صفحة جزء
الطرف الثاني في أحكامها

فمتى فسد العقد لزيادة المدة ، أو لالتزام مال أو غيرهما ، لا يمضى بل يجب نقضه ، لكن لا يجوز اغتيالهم ، بل يجب إنذارهم وإعلامهم ، [ ص: 337 ] وإذا وقع صحيحا ، وجب الوفاء بالكف عنهم إلى انقضاء المدة ، أو صدور خيانة منهم تقتضي الانتقاض ، وإذا مات الإمام الذي عقدها ، أو عزل ، وجب على الإمام الذي بعده إمضاؤه ، فإن رآه فاسدا ، قال الروياني : إن كان فساده من طريق الاجتهاد ، لم يفسخه ، وإن كان بنص أو إجماع ، فسخه ، وينبغي للإمام إذ هادن أن يكتب عقد الهدنة ويشهد عليه ليعمل به من بعده ، ولا بأس أن يقول فيه : لكم ذمة الله تعالى وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وذمتي ، ومتى صرحوا بنقض العقد ، أو قاتلوا المسلمين ، أو آووا عينا عليهم ، أو كاتبوا أهل الحرب ، أو قتلوا مسلما ، أو أخذوا مالا ، أو سبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، انتقض عهدهم ، ولا يفتقر إلى أن يحكم الحاكم بنقضه ، قال الإمام : والمضرات التي اختلف في انتقاض عقد الذمة بها تنقض الهدنة بلا خلاف ، لأن الهدنة ضعيفة غير متأكدة ببذل الجزية ، وإذا انتقض عهدهم ، جاز قصد بلدهم وتبييتهم والإغارة عليهم إن علموا أن ما فعلوه ناقض ، وكذا إن لم يعلموا على الأصح ، وقيل : لا يقاتلون إلا بعد إنذارهم ، وينبغي أن يقال : إذا لم يعلموا أنه خيانة لا ينتقض العهد إلا إذا كان المفعول مما لا يشك في مضادته للهدنة ، كالقتال ، ثم ما ذكرنا من قصدهم والإغارة عليهم هو إذا كانوا في بلادهم ، فأما من دخل دارنا بأمان أو مهادنة ، فلا يغتال وإن انتقض عهده ، بل يبلغ المأمن ، هذا إذا نقض جميعهم العهد ، فإن نقضه بعضهم ، نظر إن لم ينكر الآخرون على الناقضين بقول ولا فعل ، بل ساكنوهم وسكتوا ، انتقض عهدهم أيضا ، وإن أنكروا بقول أو فعل ، بأن اعتزلوهم أو بعثوا إلى الإمام بأنا مقيمون على العهد ، لم ينتقض ، هكذا أطلقه جماهير الأصحاب ، ووراءه شيئان غريبان ، أحدهما : قال الإمام : لو بدت خيانة بعضهم وسكت الآخرون ، كان للإمام أن ينبذ إليهم ، والثاني في كتاب ابن كج : أنه لو [ ص: 338 ] نقض السوقة العهد ولم يعلم الرئيس والأشراف بذلك ففي انتفاض العهد في حق السوقة وجهان ، وجه المنع : أنه لا اعتبار بعقدهم فكذا بنقضهم ، وأنه لو نقض الرئيس وامتنع الأتباع وأنكروا ، ففي الانتقاض في حقهم قولان ، وجه النقض : أنه لم يبق العقد في حق المتبوع ، فكذا التابع ، والصحيح ما سبق ، وإذا انتقض في حق بعضهم ، فإن تميزوا ، فذاك ، وإلا فلا يبيتهم الإمام ، ولا يغار عليهم إلا بعد الإنذار ، ويبعث إلى الذين لم ينقضوا ليتميزوا أو يسلموهم ، فإن لم يفعلوا مع القدرة صاروا ناقضين أيضا ، ومن أخذ منهم واعترف بأنه من الناقضين ، أو قامت عليه بينة ، لم يخف حكمه ، وإلا فيصدق بيمينه أنه لم ينقض ، وأما عقد الذمة فنقضه من البعض ليس نقضا من الباقين بحال .

التالي السابق


الخدمات العلمية