صفحة جزء
الحالة الثانية : أن لا يعظم ضرر القسمة ، فقد لا ينقسم من غير رد من أحد الشريكين أو الشركاء ، وقد ينقسم بلا رد باعتبار الأجزاء ، وتسمى قسمة المتشابهات ، أو باعتبار القيمة وتسمى قسمة التعديل ، فهذه ثلاثة أنواع . الأول : قسمة المتشابهات ، وإنما تجري في الحبوب والدراهم والأدهان وسائر المثليات ، وفي الدار المتفقة الأبنية ، والأرض المتشابهة الأجزاء وما في معناها ، فتعدل الأنصباء في المكيل بالكيل ، والموزون بالوزن ، والأرض المتساوية تجزأ أجزاء متساوية بعدد الأنصباء إن تساوت ، بأن كانت لثلاثة أثلاثا ، فتجعل ثلاثة أجزاء متساوية ، ثم تؤخذ ثلاث رقاع متساوية ، ويكتب على كل رقعة اسم شريك أو جزء من الأجزاء ويميز بعضها عن بعض بحد أو جهة أو غيرها ، وتدرج في بنادق متساوية وزنا وشكلا من طين مجفف أو شمع ، وتجعل في حجر من لم يحضر الكتابة والإدراج ، فإن كان صبيا أو أعجميا كان أولى ، ثم يؤمر بإخراج رقعة على الجزء الأول إن كتب [ ص: 205 ] في الرقاع أسماء الشركاء ، فمن خرج اسمه ، أخذه ، ثم يؤمر بإخراج أخرى على الجزء الذي يلي الأول ، فمن خرج اسمه أخذه ، ويعين الباقي للثالث .

وإن كتب في الرقاع أسماء الأجزاء أخرجت رقعة باسم زيد ، ثم أخرى باسم عمرو ، ويتعين الثالث للثالث ، ويعين من يبتدئ به من الشركاء والإجزاء منوط بنظر القاسم ، فيقف أولا على أي طرف شاء ويسمي أي شريك شاء ، وإن كانت الأنصباء مختلفة ، بأن كان لزيد نصف ، ولعمرو ثلث ، وللثالث سدس ، جزأ الأرض على أقل السهام وهو السدس ، فيجعلها ستة أجزاء ، ثم نص الشافعي - رحمه الله - أنه يثبت اسم الشركاء في رقاع ، وتخرج الرقاع على الأجزاء ، وقال في العتق : يكتب على رقعتين : رق ، وعلى رقعتين : حرية ، وتخرج على أسماء العبيد ، ولم يقل تكتب أسماء العبيد ، وفيهما طريقان :

أحدهما : فيهما قولان ، ففي قول يثبت اسم الشركاء والعبيد ، وفي قول يثبت الأجزاء هنا ، والرق والحرية هناك ، والطريق الثاني وهو المذهب ، وبه قطع الجمهور : الفرق ، ففي العتق يسلك ما شاء من الطريقين ، وهنا لا يثبت الأجزاء على الرقاع ؛ لأنه لو أثبتها وأخرج الرقاع على الأسماء ربما خرج لصاحب السدس الجزء الثاني أو الخامس ، فيفرق ملك من له النصف أو الثلث ، وأيضا قال في " المهذب " : لو فعلنا ذلك ربما خرج السهم الرابع لصاحب النصف ، فيقول : آخذه وسهمين قبله ، ويقول الآخران : بل خذه وسهمين بعده ، فيفضي إلى النزاع ، ثم هل هذا الخلاف في الجواز أم الأولوية ؟ وجهان ، أرجحهما : الثاني وبه قال الإمام والغزالي ، وسنوضح - إن شاء الله تعالى - ما يحصل به الاحتراز عن تفريق الملك ، وأما ما ذكره في " المهذب " فيجوز أن يقال : لا نبالي بقول الشركاء بل يتبع نظر القاسم كما في الجزء المبدوء به ، واسم الشريك المبدوء به ، فإن أثبت أسماء الشركاء فقيل : يثبت أسماءهم على ثلاث [ ص: 206 ] رقاع ، ويأمر بإخراج رقعة على الجزء الأول ، فإن خرج اسم صاحب السدس أخذه ، وأخرجت رقعة على الجزء الثاني ، فإن خرج اسم عمرو ، أخذه مع الجزء الثالث ، تعينت الثلاثة الباقية لزيد ، وإن خرج اسم زيد ، أخذ الثاني والثالث والرابع ، وتعين الآخران لعمرو ، فإن خرج اسم زيد أولا ، أخذ الثلاثة الأولى ، ثم يخرج رقعة ، فإن خرج اسم عمرو ، أخذ الرابع والخامس ، ويعين السادس لصاحب السدس .

