صفحة جزء
المسألة التاسعة : إذا دخل كافر دار الإسلام بأمان أو ذمة ، كان ما معه من المال والأولاد في أمان ، فإن شرط الأمان في المال والأهل ، فهو تأكيد ولا أمان لما خلفه بدار الحرب ، فيجوز اغتنام ماله وسبي أولاده هناك ، وعن صاحب " الحاوي " أنه إن قال : لك الأمان ، ثبت الأمان في ذريته وماله ، وإن قال : لك الأمان في نفسك ، لم يثبت في الذرية والمال ، وأطلق الجمهور قالوا : وقد يفترق المالك والمملوك في الأمان ، ولهذا لو دخل مسلم دار الحرب بأمان ، فبعث معه حربي مالا لشراء متاع ، كان ماله في أمان حتى يرده ، وإن لم يكن المالك في أمان ، وكذا لو بعثه مع ذمي دخل دار الحرب بأمان ، وفي قول : لا يكون مع الذمي في أمان ، لأن أمان الذمي باطل ، والمشهور الأول ، لأن الحربي اعتقد صحته ، فوجب رده إليه ، ولو دخل حربي دارنا بأمان أو ذمة أو لرسالة فنقض العهد ولحق بدار الحرب ، ومن أسباب النقض أن يعود ليتوطن هناك ، فلا يسبى أولاده عندنا ، وإن مات فأبلغوا ، فإذا بلغوا وقبلوا الجزية ، تركوا ، وإلا بلغوا المأمن ، وما خلفه عندنا من وديعة ودين من قرض أو غيره ، فهو في أمان لا يتعرض له ما دام حيا ، هذا هو [ ص: 290 ] الصحيح ، وفيه وجه أنه ينتقض الأمان في ماله لانتقاضه في نفسه ، لأنه يثبت في المال تبعا ، ووجه ثالث : أنه إذا لم يتعرض للأمان في ماله ، حصل الأمان فيه تبعا ، فينتقض فيه تبعا ، وإن ذكره في الأمان لم ينتقض ، قال الإمام : فإذا قلنا بالصحيح ، فللكافر أن يدخل دار الإسلام من غير تجديد أمان لتحصيل ذلك المال ، والدخول له يؤمنه ، كالدخول لرسالة وسماع كلام الله تعالى ، ولكن ينبغي أن يعجل في تحصيل غرضه ، ولا يعرج على غيره ، وكذا لا يكرر العود لأخذ قطعة من المال في كل مرة ، فإن خالف ، تعرض للقتل والأسر ، وهذا الذي ذكره الإمام محكي عن ابن الحداد ، وقال غيره : ليس له الدخول ، وثبوت الأمان في المال لا يوجب ثبوته في النفس ، وإن قلنا : لا يبقى الأمان في ماله كان فيئا ، قال الإمام : والخلاف في ماله المخلف بعد التحاقه بدار الحرب فأما إذا فارق المال ولم يلتحق بعد بدار الحرب ، فالوجه الجزم ببقاء الأمان ، ويحتمل طرد الخلاف ، وإذا نبذ المستأمن العهد ، وجب تبليغه المأمن ، ولا يتعرض لما معه بلا خلاف ، هذا حكم ما تركه في حياته ، فلو مات هناك أو قتل وقلنا بالصحيح ، وهو بقاء الأمان فيه في حياته ، فقولان ، أحدهما : يكون فيئا ، وأظهرهما : أنه لوارثه ، فإن لم يكن وارث ، فهو فيء قطعا ، ولو مات عندنا ، فقيل بطرد القولين ، والمذهب : القطع برده إلى وارثه ، لأنه مات والأمان باق في نفسه ، فكذا في ماله ، وهناك انتقض في نفسه ، فكذا في ماله ، فإن كان وارثه حربيا ، فعلى الخلاف في أن الذمي والحربي هل يتوارثان ؟ ولو خرج المستأمن إلى دار الحرب غير ناقض للعهد بل لرسالة أو تجارة ومات هناك ، فهو كموته في دار الإسلام ، ولو التحق بدار الحرب ناقضا للعهد ، فسبي واسترق ، بني على ما إذا مات ، فإن قلنا : إذا مات يكون لوارثه ، وقف ، فإن عتق ، فهو له ، وإن مات رقيقا فقولان ، أحدهما : يصرف إلى وارثه كما لو [ ص: 291 ] مات حرا ، وأظهرهما : يكون فيئا ، لأن الرقيق لا يورث ، وإن قلنا : إذا مات يكون فيئا ، فهنا قولان ، أحدهما : هذا ، والثاني وبه قطع ابن الصباغ : يوقف لاحتمال أن يعتق ويعود بخلاف الموت ، فإن عتق ، سلم إليه ، وإلا فهو فيء على الأصح ، وقيل : للسيد ، قال الإمام : وإذا صرفناه إلى الورثة ، احتمل أن يصرف إليهم إرثا ، ولا يلزم الكفار تفضيل شرعنا في منع التوريث من رقيق ، ويحتمل أن لا يصرف إليهم إرثا ، بل لأنهم أخص به ، وإذا قلنا بالتوريث ، فهل يرثون إذا مات أم يستند استحقاق الورثة إلى ما قبل جريان الرق ؟ فيه احتمالان للإمام ، وإذا قلنا : الصرف إلى الورثة ، فلهم دخول الإسلام لطلب ذلك المال بغير أمان ، ويجيء فيه الوجه السابق في صاحب المال .

فرع

دخل مسلم دار الحرب بأمان ، فاقترض منهم شيئا ، أو سرق وعاد إلى دار الإسلام ، لزمه رده ، لأنه ليس له التعرض لهم إذا دخل بأمان .

العاشرة : إذا حاصرنا قلعة أو بلدة ، فنزلوا على حكم الإمام ، جاز ، وكذا لو نزلوا على حكم غيره ، وشرطه كونه مسلما ذكرا حرا مكلفا عدلا ، لأنه ولاية حكم ، كالقضاء ، لكن يجوز أن يكون أعمى ، لأن المقصود هنا الرأي ، فهو كالشهادة بالاستفاضة تصح من الأعمى ، وأطلقوا أنه يشترط كونه عالما ، وربما قالوا : فقيها ، وربما قالوا : مجتهدا ، قال الإمام : ولا أظنهم شرطوا أوصاف الاجتهاد المعتبرة في المفتي ، ولعلهم أرادوا التهدي إلى طلب الصلاح وما فيه النظر للمسلمين ، ويكره أن يكون الحكم حسن الرأي في الكفار ، ويجوز أن ينزلوا على حكم اثنين ، أو على حكم من يختاره الإمام ، أو من يتفقون عليه مع الإمام ، ولا يجوز على حكم من يختارونه إلا إذا شرطوا الأوصاف [ ص: 292 ] المشروطة ، ولو استنزلهم على أن يحكم فيهم بكتاب الله تعالى ، كره ذلك ، لأن هذا الحكم ليس منصوصا في كتاب الله تعالى فيحصل منه اختلاف ، هكذا ذكره الروياني ، قال البغوي : ولو استنزلهم على أن ما يقضي الله تعالى فيهم ينفذه ، لم يجز ، لأنهم لا يعرفون الحكم فيهم وإذا نزلوا على حكم اثنين ، فليتفقا على الحكم ، فإن اختلفا ، لم ينفذ إلا أن تتفق الطائفتان على حكم ، ولو مات أحد الحكمين ، أو نزلوا على حكم واحد ، فمات قبل الحكم ، أو نزلوا على حكم من لا يجوز حكمه ، ردوا إلى القلعة إلى أن يرضوا بحكم حاكم في الحال ، ولا يجوز للحاكم أن يحكم إلا بما فيه الحظ للمسلمين من القتل والاسترقاق والمن والفداء ، وحكى الروياني وجها ، أنه لا يجوز الحكم بالمن على جميعهم ، واستغربه ، ولو حكم بما يخالف الشرع ، كقتل النساء والصبيان ، لم ينفذ ، ولو حكم بقتل المقاتلة وسبي الذرية وأخذ الأموال ، جاز . وتكون الأموال غنيمة ، لأنها مأخوذة بالقهر ، وإن حكم باسترقاق من أسلم منهم ، وقتل من أقام منهم على الكفر ، أو باسترقاق من أسلم ، ومن أقام على الكفر ، جاز ، وينفذ حكم الحاكم على الإمام ، فلا يجوز أن يزيد على حكمه في التشديد ، ويجوز أن ينقص منه ويسامح ، فإذا حكم بغير القتل ، فليس له القتل ، وإن حكم بالقتل ، فله المن ، وليس له الاسترقاق على الأصح ، لأنه ذل مؤبد ، وإن حكم بالاسترقاق ، فليس له المن إلا برضى الغانمين ، لأنه صار مالا لهم ، وإن حكم بقبول الجزية ، فهل يجبرون عليه ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، لأنه حكمه وقد التزموه ، فإن قلنا : لا يجبرون ، بلغوا المأمن ، وإن قلنا : يجبرون ، فامتنعوا ، فهم كأهل الذمة إذا امتنعوا من بذل الجزية بعد قبولها ، وسيأتي الخلاف فيه إن شاء الله تعالى ، وطرد الوجهان فيما لو حكم [ ص: 293 ] بالمفاداة ، ومن أسلم منهم قبل الحكم ، حقن دمه وماله ، ولم يجز استرقاقه بخلاف الأسير فإنه في قبضة الإمام ، ومن أسلم بعد الحكم بالقتل ، امتنع قتله ، فإن كان قد حكم بقتل الرجال وسبي النساء والذرية ، لم يندفع بإسلام الرجال إلا قتلهم ، وهل يجوز استرقاق المحكوم بقتله إذا أسلم ؟ نقل الروياني وغيره أنه لا يجوز ، لأنهم لم ينزلوا على هذا الشرط فيطلقهم ، ولا يفاديهم بمال ، ويجيء على تجويز استرقاقه لو لم يسلم أنه يجوز استرقاقه بعد الإسلام أيضا ، ولو حكم بالإرقاق ، فأسلم المحكوم عليه قبل الإرقاق جاز إرقاقه ، على الأصح .

فرع

حاصرنا قلعة ، فصالح زعيمها على أمان مائة شخص منهم ، صح للحاجة ، ويعين الزعيم مائة ، فإن عد مائة وأغفل نفسه ، جاز قتله .

التالي السابق


الخدمات العلمية