صفحة جزء
الطرف الرابع : فائدة اليمين وحكمها ، وهو انقطاع الخصومة ، والمطالبة في الحال ، لا سقوط الحق وبراءة الذمة ، فلو أقام المدعي بينة بعد حلف المدعى عليه ، سمعت ، وقضي بها ، وكذا لو ردت اليمين على المدعي ، فنكل ، ثم أقام بينة ، وهذا إذا لم يتعرض وقت التحليف للبينة ، فإن كان قال حينئذ : لا بينة لي حاضرة ولا غائبة ، فهذه الصورة ذكرناها في الطرف الثاني من الباب الثاني من أدب القضاء مضمومة إلى ما لو اقتصر على قوله : لا بينة لي ، وفيهما خلاف ، والأصح السماع أيضا ، وذكرنا هناك أنه لو قال : لا بينة لي حاضرة ، ثم أقام بينة سمعت ، فلعلها حضرت ، وأنه لو قال : لي بينة ولا أقيمها ، بل أردت يمينه ، أجابه القاضي ، وحلف المدعى عليه ، هذا هو الأصح . وفي فتاوى القفال أنه لا يجيبه ، بل يقول : أحضر البينة .

[ ص: 41 ] فرع

أقام المدعي بدعواه شهودا ، ثم قال : كذب شهودي ، أو شهدوا مبطلين ، فلا شك في سقوط بينته ، وامتناع الحكم ، وفي بطلان دعواه وجهان ، أحدهما : يبطل ، كما لو كذب نفسه ، فليس له أن يقيم بعد ذلك بينة أخرى ، وأصحهما : لا ، لاحتمال كونه محقا في دعواه والشهود مبطلين لشهادتهم بما لا يعلمون ، وفي مثل هذا قال الله تعالى : ( والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) وبني على الوجهين ما لو أقام المدعي شهودا ، فزعم المدعى عليه أن المدعي أقر بأن شهوده كذبة ، وأقام عليه شاهدا ، وأراد أن يحلف معه هل يمكن ، ويحكم بشاهده ويمينه ؟ إن قلنا : هذا الإقرار لا يبطل أصل الدعوى ، فلا ؛ لأن المقصود حينئذ الطعن في الشهود ، وإخراج شهادتهم عن أن يحكم بها ، وجرح الشهود ، والطعن فيهم لا يثبت بشاهد ويمين ، وإن كانت الشهادة بمال ، وإن قلنا : يبطلها ، مكن ؛ لأن المقصود حينئذ إسقاط الدعوى بالمال ، فهو كادعاء الإبراء بشاهد ويمين .

فروع

في فتاوى القفال وغيره : أقام شاهدين في حادثة ، وكانا استباعا الدار منه ، بطلت شهادتهما ، ولو أقام شاهدين بأن هذه الدار ملكه ، وأقام المشهود عليه شاهدين بأن شاهدي المدعي قالا : لا شهادة لنا في ذلك سألهما الحاكم : متى قال ذلك شاهدا المدعي ؟ فإن قالا : قالاه أمس ، أو من شهر ، لم تندفع شهادتهما بذلك ؛ لأنهما قد لا يكونان شاهدين ، ثم يصيران . وإن قالا : قالا حين تصديا لإقامة الشهادة ، [ ص: 42 ] اندفعت شهادتهما . ولو أقام المشهود عليه بشاهدين أن المدعي أقر بأن شاهديه شربا الخمر وقت كذا ، فإن طالت المدة بينه وبين أداء الشهادة لم يقتض ذلك رد الشهادة ، وإن قصرت ردت شهادتهما ، وإن شهدا أنه أقر بأنهما شربا الخمر من غير تعيين وقت ، سئل المدعي عن وقته ، وحكم بما يقتضيه تعيينه ، ولو أقام المدعي بينة ، ثم قال للقاضي : لا تحكم بشيء حتى تحلفه ، بطلت بينته ؛ لأنه كالمعترف بأنها مما لا يجوز الحكم بها .

قلت : هذا مشكل ، فقد يقصد تحليفه ليقيم البينة ، ويظهر إقدامه على يمين فاجرة ، أو غير ذلك من المقاصد التي لا تقتضي قدحا في البينة ، فينبغي أن لا تبطل البينة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية