيها المالك وحده ، فإن كان مكشوف العورة ، فله الرمي ولا ضمان ، وإلا فوجهان ، أصحهما : لا يجوز رميه ، والثاني : يجوز ؛ لأن من الأحوال ما يكره الاطلاع عليه ، ولو كان الحرم في الدار مستترات بالثياب ، أو في بيت ، أو منعطف لا يمتد النظر إليهن ، فهل يجوز قصد عينه ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، لعموم الأحاديث ، ولأنه يريد سترهن عن الأعين وإن كن مستورات بثياب ، ولأن الحرم في الدار لا يدرى متى يسترن وينكشفن ، فيحسم باب النظر .

فرع

لو كان باب الدار مفتوحا ، فنظر منه ، أو من كوة واسعة ، أو ثلمة في الجدار ، فإن كان مجتازا ، لم يجز رميه ، وإن وقف ونظر متعمدا ، لم يجز رميه أيضا في الأصح ، لتفريط صاحب الدار ، ولو نظر من سطح نفسه ، أو نظر المؤذن من المنارة ، جاز رميه في الأصح ، إذ لا تفريط من صاحب الدار ، ولو وضع الأعمى عينه على شق الباب ، فرماه ، ضمن ، سواء علم عماه أم لا ، ولو نظرت المرأة أو المراهق ، جاز رميهما على الأصح ، ولو قعد في طريق مكشوف العورة ، فنظر إليه ناظر ، لم يجز له رميه ؛ لأنه الهاتك حرمته ، قال ابن المرزبان : لو دخل مسجدا ، وكشف عورته ، وأغلق الباب أو لم يغلقه ، فنظر إليه إنسان ، لم يكن له رميه ؛ لأن الموضع لا يختص به ، ولو كانت الدار ملكا للناظر ، قال السرخسي : [ ص: 194 ] إن كان من فيها غاصبا ، لم يكن له الرمي ، وإن كان مستأجرا ، فله ذلك ، وفي المستعير وجهان .

فرع

لو انصرف الناظر قبل الرمي إليه ، لم يجز أن يتبعه ويرميه ، كالصائل إذا أدبر .

فرع

لو دخل دار رجل بغير إذنه ، فله أمره بالخروج ودفعه ، كما يدفعه عن سائر أمواله ، والأصح أنه لا يدفعه قبل الإنذار ، كسائر أنواع الدفع ، وبه قال الماسرجسي ، ثم هل يتعين قصد رجله لكون الدخول بها كما يتعين قصد العين في النظر ، أم لا يتعين ؛ لأنه دخل بجميع البدن ؟ وجهان ، أصحهما : الثاني ، وهل يجوز قصد العين ؟ وجهان ، قال أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة والطبري : يجوز ؛ لأنه بأول الهجوم متطلع ، ومنهم من منعه ، والأصح : أن له دفعه بما يتيسر ، ولا يتعين قصد عضو بعينه ، ولا يمتنع قصد عضو . ودخول الخيمة في الصحراء ، كالدار في البنيان ، ولو أخذ المتاع وخرج ، فله أن يتبعه ويقاتله إلى أن يطرح متاعه ، ولو قتله وقال : قتلته ، لأنه كابر ولم يخرج ، وأنكر الولي فهو المصدق ، وعلى القاتل البينة ، وإن قال : قتلته ؛ لأنه قصدني ، فكذلك ، وقد ذكر أنه يحتاج إلى بينة بأنه دخل داره مقبلا شاهرا سلاحه ، ولا تكفي بينة بأنه دخل داره بسلاح من غير شهر .

فرع

لو وضع أذنه على شق الباب ، أو وقف على الباب يتسمع ، لم يجز رمي أذنه ، إذ ليس السمع كالبصر في الاطلاع على العورات ، وقال الإمام : وفي بعض التعاليق عن شيخي وجه ، ولا أثق بالمعلق .

التالي السابق


الخدمات العلمية