صفحة جزء
المسألة الثالثة : حلف على الضرب ، تعلقت اليمين بما يسمى ضربا ، ولا يكفي وضع اليد والسوط ورفعهما ، ولا العض والقرص ونتف الشعر . وفي الوكز واللكز واللطم وجهان ، أصحهما : أنه [ ص: 77 ] ضرب ، ولا يشترط الإيلام ، ولهذا يقال : ضربه ولم يؤلمه ، بخلاف الحد والتعزير ، فإنه يعتبر فيهما الإيلام ، لأن المقصود بهما الزجر ، ولا يحصل إلا بإيلام ، واليمين تتعلق بالاسم . وحكي وجه ضعيف أنه يشترط الإيلام ، وقد سبق في كتاب الطلاق .

قلت : ولو ضرب ميتا ، لم يحنث ، ولو ضرب مغمى عليه أو مجنونا أو سكران ، حنث ، لأنه محل للضرب بخلاف الميت ذكره المتولي . - والله أعلم - .

فرع

حلف : ليضربن عبده مائة خشبة ، أو ليجلدنه مائة سوط ، فإن شد مائة سوط وضربه بها ، فقد وفى بموجب اللفظ ، وإن ضربه بعثكال عليه مائة شمراخ ضربة واحدة ، حصل البر إن تحقق أن الجميع أصاب بدنه . وفي المراد بإصابة الجميع وجهان ، أصحهما : أنه لا يشترط أن يلاقي جميع القضبان بدنه أو ملبوسه ، بل يكفي أن ينكبس بعضها على بعض ، بحيث يناله ثقل الجميع ، ولا يضر كون البعض حائلا بين بدنه وبين البعض ، كالثياب وغيرها ، مما لا يمنع تأثر البشرة بالضرب . والثاني : لا يكفي الانكباس ، بل يشترط ملاقاة الجميع بدنه أو ملبوسه ، وإن تيقن أنه لم يصبه الجميع ، لم يبر . وإن شك في ذلك ، فالنص أنه لا يحنث . ونص أنه لو حلف : ليدخلن الدار اليوم إلا أن يشاء زيد ، فلم يدخل ، ومات زيد ولم يعلم هل شاء أم لا : أنه يحنث ، فقيل بتقرير النصين ، والفرق أن [ ص: 78 ] الضرب سبب ظاهر في الانكباس ، وفي مسألة المشيئة لا أمارة لها ، والأصل عدمها . وقيل : فيهما قولان . والمذهب : أنه لا يحنث هنا ، ويحنث في مسألة المشيئة .

قلت : هكذا صور الجمهور مسألة الخلاف فيما إذا شك ، وذكر الدارمي وابن الصباغ والمتولي أنه إذا شك ، حنث ، وإنما لا يحنث على المنصوص إذا غلب على ظنه إصابة الجميع ، وهذا حسن ، لكن الأول أصح ، لأن بعد هذا الضرب شك في الحنث ، والأصل عدمه قال أصحابنا : وإذا قلنا : لا يحنث ، فالورع أن يحنث نفسه ، فيكفر عن يمينه . - والله أعلم - .

ولو حلف : ليضربنه مائة مرة فضربه مرة بالعثكال أو بالمائة المشدودة ، لم يبر ، لأنه لم يضربه إلا مرة . ولو حلف : ليضربنه مائة ضربة ، لم يبر أيضا على الأصح . ولو حلف : ليضربنه بالسوط ، لم يبر بالعصا والشماريخ ، لأنه ليس بسوط . ولو قال : مائة سوط ، فالصحيح أنه لا يبر بعثكال عليه مائة شمراخ ، وإنما يبر بأن يجمع مائة سوط ويشدها ويضربه بها دفعة ، أو خمسين ويضربه دفعتين ، أو سوطين ويضربه بهما خمسين مرة ، بشرط أن يعلم إصابة الجميع على ما سبق وقيل : يبر بالعثكال ، كما في لفظ الخشبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية