صفحة جزء
فرع

في كتب أصحاب أبي حنيفة - رضي الله عنه - أنه لو قال : وسلطان الله فهو يمين إن أراد القدرة ، وإن أراد المقدور ، فلا ، وبه نقول نحن . وأنه لو قال : ورحمة الله وغضبه ، فليس بيمين ، ويشبه أن يقال : إن أراد إرادة النعمة والعقوبة فيمين ، وإن أراد الفعل ، فلا . وأنه لو حلف : ليضربن زوجته حتى يغشى عليها أو تبول ، حمل على الحقيقة . ولو قال : حتى أقتلها أو ترفع ميتة ، حمل على أشد الضرب ، ويظهر على أصلنا الحمل على الحقيقة أيضا . وأنه لو حلف : لا يدخل هذه الخيمة ، فقلعت ونصبت في موضع آخر ، فدخلها ، حنث ، ولو حلف : لا يجلس على هذه الأسطوانة أو الحائط ، فأعيد بناؤهما بعد النقض ، فجلس على المعاد ، لم يحنث ، وكذا لو حلف على مقص أو سيف

[ أو ] سكين فكسر وأعيدت الصنعة ، لم يحنث . وإن نزع مسمار المقص ونصاب السكين ، وأعيد مسمار آخر ، ونصاب آخر ، حنث . ولو حلف : لا يقرأ [ ص: 88 ] في المصحف فجعل بين يديه ، وقلبت أوراقه ، فقرأ فيه ، حنث ، ولو حلف : لا يدخل هذا المسجد ، فزيد فيه ، فدخل الزيادة ، حنث ، ولو حلف : لا يكتب بهذا القلم ، فكسره ، ثم براه وكتب به ، لم يحنث وبجميع هذه الأجوبة نقول إلا [ في ] مسألة القلم .

قلت : في موافقتهم في مسألة زيادة المسجد ، نظر ، وينبغي أن لا يحنث بدخولها ، لأن اليمين لم يتناولها حالة الحلف . وأما قول الإمام الرافعي : إنا نخالفهم في مسألة القلم ، فليس كما قال ، بل مذهبنا فيها كما ذكروه قال القاضي أبو الطيب في كتاب الصلح من تعليقه : ولو حلف لا يكتب بهذا القلم وهو مبري فكسره ، ثم براه وكتب به ، لم يحنث ، وإن كانت الأنبوبة واحدة ، لأن القلم اسم للمبري دون القصبة ، وإنما تسمى القصبة قبل البري قلما مجازا ، لأنها ستصير قلما ، قال : وكذا إذا قال : لا أقطع بهذا السكين ، فأبطل حدها ، وجعله في ظهرها ، وقطع بها لم يحنث . قال : ولو حلف : لا يستند إلى هذا الحائط ، فهدم ، ثم بني واستند ، إن بني بتلك الآلة ، حنث ، وإن أعيد بغيرها أو ببعضها ، لم يحنث . - والله أعلم - .

وأنه لو حلف : لا يأكل من كسب زيد ، فكسبه ما يتملكه من المباحات ، العقود دون ما يرثه . ولو كسب شيئا ومات ، فورثه الحالف وأكله ، حنث ، ولو انتقل إلى غيره بشراء أو وصية ، لم يحنث . ولك أن لا تفرق ، ويشترط لكسبه أن يكون باقيا في ملكه . وأن الحلواء كل حلو ليس من جنسه حامض ، كالخبيص والعسل والسكر دون العنب والإجاص والرمان ، والأشبه أن يشترط في إطلاق الحلو أن يكون معمولا ، وأن يخرج منه العسل والسكر فالحلواء غير الحلو .

[ ص: 89 ] قلت : هذا الذي اختاره الرافعي - رحمه الله - هو الصواب ، وفي الحديث الصحيح : كان يحب الحلواء والعسل . - والله أعلم - .

قال العبادي من أصحابنا في الرقم : لو حلف على الحلواء ، دخل فيه المتخذ من الفانيذ والسكر والعسل والدبس والقند ، وفي اللوزينج والجوزينج وجهان ، وأن الشواء يقع على اللحم خاصة دون السمك المشوي ، وأن الطبيخ يقع على اللحم يجعل في الماء ويطبخ ، وعلى مرقتها

[ و ] عن بعضهم أنه يقع على الشحم ، ولو طبخ عدس أو أرز بودك فهو طبيخ ، وإن طبخ بزيت أو سمن ، فليس بطبيخ .

قلت : الصواب أن الكل طبيخ . - والله أعلم - .

وذكر العبادي في " الرقم " أنه لو حلف : لا يأكل المرق ، فهو ما يطبخ باللحم أي لحم كان ، وفيما يطبخ بالكرش والبطون والشحم وجهان . وإذا حلف : لا يأكل المطبوخ ، حنث بما طبخ بالنار أو أغلي ، ولا يحنث بالمشوي . والطباهجة مشوية ، ويحتمل غيره ، وذكروا أن الغداء : من طلوع الفجر إلى الزوال ، والعشاء : من الزوال إلى نصف الليل ، والسحور : ما بين نصف الليل وطلوع الفجر . ومقدار الغداء والعشاء أن يأكل أكثر من نصف شبعه . ولو حلف : ليأتينه غدوة ، فهي ما بين طلوع الفجر إلى نصف النهار ، والضحوة بعد طلوع الشمس من حين تزول كراهة الصلاة إلى نصف النهار ، والصباح [ ص: 90 ] ما بعد طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى ، ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌وقد يتوقف في كون العشاء من الزوال ، وفي مقدار الغداء والعشاء ، وفي امتداد الغدوة إلى نصف النهار ، وفي أن الضحوة من الساعة التي تحل فيها الصلاة . وأنه لو حلف : لا يكلمه ، فنبهه من النوم ، حنث ، وإن لم ينتبه وهذا غير مقبول . ولو دق المحلوف عليه الباب ، فقال : من هذا ؟ حنث ، وينبغي أن يفرق بين علمه به وجهله ، وأنه لو قال : لا أكلمه اليوم ولا غدا ، لم تدخل الليلة المتخللة في اليمين ، ولو قال : لا أكلمه اليوم وغدا ، دخلت ، والصواب التسوية .

قلت : يعني في عدم الدخول وهذا إذا لم ينو مواصلة الهجران . - والله أعلم - .

ولو قال : لا أكلمه يوما ولا يومين ، فاليمين على يومين ، فلو كلمه في الثالث ، لم يحنث ، وهكذا ذكره أبو الحسن العبادي من أصحابنا . ولو قال : يوما ويومين ، فاليمين على ثلاثة ، وأنه لو حلف : ليهدمن هذه الدار ، فهدم سقوفها ، بر ، ويجوز أن يقال : يشترط أن لا يبقى ما يسمى دارا . ولو حلف : ليهدمن هذا الحائط اليوم ، أو لينقضنه ، اشترط هدمه ، حتى لا يبقى منه ما يسمى حائطا . ولو حلف : ليكسرنه ، لم يشترط ما يزيل اسم الحائط .

فرع

حلف : لا يزوره حيا ولا ميتا ، فشيع جنازته ، لم يحنث . وفي فتاوى الغزالي أنه لو حلف : لا يدخل داره صوفا ، فأدخل داره كبشا عليه صوف ، أو لا يدخلها بيضا ، فأدخلها دجاجة ، فباضت في الحال ، [ ص: 91 ] لم يحنث . وأنه لو حلف : لا يقعد معه تحت سقف ، فقعدا تحت أزج حنث ، وأنه لو حلف : لا يفطر ، فمطلق هذا ينصرف إلى الأكل والجماع ونحوهما ، ولا يحنث بالردة والجنون والحيض ودخول الليل . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية