صفحة جزء
فصل

ادعى دارا ، أو عبدا ، أو نحوه في يد رجل ، فشهدت له بينة بالملك في الشهر الماضي ، أو بالأمس ، ولم يتعرض للحال ، نقل المزني والربيع أنها لا تسمع ، ولا يحكم بها ، ونقل البويطي أنها تسمع ، ويحكم بها ، وقال الجمهور : هما قولان ، أظهرهما المنع ، والطريق الثاني القطع بالمنع ، ويجري الخلاف فيما لو ادعى اليد ، وشهدوا أنه كان في يده أمس ، فإذا قلنا بالمنع ، فينبغي للشاهد أن يشهد على الملك في الحال ، أو يقول : كان ملكه ولم يزل ، أو لا أعلم له مزيلا ، ولا يجوز أن يشهد بالملك في الحال استصحابا لحكم ما عرفه من قبل ، كشراء وإرث وغيرهما ، وإن احتمل زواله ، فلو صرح في شهادته أنه يعتمد الاستصحاب ، فوجهان ، قال الغزالي : قال الأصحاب : لا يقبل ، كما لا تقبل شهادة الرضاع على امتصاص الثدي ، وحركة الحلقوم . وقال القاضي حسين ، تقبل ؛ لأنا نعلم أنه لا مستند له سواه ، ولو قال : لا أدري أزال ملكه ، أم لا ، لم يقبل قطعا ؛ لأنها صيغة مرتاب بعيدة عن أداء الشهادة ، ولو شهدت بينة بأنه أقر أمس للمدعي بالملك ، قبلت الشهادة ، واستديم حكم الإقرار ، وإن لم يصرح الشاهد بالملك [ ص: 64 ] في الحال وقيل بطرد القولين ، والمذهب الأول لئلا تبطل فائدة الأقارير . ولو قال المدعى عليه : كان ملكك أمس ، فوجهان ، أحدهما : لا يؤاخذ به ، كما لو قامت بينة بأنه كان ملكه أمس ، وأصحهما ، وبه قطع ابن الصباغ : يؤاخذ ، فينتزع منه ، كما لو شهدت البينة أنه أقر أمس ، والفرق أن الإقرار لا يكون إلا عن تحقيق ، والشاهد قد يتساهل ويخمن ، فلو أسند الشهادة إلى تحقيق ، بأن قال الشاهد : هو ملكه بالأمس ، اشتراه من المدعى عليه بالأمس ، أو أقر له به المدعى عليه بالأمس ، قبلت الشهادة ، ولو قال : كان في يدك أمس ، فهل يؤاخذ بإقراره ؟ وجهان ، حكاهما ابن الصباغ .

قلت : الأصح المنع . والله أعلم .

فإذا عرفت ما يحتاج إليه الشاهد إلى التعرض له على قولنا : لا تسمع الشهادة على الملك السابق ، فكذلك إذا قلنا : الشهادة على اليد السابقة لا تسمع ، فينبغي أن يتعرض الشاهد لزيادة ، فيقول : كان في يد المدعي ، وأخذه المدعى عليه منه ، أو غصبه ، أو قهره عليه ، أو بعث العبد في شغل ، فأبق منه ، فاعترضه هذا ، وأخذه ، فحينئذ تقبل الشهادة ويقضى بها للمدعي ، ويجعل صاحب يد .

فرع

قد ذكرنا أن الشهود لو قالوا : ولا نعلم زوال ملكه ، قبلت شهادتهم ، ثم نقل ابن المنذر أن الشافعي رحمه الله قال : يحلف المدعي مع البينة ، فإن ذكروا مع ذلك أنه غاصب ، فلا حاجة إلى اليمين ، قال الهروي : هذا غريب .

فرع

دار في يد رجل ادعاها آخران ، وأقام أحدهما بينة أنها له ، [ ص: 65 ] غصبها منه المدعى عليه ، وأقام الآخر بينة أن من في يده أقر بها له ، فلا منافاة بينهما ، فثبت الملك والغصب بالبينة الأولى ، ويلغو إقرار الغاصب لغير المغصوب منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية