صفحة جزء
[ ص: 132 ] الأدب الثاني : إذا أراد الخروج إلى بلد قضائه ، سأل عن حال من فيه العدول والعلماء ، فإن لم يتيسر ، سأل في الطريق حتى يدخل على علم بحال البلد ، فإن لم يتيسر ، سأل حين يدخل ، ويستحب أن يدخل يوم الاثنين .

قلت : قال الأصحاب : فإن تعسر يوم الاثنين فالخميس ، وإلا فالسبت ، والله أعلم .

وأن يكون عليه عمامة سوداء ، فقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء ، وأن ينزل في وسط البلد أو الناحية ، لئلا يطول الطريق على بعضهم ، وإذا دخل ، فإن رأى أن يشتغل في الحال بقراءة العهد ، فعل ، وإن رأى أن ينزل منزله ، ويأمر مناديا ينادي يوما فأكثر أو أقل على حسب صغر البلد أو كبره أن فلانا جاء قاضيا ، وأنه يخرج يوم كذا لقراءة العهد ، فمن أحب ، فليحضر ، فإذا اجتمعوا ، قرأ عليهم العهد ، وإن كان معه شهود شهدوا ، ثم ينصرف إلى منزله ، ويستحضر الناس ، ويسألهم عن الشهود والمزكين سرا وعلانية .

قال الأصحاب : ويتسلم ديوان الحكم وهو ما كان عند القاضي قبله من المحاضر والسجلات ، وحجج الأيتام والأوقاف ، وحجج غيرهم المودعة في الديوان ، لأنها كانت في يد الأول بحكم الولاية ، وقد انتقلت الولاية إليه ، ثم إذا أراد النظر في الأمور نظر أولا في المحبوسين هل يستحقونه أم لا ؟ ويأمر قبل أن يجلس للنظر فيهم من ينادي يوما فأكثر على حسب الحاجة أن القاضي ينظر في المحبوسين يوم كذا ، فمن له محبوس ، فليحضر ، ويبعث إلى الحبس أمينا ليكتب اسم كل محبوس وما حبس به ، ومن حبس له في رقعة .

وذكر القاضي أبو الطيب أنه يبعث أمينين وهو أحوط . فإذا جلس في اليوم الموعود ، وحضر الناس ، صبت الرقاع بين يديه ، فيأخذ رقعة [ ص: 133 ] وينظر في الاسم المثبت فيها ، ويسأل عن خصمه فمن قال : أنا خصمه بعث معه ثقة إلى الحبس ليأخذ بيده ويحضره ، وهكذا يحضر من المحبوسين من يعرف أن المجلس يحتمل النظر في أمرهم وفي " أمالي " السرخسي أنه يقرع بينهم للابتداء .

وإذا اجتمع عنده المحبوس وخصمه ، سأل المحبوس عن سبب حبسه ، وجوابه يفرض على وجوه ، منها أن يعترف أنه حبس بحق ، فإن كان ما حبس به مالا ، أمر بأدائه ، فإن قال : أنا معسر ، فعلى ما سبق في التفليس ، فإن لم يؤد ولم يثبت إعساره ، رد إلى الحبس ، وإن أدى أو ثبت إعساره نودي عليه ، فلعل له خصما آخر ، فإن لم يحضر أحد خلي ، وإن كان ما حبس به حدا ، أقيم عليه ، وخلي كما ذكرناه .

ومنها أن يقول : شهدت على بينة ، فحبسني القاضي ليبحث عن حال الشهود ، ففي جواز الحبس بهذا السبب خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى ، فإن قلنا : لا يحبس به ، أطلقه ، وإلا رده ، وبحث عن حال الشهود ، ومنها أن يقول : حبست بخمر أو كلب أتلفته على ذمي ، وهذا القاضي لا يعتقد التغريم بذلك ، فالأظهر أنه يمضيه ، والثاني : يتوقف ، ويسعى في اصطلاحهما على شيء .

ومنها أن يقول : حبست ظلما ، فإن كان الخصم معه ، فعلى الخصم البينة ، ويصدق المحبوس بيمينه ، فإن ذكر خصما غائبا ، فقيل : يطلق قطعا ، والأصح أنه على وجهين ، فإن قلنا : لا يطلق حبس ، أو يؤخذ منه كفيل ، ويكتب إلى خصمه في الحضور ، فإن لم يفعل ، أطلق حينئذ ، وإن قال : لا خصم لي أصلا ، أو قال : لا أدري فيم حبست ، نودي عليه لطلب الخصم ، فإن لم يحضر أحد ، حلف وأطلق قال في " الوسيط " : وفي مدة المناداة لا يحبس ، ولا يخلى بالكلية ، بل يرتقب ، وحيث أطلق الذي ادعى أنه مظلوم لا يطالب بكفيل على الأصح .

[ ص: 134 ] فرع

لو كان قد حبسه الأول تعزيرا قال الغزالي : أطلقه الثاني ، ولم يتعرض الجمهور لهذا ، فإن بانت جنايته عند الثاني ، ورأى إدامة حبسه ، فالقياس الجواز .

فرع

فإذا فرغ من المحبوسين ، نظر في الأوصياء ، فإذا حضر من ادعى أنه وصي ، بحث الحاكم عن شيئين أحدهما أصل الوصاية ، فإن أقام بينة أن القاضي المعزول نفذ وصايته ، وأطلق تصرفه ، قرره ، ولم يعزله إلا أن يطرأ فسقه ونحوه وينعزل ، فينزع المال منه ، وإن شك في عدالته فوجهان ، قال الإصطخري : يقر المال في يده ؛ لأن الظاهر الأمانة ، وقال أبو إسحاق : ينتزعه حتى تثبت عدالته ، وإن وجده ضعيفا ، أو كان المال كثيرا لا يمكنه القيام بحفظه ، والتصرف فيه ، ضم إليه من يعينه ، والثاني تصرفه في المال ، فإن قال : فرقت ما أوصى به ، نظر إن كانت الوصية لمعينين ، لم يتعرض له ، لأنهم يطالبون إن لم يكن وصلهم ، وإن كانت لجهة عامة ، فإن كان عدلا أمضى تصرفه ولم يضمنه ، وإن كان فاسقا ، ضمنه لتعديه بالتفريق بغير ولاية صحيحة ، ولو فرق الثلث الموصى به غير الوصي خوفا عليه من أن يضيع ، نظر إن كانت الوصاية لمعينين ، وقع الموقع ؛ لأن لهم أن يأخذوه بلا واسطة ، وإلا فيضمن على الأصح .

فرع

ثم بعد الأوصياء ينظر في أمناء القاضي المنصوبين على الأطفال [ ص: 135 ] ، وتفرقة الوصايا ، فمن تغير حاله بفسق أو غيره ، فعلى ما ذكرناه في الأوصياء ومن لم يتغير حاله ، أقره ، قال الروياني : وله أن يعزله ويولي غيره بخلاف الأوصياء ؛ لأن الأمين يولى من جهة القاضي بخلاف الوصي .

فرع

ثم ينظر في الأوقاف العامة والمتولين لها ، وفي اللقط والضوال ، فما لا يجوز تملكه للملتقط ، أو يجوز ولم يختر تملكه بعد الحول ، حفظه على صاحبه ، أو باعه وحفظ ثمنه لمصلحة المالك ، وله أن يحفظ هذه الأموال معزولة عن أمثالها في بيت المال ، وله أن يخلطها بمثلها فإذا ظهر المالك ، غرم له من بيت المال .

فرع

ليقدم من كل نوع من ذلك الأهم فالأهم ، وإن عرضت حادثة وهو مشغول بهذه المهمات استخلف من ينظر في تلك الحالة أو فيما هو فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية