صفحة جزء
الباب الرابع في النكول

إذا أنكر المدعى عليه ، واستحلف ، فنكل عن اليمين ، لم يقض عليه بالنكول ، بل ترد على المدعي ، فإن حلف قضي له ، فإن لم يعرف المدعي ، تحول اليمين إليه بنكول المدعى عليه ، عرف القاضي ، وبين أنه إن حلف استحق ، وإنما يحصل النكول بأن [ ص: 44 ] يعرض القاضي اليمين عليه فيمتنع ، وفسر العرض بأن يقول : قل والله ، والامتناع بأن يقول : لا أحلف ، أو أنا ناكل ، قال الإمام : قوله : قل : والله ليس أمرا جازما ، وإنما المراد بيان وقت اليمين المعتمد بها على المدعي ، ولو قال : أتحلف بالله ، وقال : لا ، فليس بنكول ، ولو بدر حين سمع هذه الكلمة وحلف ، لم يعتد بيمينه ؛ لأنه استنجاز لا استحلاف . ولو قال له : احلف ، فقال : لا أحلف ، قال البغوي : ليس بنكول ، وقال الإمام : نكول وهو أوضح ، ولا فرق بين قوله : قل : بالله ، وقوله : احلف بالله ، ولو استحلف فلم يحلف ، ولا تلفظ بأنه ناكل أو ممتنع ، فسكوته نكول ، كما أن السكوت عن الجواب في الابتداء يجعل كالإنكار ، ثم ذكر الإمام وغيره أنه إن صرح بالنكول ، لم يشترط حكم القاضي بأنه ناكل ، وإن سكت حكم القاضي بأنه ناكل ليرتب عليه رد اليمين ، وقول القاضي للمدعي : احلف نازل منزلة قوله : حكمت بأن المدعى عليه ناكل ، وإنما يحكم بأنه ناكل بالسكوت إذا لم يظهر كون السكوت لدهشة وغباوة ونحوهما ، ويستحب للقاضي أن يعرض اليمين على المدعى عليه ثلاث مرات ، والاستحباب فيما إذا سكت أكثر منه فيما إذا صرح بالنكول ، ولو تفرس فيه سلامة جانب ، شرح له حكم النكول ، وإن لم يشرح ، وحكم بأنه ناكل ، وقال المدعى عليه : لم أعرف النكول ، ففي نفوذ الحكم احتمالان للإمام أصحهما النفوذ . وكان من حقه أن يسأل ويعرف قبل أن ينكل ، ولو أراد المدعى عليه بعد الامتناع أن يعود فيحلف ، نظر إن كان ذلك بعد أن حكم القاضي بأنه ناكل ، أو قال للمدعي : احلف ، لم يكن له الحلف ، وإن أقبل عليه ليحلفه ، ولم يقبل بعد ما حلف ، فهل هو كما لو قال : احلف ؟ وجهان ، وإن لم يجر شيء من ذلك ، فله [ ص: 45 ] الحلف حتى لو هرب المدعى عليه قبل أن يحكم القاضي بأنه ناكل ، وقبل أن يعرض اليمين على المدعي ، لم يكن للمدعي أن يحلف اليمين المردودة ، وكان للمدعى عليه أن يحلف إذا عاد ، هكذا أطلق البغوي وغيره ، ومقتضاه التسوية بين التصريح بالنكول ، وبين السكوت حتى لا يمتنع من العود إلى اليمين في الحالين إلا بعد الحكم بالنكول ، أو بعد عرض اليمين على المدعي ، وفي التصريح احتمال ، وحيث منعناه العود إلى الحلف ، فذلك إذا لم يرض به المدعي ، فإن رضي ، فله العود إليه على الأصح ؛ لأن الحق لا يعدوهما ، فلو رضي بأن يحلف المدعى عليه والحالة هذه ، فلم يحلف ، لم يكن للمدعي أن يعود إلى يمين الرد ؛ لأنه أبطل حقه برضاه بيمين المدعى عليه .

فرع

نقل الروياني أن قول القاضي للمدعي : أتحلف أنت ؟ كقوله : احلف حتى لا يتمكن المدعى عليه من الحلف بعد ذلك ، قال : وعندي فيه نظر .

التالي السابق


الخدمات العلمية