صفحة جزء
الشرط الخامس : تعيين الرماة فلا يصح العقد إلا على راميين معينين ، أو رماة معينين ، وتجوز المناضلة بين حزبين فصاعدا ، ويكون كل حزب في الخطأ والإصابة كالشخص الواحد ، ومنع ابن أبي هريرة جواز الحزبين لئلا يأخذ بعضهم برمي بعض ، والصحيح الجواز ، وليكن لكل حزب زعيم يعين أصحابه ، فإذا تراضيا ، توكل عنهم في العقد ، ولا يجوز أن يكون زعيم الحزبين واحدا ، كما لا يجوز أن يتوكل واحد في طرفي البيع ، ولا يجوز أن يعقدا قبل تعيين الأعوان ، وطريق التعيين الاختيار بالتراضي ، فيختار زعيم واحدا ثم الزعيم الآخر في مقابلته واحدا ، ثم الأول واحدا ، ثم الثاني واحدا وهكذا حتى يستوعبوا ، ولا يجوز أن يختار واحد جميع الحزب أولا لأنه لا يؤمن أن يستوعب الحذاق ، ولا يجوز أن يعينا الأعوان بالقرعة لأنها قد تجمع الحذاق في جانب ، فيفوق مقصود المناضلة ، ولهذا لو قال أحد الزعيمين : أنا أختار الحذاق ، وأعطي السبق أو الخرق ، وآخذ [ ص: 372 ] السبق ، لا يجوز ، ولأن القرعة لا مدخل لها في العقود ، ولهذا لا تجوز المناضلة على تعين من خرجت القرعة عليهم ، وقال الإمام : لا بأس به ، لأن القرعة بعد تعديل الحصص والأقساط معهودة ، والذي قطع به صاحبا " المهذب " " والتهذيب " وغيرهما : المنع ، ونص في " الأم " أنهما لو تناضلا على أن يختار كل واحد ثلاثة ولم يسمهم ، لم يجز ، وأنه يشترط كل واحد من يرمي معه بأن يكون حاضرا أو غائبا يعرفه ، واحتج القاضي أبو الطيب بظاهره أنه تكفي معرفة الزعيمين ، ولا يعتبر أن يعرف الأصحاب بعضهم بعضا ، وابتداء أحد الحزبين بالرمي كابتداء أحد الشخصين ولا يجوز أن يشرطا أنه يتقدم من هذا الحزب فلان ويقابله من الحزب الآخر فلان ثم فلان ، لأن تدبير كل حزب إلى زعيمهم ، وليس للآخر مشاركته فيه .

فروع ثلاثة

أحدها : حضرهم غريب ، فاختاره أحد الزعيمين ، وظنه يجيد الرمي ، فبان خلافه ، نظر إن لم يحسن الرمي أصلا ، بطل العقد فيه ، وسقط من الحزب الآخر واحد بإزائه ، وهل يبطل العقد في الباقي ؟ فيه قولا تفريق الصفقة ، وقيل : يبطل قطعا ، فإن قلنا : لا يبطل ، فللحزبين خيار الفسخ للتبعيض ، فإن أجازوا ، وتنازعوا في تعيين من يجعل في مقابلته ، فسخ العقد لتعذر إمضائه ، وإن بان أنه ضعيف الرمي أو قليل الإصابة ، فلا فسخ لأصحابه ، ولو بان فوق ما ظنوه ، فلا فسخ للحزب الآخر هكذا أطلقوه ، وينبغي أن يكون فيه الخلاف السابق في أنه هل يشترط كون المتناضلين متدانيين وقد يستدل بإطلاقهم على أن الأصح : أنه لا بأس بهذا التفاوت ، وذكر الشيخ أبو محمد أن من فوائد المسألة أن المجهول الذي لم يختبر يجوز إدخاله في رجال المناضلة ، قال : وكان لا يبعد منعه للجهالة العظيمة ، لكن نص [ ص: 373 ] الشافعي - رحمه الله - على جوازه ، فلو تناضل غريبان لا يعرف واحد منهما صاحبه ، حكم بصحة العقد ، فإن بان أنهما أو أحدهما لا يحسن الرمي ، بطل العقد ، وإن بان أن أحدهما أخرق لا يقاوم الآخر ، ففي تبين بطلان العقد الوجهان السابقان فيما لو عاقد فاضل أخرق .

الفرع الثاني : يشترط استواء الحزبين في عدد الأرشاق والإصابات ، وأما عدد الحزبين والأحزاب فوجهان ، أحدهما وبه قطع الإمام والغزالي : لا يشترط بل يجوز أن يكون أحد الحزبين ثلاثة والثاني أربعة ، والأرشاق مائة على كل حزب ، وأن يرامي رجل رجلين أو ثلاثة ، فيرمي هو ثلاثة وكل واحد منهم واحدا ، والثاني وبه قطع صاحبا " المهذب " " والتهذيب " وغيرهما : يشترط ، لأن به يحصل الحذق ، فعلى هذا يشترط كون عدد الأرشاق تنقسم صحيحا على الأحزاب ، فإن كانوا ثلاثة أحزاب ، فليكن للأرشاق ثلث صحيح ، وإن كانوا أربعة ، فربع صحيح .

الثالث : من التزم السبق من الزعيمين ، لزمه ، ولا يلزم أصحابه إلا أن يلتزموا معه ، أو يأذنوا له أن يلتزم عنهم ، وحينئذ يوزع على عدد الرءوس ، وإذا فضل أحد الحزبين فهل يوزع المال على عدد رءوسهم أم على عدد الإصابات ؟ وجهان ، الصحيح : الأول ، ومنهم من قطع به ، فإن قلنا بالإصابات ، فمن لم يصب ، لا شيء له ، هذا إذا أطلقوا العقد ، فإن شرطوا أن يقتسموا على الإصابة ، فالشرط متبع وفيه احتمال للإمام .

التالي السابق


الخدمات العلمية