وإن خرج اسم صاحب السدس ، أخذ الرابع ، وتعين الباقيان لعمرو ، وإن خرج اسم عمرو أولا ، لم يخف الحكم . وقيل : تثبت أسماؤهم في ست رقاع ، اسم زيد في ثلاث ، وعمرو في ثنتين ، والثالث في رقعة ، ويخرج على ما ذكرنا . وليس في هذا إلا أن اسم زيد يكون أسرع خروجا لكن سرعة الخروج لا توجب حيفا ؛ لأن السهام متساوية ، فالوجه تجويز كل واحد من الطريقين .

وإن أثبت الأجزاء في الرقاع ، فلا بد من إثباتها في ست رقاع ، وحينئذ فالتفريق المحذور لو لزم إنما يلزم إذا خرج أولا اسم صاحب السدس وهو مستغن عنه ، بأن يبدأ باسم صاحب النصف ، فإن خرج الأول باسمه ، فله الأول والثاني والثالث ، وإن خرج الثاني فكذلك ، فيعطى معه ما قبله وما بعده ، وإن خرج الثالث ، ففي شرح مختصر الجويني أنه يتوقف فيه ، ويخرج لصاحب الثلث ، فإن خرج الأول أو الثاني ، فله الأول والثاني ، ولصاحب النصف الثالث والرابع والخامس .

وإن خرج الخامس ، فله الخامس والسادس ، ثم أهمل باقي الاحتمالات ، وكان يجوز أن يقال : إذا خرج لصاحب النصف الثالث ، فهو له مع اللذين قبله ، وإن خرج الرابع ، فهو له مع اللذين قبله ، ويتعين الأول لصاحب السدس ، وإن خرج الخامس ، فهو له مع اللذين قبله ، ويتعين السادس لصاحب السدس ، [ ص: 207 ] وإن خرج السادس ، فهو له مع اللذين قبله .

وإذا أخذ زيد حقه ، ولم يتعين حق الآخرين ، أخرج رقعة أخرى باسم أحدهما ، فلا يقع تفريق ويمكن أن يبدأ ( بصاحب السدس ، فإن خرج باسم الجزء الأول دفع إليه ، ثم يخرج باسم أحد الجزئين ، فلا يقع تفريق . وإن خرج له الثالث دفع إليه ويعين ) الأول والثاني لصاحب الثلث والثلاثة الآخرة لصاحب النصف . وإن خرج له الرابع ، دفع إليه ، وتعين الأخيران لصاحب الثلث ، والثلاثة الأولى لصاحب النصف .

ويمكن أن يبدأ بصاحب الثلث ، فإن خرج له الأول أو الثاني ، دفعا إليه ، وإن خرج له الخامس أو السادس دفعا إليه ، ثم يخرج باسم أحد الآخرين ، وإن خرج الثالث ، فله الثالث والثاني ، ويتعين الأول لصاحب السدس ، والثلاثة الأخيرة لصاحب النصف ، وإن خرج الرابع ، فله الرابع والخامس ، وتعين السادس لصاحب السدس ، والثلاثة الأول لصاحب النصف .

فرع

كيفية إدراج الرقاع وإخراجها على التفصيل المذكور لا يختص بقسمة المتشابهات ، بل هي في قسمة التعديل إذا عدلت الأجزاء بالقيمة كذلك .

فرع

كما تجوز القسمة بالرقاع المدرجة في البنادق تجوز بالأقلام والعصي والحصى ونحوها .

[ ص: 208 ] فرع

إذا امتنع أحد الشركاء من نوع القسمة الذي نحن فيه ، وهو قسمة المتشابهات ، أجبر عليها ، سواء كانت الأنصباء متساوية ، أم متفاوتة ، وفي المتفاوتة وجه لابن أبي هريرة أنه لا إجبار ، والصحيح الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية