صفحة جزء
الثامنة : حلف : لا يخرج فلان إلا بإذنه ، فأذن بحيث لم [ ص: 61 ] يسمح المأذون له ، ولم يعلم وخرج ، فطريقان : المذهب المنصوص والذي قطع به الجمهور : لا يحنث ، لأن الإذن والرضى قد حصل . وقيل وجهان ، وقيل : قولان منصوص ومخرج : أنه يحنث ، وهو مخرج من مسألة عزل الوكيل . وعلى هذا الخلاف ما لو قال لزوجته : إن خرجت بغير إذني ، فأنت طالق ، فأذن وخرجت وهي جاهلة بالإذن ، فينبغي أن يشهد على الإذن ليثبته عند التنازع . فإن لم تكن بينة ، فهي المصدقة بيمينها في إنكار الإذن . وفي كتاب ابن كج أن الزوج هو المصدق ، كما لو أنكر أصل التعليق . ثم قال الشافعي - رحمه الله - : الورع أن يحنث نفسه ، وليس معناه أن يعدها مطلقة من غير أن يطلقها ، لأنا حكمنا بأنها زوجته ، فكيف تنكح غيره ؟ بل إن كان علق الطلاق الثلاث ، فالورع أن يطلقها ثلاثا ، وإن كان المعلق طلقة رجعية ، وأراد إمساكها ، راجعها ، وإلا ، طلقها لتحل للأزواج ، فإن راجعها ، ثم طلقها طلقتين ، فالورع أن لا ينكحها إلا بعد زوج ، وإذا نكحها بعد زوج ، كانت عنده بطلقة ، فإن طلقها ، لم تحل إلا بزوج ، لأنه لم يقع عليها بالخروج شيء ، وقد طلقها بعده ثلاثا ، والزوج الثاني قبل استيفاء الثلاث لا أثر له .

فرع

حلف : لا يخرج فلان بغير إذنه ، أو إلا بإذنه ، فخرج بغير إذنه ، حنث ، وإن خرج بإذنه ، لم يحنث . وعلى التقديرين تنحل اليمين حتى لو خرج بعد ذلك بإذن أو بغير إذن ، لم يحنث . وكذا لو قال لزوجته : إن خرجت بغير إذني أو إلا بإذني فأنت طالق ، إن خرجت بغير إذنه ، طلقت ، وإن خرجت بالإذن ، لم تطلق ، وتنحل اليمين [ ص: 62 ] على التقديرين . وكذا الحكم لو قال : إن خرجت حتى آذن لك ، أو إلى أن آذن لك أو إلا أن آذن لك ، فأنت طالق . وحكي قول أو وجه وهو اختيار المزني والقفال ، أنه لا تنحل اليمين بخروجها بالإذن ، كما لو قال : إن خرجت لابسة للحرير ، فأنت طالق ، فخرجت غير لابسة ، لا تنحل اليمين ، حتى لو خرجت بعده لابسة طلقت ، والمذهب الأول ، وهو المنصوص ، لأن اليمين تعلقت بخرجة واحدة ، وهي الأولى . قال البغوي : ومقتضى هذا أنه لو قال : إن خرجت غير لابسة للحرير أو لابسة ، فأنت طالق ، فخرجت لابسة تنحل اليمين ، وهذا يخالف قول الغزالي : لو قال إن خرجت بلا خف ، فأنت طالق ، فخرجت بخف ، لا تنحل اليمين ، وفرق بينه وبين مسألة الإذن بفرق ضعيف ، فالوجه التسوية بين الصورتين ، كما ذكره البغوي . ولو قال : كلما خرجت ، أو كل وقت خرجت بغير إذني ، فأنت طالق ، فخرجت مرة بالإذن ، لم تنحل اليمين ، لأنها صيغة تكرار . فلو قال : أذنت لك في الخروج كلما أردت ، أغناه ذلك عن تجديد الإذن لكل خرجة . ولو قال : متى خرجت ، أو متى ما ، أو مهما ، أو أي وقت ، أو أي حين ، فالحكم كما لو قال : إن خرجت ، لأن هذه الصيغ لا تقتضي التكرار . وفي " الرقم " للعبادي : إلحاق متى ما ، ومهما بـ " كلما " وهو خلاف نصه في " الأم " . ولو قال : إن خرجت أبدا إلا بإذني ، فأنت طالق ، لم يلزم التكرار أيضا ، بل معناه في أي وقت خرجت ، قريب أم بعيد وإذا علق الطلاق كما صورنا ، ثم أذن لها في الخروج ، ثم رجع عن الإذن ، وخرجت بعده ، نص في " الأم " أنها لا تطلق ، لأن الإذن قد وجد ، فزال حكم اليمين ، والمنع بعده لا يفيد . ورأى أبوبكر الفارسي والمحققون تنزيل النص على ما إذا قال في التعليق : حتى آذن لك ، لأنه جعل إذنه غاية اليمين ، وقد حصل الإذن ، فأما إذا قال : بغير إذني أو إلا بإذني ، [ ص: 63 ] فإذا رجع ، ثم خرجت ، فهذا خروج بغير إذن ، وهو أول ما وجد بعد اليمين ، فيقع الطلاق . ومنهم من قال : قوله : إلا بإذني محتمل أيضا للغاية ، فيحمل عليها . ولو قال : إن خرجت بغير إذني لغير عيادة ، فأنت طالق ، فخرجت لعيادة ، ثم عرضت حاجة فاشتغلت بها ، لم تطلق . وإن خرجت لعيادة وغيرها . فالمذكور في " الشامل " منسوبا إلى نصه في " الأم " أنه لا يحنث ، وذكر البغوي أنه الأصح . ويشبه أن يقال : إن كان المقصود بقوله لغير عيادة ما هو بمعزل عنها ، لم يحنث ، وهذا هو السابق إلى الفهم منه ، وإن كان المقصود ما يغايره في الحقيقة ، فمجموع العيادة والحاجة الأخرى يغاير مجرد العيادة .

قلت : الصواب الجزم بأنه لا يحنث . - والله أعلم - .

وإن قال : إن خرجت إلا لعيادة ، فينبغي أن يحنث ، لأنه يصدق أن يقال : لم تخرج للعيادة بل لها ولغيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية