صفحة جزء
المسألة الثانية : إذا أسلم الأسير وهو رجل حر مكلف قبل أن يختار الإمام فيه شيئا ، عصم دمه ، وهل يصير رقيقا بنفس الإسلام ؟ فيه طريقان ، أصحهما : على قولين ، أحدهما : نعم ؛ لأنه أسير محرم القتل فأشبه الصبي ، وأظهرهما : لا يرق ، بل للإمام أن يسترقه ، أو يمن ، أو يفادي ، والطريق الثاني : القطع بالتخيير ؛ لأنه كان ثابتا ، فلا يزول ، فإن اختار الفداء ، فشرطه أن يكون له فيهم عز أو عشيرة يسلم بها ديته ونفسه ، وسواء قلنا : يرق ، أو يجوز إرقاقه ، فأرقه ، كان غنيمة ، وكذا لو فاداه بمال ، كان غنيمة ، ولو أسلم قبل أسره والظفر به ، عصم دمه وماله ، سواء أسلم وهو محصور وقد قرب الفتح ، أو أسلم في حال أمنه ، وسواء أسلم في دار الحرب ، أو الإسلام ، ويعصم أيضا أولاده الصغار عن السبي ، ويحكم بإسلامهم تبعا له ، والحمل كالمنفصل ، فلا يسترق تبعا لأمه ، وهل يعصم إسلام الجد ولد ابنه [ ص: 253 ] الصغير ؟ فيه أوجه ، أصحها : نعم ، والثاني : لا ، والثالث : إن كان الابن ميتا ، عصم ، وإلا فلا ، والمجنون من أولاده ، كالصغير ، فلو كان بلغ عاقلا ، ثم جن ، عصمه أيضا على الصحيح ، ولو أسلمت المرأة قبل الظفر بها ، عصمت نفسها ومالها وأولادها الصغار ، وحكى الفوراني في الأولاد قولا ، وهو شاذ مردود ، وأما الأولاد البالغون العقلاء ، فلا يعصمهم إسلام الأب لاستقلالهم بالإسلام ، وهل يعصم إسلامه قبل الأسر زوجته عن الاسترقاق ؟ نص أنه يجوز استرقاقها ، ونص أن المسلم لو أعتق كافرا ، فالتحق بدار الحرب ، لا يجوز استرقاقه ، فقيل : فيهما قولان ، أحدهما : لا تسترق زوجته ولا عتيقه لئلا يبطل حقه ، كما لا يغنم ماله ، والثاني : يسترقان لاستقلالهما ، والمذهب تقرير النصين ؛ لأن الولاء لا يرتفع وإن تراضيا بخلاف النكاح ، ويجري الخلاف في استرقاق حربية نكحها مسلم وهو في دار الحرب ، فإن قلنا : لا يعصمها وكانت حاملا عند إسلامه ، ففي جواز استرقاقها وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأن الحمل محكوم بإسلامه ، فلا تملك دونه كما لا تباع دونه ، وأصحهما : نعم ؛ لأنها حربية ، فأشبهت غيرها ، وإذا استرقت ، فإن كان قبل الدخول ، انقطع النكاح في الحال ؛ لأنه زال ملكها عن نفسها ، فملك الزوج أولى ، ولأنها صارت أمة كافرة ، ولا يجوز إمساك أمة كافرة للنكاح ، وقيل : يستمر النكاح وإن استرقت ، حكاه صاحب " التقريب " والصحيح الأول ، وإن كان بعد الدخول فوجهان ، أصحهما : انقطاع النكاح ، والثاني : يتوقف مدة العدة ، فإن أعتقت ، وأسلمت قبل انقضاء العدة ، استمر النكاح ، وكذا لو أعتقت ولم تسلم ؛ لأن إمساك الحرة الكتابية للنكاح جائز ، فلو أسلمت ولم تعتق ، فإن كان الزوج ممن يجوز له نكاح الأمة ، فله إمساكها ، وإلا ففي جواز إمساكها وجهان ، ولو أسلم بعدما استرقت زوجته الحامل ، حكم بإسلام الحمل ، ولم [ ص: 254 ] يبطل رقه ، ولو أسلمت حامل تحت حربي ، لم تسترق هي ولا ولدها ؛ لأنهما مسلمان .

فرع

لو استأجر مسلم دار حربي في دار الحرب ، ثم غنمها المسلمون ، أو استأجر حربيا رقيقا ، أو حرا ، فاسترق ، لم تنقطع الإجارة ، بل يبقى للمستأجر استحقاق المنفعة ؛ لأن منافع الأموال مملوكة ملكا تاما مضمونة ، كأعيان الأموال بخلاف منفعة البضع ، فإنها تستباح ، ولا تملك ملكا تاما ، ولهذا لا تضمن باليد ، وقيل : في انقطاع الإجارة خلاف كانقطاع النكاح .

فرع

يجوز سبي منكوحة الذمي إذا كانت حربية ، وينقطع به نكاحه ، وأما سبي عتيقه واسترقاقه فيبنى على استرقاق عتيق المسلم ، إن جوزناه ، فهنا أولى ، وإلا فوجهان ، أصحهما : يجوز ؛ لأن الذمي لو التحق بدار الحرب ، استرق ، فعتيقه أولى ، ولو أعتق ذمي عبدا ، ثم نقض السيد العهد وصار حربيا ، فالصحيح أن ولاءه على عتيقه لا يبطل ، حتى لو عتق كان ولاؤه باقيا عليه ، ولمعتقه أيضا الولاء على عتيقه ، ولو ملك عتيقه ، كان لكل واحد منهما الولاء على الآخر ، وفي وجه يبطل باسترقاقه ولاؤه على عتيقه ، كما يبطل ملكه على عبده .

فرع

إذا سبي الزوجان معا ، أو سبي أحدهما ، انفسخ النكاح ، صغيرين كانا أو كبيرين ، واسترق الزوج ، وسواء كان قبل الدخول أو بعده ، لقول الله تعالى : ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) [ ص: 255 ] ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا توطأ حامل حتى تضع " ولم يفرق ، ولأن الرق يزيل ملكها عن نفسها ، فعصمة النكاح أولى بالزوال ، وإن كان الزوجان رقيقين ، فغنما ، أو أحدهما ، ففي انقطاع النكاح وجهان ، سواء أسلما أم لا ، أصحهما : لا ينقطع إذا لم يحدث رق ، وإنما انتقل من شخص إلى شخص ، فأشبه البيع وغيره ، والثاني : ينقطع ، لحدوث السبي ، ولهذا لو سبيت مستولدة ، صارت قنة ، ومنهم من قطع بالأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية