صفحة جزء
المسألة الثانية : في يده دار جاء رجلان ادعى كل واحد منهما أني اشتريتها من صاحب اليد بكذا ، وسلمت الثمن ، وطالبه بتسليم الدار ، فإن أقر لأحدهما ، سلمت الدار إليه ، وهل يحلف الآخر ؟ قال الشيخ أبو الفرج : إن قلنا : إتلاف البائع كآفة سماوية ، فلا ، وإن قلنا : كإتلاف الأجنبي ، وأثبتنا الخيار ، فأجاز ، وأراد أن يطلب من البائع قيمتها ، بني التحليف على الخلاف في أنه لو أقر للثاني بعد الإقرار الأول هل يغرم فيحلف أم لا ؟ فلا وقد سبق نظائره ، وللآخر أن يدعي الثمن فإنه كهلاك المبيع قبل القبض في زعمه ، وإن [ ص: 69 ] أنكر ما ادعيا ولا بينة ، حلف لكل واحد يمينا ، وبقيت الدار في يده ، وإن أقام أحدهما بينة ، سلمت الدار إليه ، وليس للآخر تحليفه لتغريم العين ؛ لأنه لم يفوتها عليه ، إنما أخذت بالبينة ، وله دعوى الثمن ، وإن أقاما بينتين ، نظر ، إن كانتا مؤرختين بتاريخ مختلف ، قدم أسبقهما تاريخا ، وإن لم تكونا كذلك ، فله حالان ، الأولى أن يستمر صاحب اليد على التكذيب ، فيتعارضان ، فإن قلنا بالسقوط سقطتا ، وحلف المدعى عليه لكل واحد منهما ، كما لو لم يكن بينة ، وهل لهما استرداد الثمن ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، هذا إذا لم تتعرض البينة لقبض المبيع ، فإن تعرضت ، فلا رجوع بالثمن ؛ لأن العقد استقر بالقبض ، وليس على البائع عهدة ما يحدث بعده ، وإن قلنا بالاستعمال ، فالأشهر أنه لا يجيء الوقف ، والأصح مجيئه ، فتنزع الدار من يده والثمنان ، ويوقف الجميع ، وإن قلنا بالقرعة ، فمن خرجت قرعته ، سلمت إليه الدار بالثمن الذي سماه ، واسترد الآخر الثمن الذي أداه ، وإن قلنا بالقسمة ، فلكل واحد منهما نصف الدار بنصف الثمن الذي سماه ، ولهما خيار الفسخ ؛ لأنه لم يسلم جميع المعقود عليه ، فإن فسخا استردا جميع الثمن المشهود به ، وإن أجاز استرد كل واحد نصف الثمن المشهود به بناء على الأظهر ، وهو أن الإجازة بالقسط ، ويجوز أن يجيز أحدهما ، ويفسخ الآخر ، ويسترد جميع الثمن . ثم إن سبقت الإجازة الفسخ ، رجع المجيز بنصف الثمن ، وليس له أن يأخذ النصف المردود ، ويضمه إلى ما عنده ؛ لأنه حين أجاز ، رضي بالنصف ، وإن سبق الفسخ الإجازة ، فهل للمجيز أخذ الجميع ؟ وجهان ، أحدهما : لا ؛ لأنا نفرع على قول القسمة ، فلا يأخذ إلا ما اقتضته ، والمردود يعود إلى البائع ، وأصحهما ، وبه قطع العراقيون له ذلك ؛ لأن [ ص: 70 ] بينته قامت بالجمع ، وقد زال المزاحم ، ونقل الربيع قولا : أن البيعين مفسوخان ، وروي باطلان ، وهو معنى مفسوخان هنا ، ويعمل بمقتضى قول المدعى عليه ، وامتنع جماعة من جعله قولا ، منهم من غلظه ، ومنهم من قال : هو تخريج له .

