صفحة جزء
الثالثة : يستحب للإمام إذا أمكنه أن يشرط على أهل الذمة إذا صولحوا في بلدانهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين ، وشرط الضيافة يكون لجميع الطارقين ، ولا يختص بأهل الفيء ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وقيل : في اختصاصهم وجهان ، وهل الضيافة زيادة مقصودة في نفسها أم محسوبة من الجزية ؟ وجهان أصحهما وأشهرهما : أنها زيادة وراء أقل الجزية ، فعلى هذا إن قبلوها ، لزم الوفاء ، وجرت مجرى الزيادة على دينار ، وإن قلنا : إنها من الجزية فعلمنا في آخر السنة أن ما ضيفوا به لا ينقص عن دينار فذاك ، وإن نقص ، لزمهم تتميمه ، وإذا شرطنا الضيافة ، ثم رأى الإمام نقلها إلى الدنانير ، فليس له ذلك على الأصح إلا برضاهم ، فإن ردت إلى الدنانير ، فهل يبقى للمصالح العامة ، أم يختص بأهل الفيء ؟ وجهان ، أصحهما : الاختصاص ، كالدنانير المضروبة ، وتشترط الضيافة على الغني والمتوسط ، وفي الفقير أوجه ، أصحها : لا تشترط عليه ، والثاني : بلى ، والثالث : تشترط على المعتمل دون غيره ويتعرض الإمام عند اشتراط الضيافة لأمور منها : أن يبين عدد أيام الضيافة في الحول ، كمائة يوم أو أقل أو أكثر ، وفي " البحر " أنه لو لم يذكر عدد الأيام في الحول وشرط ثلاثة أيام مثلا عند قدوم كل قوم ، فوجهان ، إن جعلناها جزية ، لم يجز ، وإلا فيجوز .

[ ص: 314 ] ومنها : بيان عدد الضيفان من الفرسان والرجالة ، وعن " الحاوي " أن التعرض لعدد الضيفان إنما يشترط إذا جعلنا الضيافة من الجزية ، فإن جعلناها وراءها ، جاز أن لا يبين العدد ، ثم إن تساووا في الجزية ، تساووا في الضيافة ، وإن تفاوتوا ، فاوت بينهم ، فيجعل على الغني ضيافة عشرين مثلا ، وعلى المتوسط عشرة ، والفقير إن قلنا باشتراطها عليه خمسة ، وفي وجه يسوي بينهم في الضيافة ، وإن تفاوتوا في الجزية ، ولو شرط عدد الضيفان على جميعهم ، وقال : تضيفون في كل سنة ألف مسلم ، قال الروياني : يكفي ذلك ، ثم هم يوزعونها أو يتحمل بعضهم عن بعض .

ومنها : بيان ذلك الطعام والإدام وجنسهما ، فيقول : لكل واحد كذا من الخبز ، وكذا من السمن أو الزيت ، ويتعرض لعلف الدواب من التبن أو الحشيش أو القت ، ولا يحتاج إلى ذكر قدر العلف ، وإن ذكر الشعير ، بين قدره ، وإطلاق العلف لا يقتضي الشعير ، نص عليه .

ومنها : منزل الضيفان من فضول منازلهم أو كنائسهم ، أو بيوت الفقراء الذين لا يضيفون ، وليكن الموضع بحيث يدفع الحر والبرد ، ولا يخرجون أهل المنازل منها .

ومنها : أن يبين مدة مقام الضيف ، ولا يزيد على ثلاثة أيام ، وقال ابن كج : يشترط على المتوسط ثلاثة أيام ، والغني ستة . قال الإمام : وإذا حصل التوافق على الزيادة ، فلا منع ، ولا يفرق بين الطبقات في جنس الطعام .

فرع

لو أراد الضيف أن يأخذ منهم ثمن الطعام ، لم يلزمهم ، ولو أراد أن يأخذ الطعام ويذهب به ولا يأكله ، فله ذلك بخلاف طعام الوليمة ، [ ص: 315 ] لأن هذه معاوضة ، وتلك مكرمة ، ولا يطالبهم بطعام الأيام الثلاثة في اليوم الأول ولو لم يأتوا بطعام اليوم ، فهل للضيف المطالبة من الغد ، إن جعلنا الضيافة محسوبة من الدينار ، فله ذلك ، وإلا فلا . ولا تلزمهم أجرة الطبيب والحمام وثمن الدواء ، ولو تنازعوا في إنزال الضيف ، فالخيار له ، ولو تزاحم الضيفان على ذمي ، فالخيار له ، ولو قل عددهم ، وكثر الضيفان ، فالسابق أحق ، فإن تساووا ، أقرع ، وليكن للضيفان عريف يرتب أمرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية