صفحة جزء
المسألة الثانية : حلف لا يشتري أو لا يبيع ، فوكل من باع واشترى له ، أو لا يضرب عبده ، فأمر من ضربه ، أو حلف الأمير أو القاضي : لا يضرب ، فأمر الجلاد فضرب ، لم يحنث ، وذكر الربيع أن الحالف إن كان ممن لا يتولى البيع والشراء ، أو الضرب بنفسه كالسلطان ، أو كان الفعل المحلوف عليه لا يعتاد الحالف فعله ، أو لا يجيء منه ، كالبناء والتطيين ، حنث إذا أمر به . فمنهم من جعل هذا قولا آخر ، وأثبت قولين ، والمذهب القطع بأنه لا يحنث ، والامتناع من جعله قولا ، ولو حلف : لا يزوج ، أو لا يطلق ، أو لا يعتق ، فوكل وعقد الوكيل ، فكالتوكيل في البيع . ولو فوض الطلاق إلى زوجته ، فطلقت نفسها ، لم يحنث على المذهب . وحكي قول أنه يحنث هنا وإن لم يحنث في التوكيل ، لأنه فوضه إلى من لا يملكه ، وكأنه هو المطلق . فلو قال : إن فعلت كذا ، أو إن شئت ، فأنت طالق ، ففعلت ، أو شاءت ، حنث ، لأن الموجود منها مجرد صفة ، وهو المطلق . ولو حلف : لا يتزوج ، أو لا ينكح ، فوكل من قبل له نكاح امرأة ، فهل يحنث ؟ وجهان حكاهما [ ص: 48 ] المتولي . أحدهما : لا ، كالبيع ، وبه قطع الصيدلاني ، والغزالي . والثاني : نعم ، لأن الوكيل هنا سفير محض ، ولهذا يجب تسمية الموكل ، وبه قطع البغوي . ولو قبل لغيره نكاحا ، فمقتضى الوجه الأول الحنث ، ومقتضى الثاني المنع . ولو حلف : لا يبيع ولا يشتري ، فوكل لغيره فيهما ، حنث على الأصح ، وهو الذي أطلقه جماعة ، وقيل : لا يحنث ، وقيل : إن صرح بالإضافة إلى الموكل ، لم يحنث ، وإن نواه ولم يصرح ، حنث . ولو قال : لا أكلم عبدا اشتراه زيد ، لم يحنث بتكليم عبد اشتراه وكيله . ولو قال : لا أكلم امرأة تزوجها زيد ، فكلم من تزوجها لزيد وكيله ، ففيه الوجهان ، فيما لو حلف : لا يتزوج ، فتزوج وكيله له . ولو حلف : لا يكلم زوجة زيد ، حنث بتكليم من تزوجها بنفسه أو بوكيله بلا خلاف .

واعلم أن كل هذه الصور فيمن أطلق ولم ينو ، فأما إن نوى أن لا يفعل ولا يفعل بإذنه ، أو لا يفعل ولا يأمر به ، فيحنث إذا أمر به ففعل ، هكذا أطلقوه مع قولهم : إن اللفظ حقيقة لفعل نفسه ، واستعماله في المعنى الآخر مجاز . وفي هذا استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز جميعا ، وهو بعيد عند أهل الأصول ، والأولى أن يؤخذ معنى مشترك بين الحقيقة والمجاز جميعا ، فيقال : إذا نوى أن لا يسعى في تحقيق ذلك الفعل ، حنث بمباشرته ، وبالأمر به ، لشمول المعنى وإرادة هذا المعنى إرادة المجاز فقط .

قلت : هذا الذي ذكره الرافعي حسن ، والأول صحيح على مذهب الشافعي ، وجمهور أصحابنا المتقدمين في جواز إرادة الحقيقة والمجاز بلفظ واحد . - والله أعلم - .

[ ص: 49 ] فرع

حلف : لا يحلق رأسه ، فأمر غيره ، فحلقه ، فقيل : يحنث للعرف . وقيل : فيه الخلاف ، كالبيع . ولو حلف : لا يبيع من زيد ، فباع من وكيله ، أو وكل من باع من زيد ، لم يحنث . ولو حلف : لا يبيع لزيد مالا ، فباع ماله بإذنه أو بإذن الحاكم بحجر ، أو امتناع الحاكم ، حنث . وإن باع بغير إذن ، لم يحنث ، لفساد البيع . فلو وكل زيد وكيلا في بيع ماله ، وأذن له في التوكيل ، فوكل الوكيل الحالف وهو لا يعلم ، نص في الأم أنه لا يحنث ، وهو تفريع على أحد القولين في حنث الناسي . وقال المتولي : إن كان أذن لوكيله أن يوكل عنه ، حنث ، لأنه باع لزيد يعني إذا علم ، أو قلنا : يحنث الناسي ، وإن كان أذن له في التوكيل عن نفسه ، فباع ، لم يحنث ، لأنه لم يبع لزيد ، بل لوكيله وإن أطلق الإذن في التوكيل ، فعلى الخلاف في أن من يوكله وكيل الموكل ، أم وكيل الوكيل ؟ ولو قال : لا يبيع لي زيد مالا ، فوكل الحالف رجلا في البيع ، وأذن له في التوكيل ، فوكل الوكيل زيدا ، فباع ، حنث الحالف ، سواء علم زيد أم لم يعلم ، لأن اليمين منعقدة على نفي فعل زيد ، وقد فعله زيد باختياره .

التالي السابق


الخدمات العلمية