الحالة الثانية : أن يصدق صاحب اليد أحدهما ، فعلى قول السقوط تسلم الدار للمصدق ، وكأنه أقر له ولا بينة ، وعلى قول الاستعمال وجهان ، قال ابن سريج : يقدم المصدق ، وكأنه نقل إليه يده ، فصار معه يد وبينة ، والأصح المنع لاتفاق البينتين على إسقاط يده ، وانتزاع المال منه باتفاق الأقوال ، واليد المزالة لا يرجح بها ، فعلى هذا هو كما لو لم يصدق واحد منهما . ثم إن الأصحاب لم يفرقوا فيما إذا لم تكن البينتان مختلفتي التاريخ بين أن يكونا مطلقتين أو متحدتي التاريخ أو إحداهما مطلقة ، والأخرى مؤرخة ، بل صرحوا بالتسوية ، إلا أن أبا الفرج الزاز استدرك ، فقال : هذا إذا لم يقدم المؤرخة على المطلقة ، فإن قدمناها قضينا لصاحبها ولا تجيء الأقوال .

عن الشيخ أبي عاصم : لو تعرضت إحدى البينتين ، لكون الدار ملك البائع وقت البيع ، أو لكونها ملك المشتري الآن كانت مقدمة ، وإن لم يذكرا تاريخا . ولو ذكرت إحداهما ، نقد الثمن دون الأخرى كانت مقدمة ، سواء كانت سابقة ، أم مسبوقة ؛ لأن التعرض للنقد [ ص: 71 ] يوجب التسليم ، والأخرى لا توجب لبقاء حق الحبس للبائع ، فلا تكفي المطالبة بالتسليم .

فرع

في يده دار جاء اثنان يدعيانها ، قال أحدهما : اشتريتها من زيد وهي ملكه ، وقال الآخر : اشتريتها من عمرو وهي ملكه ، وأقام كل واحد بينة بما يقوله ، فهما متعارضتان ، فإن قلنا بالسقوط ، فكأنه لا بينة ، ويحلف صاحب اليد لكل واحد يمينا ، وإن قلنا بالاستعمال ففي مجيء قول الوقف الخلاف السابق ، ويجيء قولا القرعة والقسمة والتفريع كما سبق ، إلا أن على قول القسمة إذا اختار أحدهما فسخ العقد ، والآخر إجازته لا يكون للمجيز أخذ النصف الآخر ، سواء تقدم الفسخ أو الإجازة إذا ادعيا الشراء بين شخصين ؛ لأن المردود يعود إلى غير من يدعي المجيز الشراء منه ، فكيف يأخذه ، وحيث أثبتنا الخيار على قول القسمة ، فذلك إذا لم تتعرض البينة لقبض المبيع ، ولا اعترف به المدعي ، وإلا فإذا جرى القبض ، استقر العقد ، وما يحدث بعده ليس على البائع عهدته ، وإنما شرطنا في صورة الفرع أن يقول كل واحد : وهي ملكه ؛ لأن من ادعى مالا في يد شخص ، وقال : اشتريته من فلان ، لم تسمع دعواه حتى يقول : اشتريته منه وهو ملكه ، ويقوم مقامه أن يقول : وتسلمته منه ، أو سلمه إلي ؛ لأن الظاهر أنه إنما يسلم ما يملكه ، وفي دعوى الشراء من صاحب اليد لا يحتاج أن يقول وأنت تملكه ، ويكتفى بأن اليد تدل على الملك ، وكذا يشترط أن يقول الشاهد في الشهادة : اشتراه من فلان وهو يملكه ، أو اشتراه وتسلمه منه ، أو وسلمه إليه . قال الإمام : ويجوز أن يقيم شهودا على أنه اشترى من فلان وآخرين [ ص: 72 ] أن فلانا كان يملكه إلى أن باعه ، لكن هؤلاء شهدوا بالملك والمبيع جميعا ، فكأن المراد إذا أقام شهودا بالشراء وقت كذا ، وآخرين أنه كان يملكه إلى ذلك الوقت .

فرع

أقام أحد المدعيين بينة أنه اشترى الدار من فلان ، وكان يملكها ، وأقام الآخر بينة أنه اشتراها من مقيم البينة الأولى ، حكم ببينة الثاني ، ولا يحتاج أن يقول المقيم البينة : وأنت تملكها ، كما لا يحتاج أن يقول : لصاحب اليد ؛ لأن البينة تدل على الملك كما أن اليد تدل عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية