صفحة جزء
فصل

فيما جمع من فتاوى القفال وغيره . أن الضيعة إذا صارت معلومة بثلاثة حدود ، جاز الاقتصار على ذكرها ، وهذا خلاف ما سبق في باب [ ص: 94 ] القضاء على الغائب من إطلاق ابن القاص . قال القفال : لكن لو ذكر الشهود الحدود الأربعة وأخطئوا في واحد ، لم تصح شهادتهم ، فترك الذكر خير من الخطأ ؛ لأنهم إذا أخطئوا لم يكن بتلك الحدود ضيعة في يد المدعى عليه ، وإذا غلط المدعي ، فقال المدعى عليه : لا يلزمني تسليم دار بهذه الصفة كان صادقا . وإذا حلف كان بارا . وإن لم ينكر ، وقال : لا أمنعه الدار التي يدعيها ، سقطت دعوى المدعي ، فإن ذهب إلى الدار التي في يده ليدخلها ، فله أن يمنعه ، ويقول : هي غير ما ادعيت ، فأما إذا أصاب في الحدود ، فقال : لا أمنعك منها ، فليس له المنع إذا ذهب ليدخلها ، فإن قال : ظننت أنه غلط في الحدود ، لم يقبل ، وإن قال : إنما قلت : لا أمنعك ؛ لأن الدار لم تكن في يدي يومئذ ، وقد صارت في يدي وملكي ، قبل منه ، وله المنع إذا حلف . وفيه أن دعوى العبد على سيده أنه أذن له في التجارة لا تسمع إن لم يشتر ، ولم يبع شيئا . وإن اشترى ثوبا ، وجاء البائع يطلب الثمن من كسبه ، فأنكر ، السيد الإذن ، فللبائع أن يحلفه على نفي الإذن ، فإن حلف فللعبد أن يحلفه مرة أخرى ، ليسقط الثمن عن ذمته . وإن باع العبد عينا للسيد ، وقبض الثمن ، وتلف في يده ، فطلب المشتري تلك العين فقال السيد : لم آذن له في البيع ، حلف ، فإن حلف ، حكم ببطلان البيع ، والعبد يحلفه لإسقاطه الثمن عن ذمته . وأنه لو ادعى ألفا ، وأقام به شاهدا ، وأراد أن يحلف معه ، فأقام المدعى عليه شاهدا بأن المدعي أقر أنه لا حق عليه ، فللمدعى عليه أن يحلف مع شاهده ، فإذا حلف سقطت دعوى المدعي ، وأنه يجوز للمالك أن يدعي على [ ص: 95 ] الغائب وعلى الغاصب من الغاصب ، فإن ادعى على الأول أنه يلزمه رد الثوب بصفة كذا ، أو قيمته كذا ، فليس على الغاصب أن يحلف أنه لا يلزمه ؛ لأنه إن قدر على الانتزاع لزمه الانتزاع والرد ، وإلا فعليه القيمة . وأنهم لو شهدوا أن هذه الدار اشتراها المدعي من فلان ، وهو يملكها ، ولم يقولوا : هي الآن ملك المدعي ، ففي قبول شهادتهم قولان ، كما لو شهدوا أنه كان ملكه أمس ، والمفهوم من كلام الجمهور قبولها . وأنه لو ادعى قصاصا ، فاقتص الحاكم برواية راو روى حديثا يوجب القصاص في الواقعة ، ثم رجع الراوي ، وقال : كذبت وتعمدت ، لم يجب القصاص عليه بخلاف الشهادة ؛ لأن الرواية لا تختص بالواقعة . وأنه لو غصب المرهون من يد المرتهن ، قال الراهن في دعواه على الغاصب : لي ثوب كنت رهنته عند فلان ، وغصبته منه ، ويلزمه الرد إلي . ولو اقتصر على قوله : لي عنده ثوب صفته كذا ، ويلزمه رده إلي ، جاز ولا بعد في قوله : يلزمه رده إلي ؛ لأن يد المرتهن يد الراهن . ولهذا لو نازعه رجل في المرهون ، كان القول قول الراهن ، وإن كان في يد المرتهن ؛ لأن يده يده ، وأن الغريب إذا دخل بلدا لا يجوز الشهادة بأنه حر الأصل ، إنما تجوز الشهادة أن فلانا حر الأصل إذا عرف حال أبيه وأمه ، وعرف النكاح بينهما ، وتجوز الشهادة به ، وإن لم يشاهد الولادة ، كما تجوز الشهادة أنه ابن فلان ، وأنه لو ادعى دارا في يد رجل ، وأقام بينة أنه اشتراها منه ، وأقام صاحب اليد بينة أنه وهبها له ، ولم يتعرضا لتاريخ ، تعارضتا . وتظهر فائدة اختلافهما إذا ظهرت مستحقة أو معيبة ، وأراد الرد واسترداد الثمن . وأنه ادعى دارا في يد شخص ، وأقام بينة أنها ملكه ، فادعاها آخر ، وأقام بينة أنه اشتراها [ من ] رجل آخر يوم كذا ، ولم يقولوا : إنه كان يملكها يومئذ ، لكن [ ص: 96 ] أقام بينة أخرى أنه كان يملكها يومئذ ، سمعتا ، وصارتا كبينة ، فيحصل التعارض بينهما وبين بينة المدعي الأول . وأنه إذا ادعى دارا وأقام بينة أنها ملكه ، وتسلمها ، فادعاها آخر بعد مدة يسيرة ، أو طويلة ، وأقام بينة أنه اشتراها من المدعى عليه الذي كانت في يده ، وكان يملكها يومئذ ، قضي بالدار لهذا الأخير ، وكان كما لو أقام صاحب اليد البينة قبل الانتزاع منه ، فإنه لو كان بيده دار ، فادعى رجل أنه اشتراها من ثالث بعدما اشتراها الثالث من صاحب اليد ، وأنكر صاحب اليد ، فله أن يقيم بينة على البيعين ، وله أن يقيم على هذا بينة ، وعلى هذا بينة ، ولا بأس بالتقديم والتأخير . وأن الشهود إذا أرادوا أداء الشهادة بشراء دار ، تبدلت حدودها بعد الشراء قالوا : اشترى دارا من وقت كذا من فلان ، وهو يملكها ، وكان يومئذ ينتهي أحد حدودها إلى كذا ، والباقي إلى كذا ، ثم المدعي يقيم بينة بكيفية التبدل . وأنه لو ادعى دارا في يد رجل ، وأقام بينة أنها ملكه ، فقال القاضي : عرفت هذه الدار ملكا لفلان ، وقد مات ، وانتقلت إلى وارثه ، فأقم بينة على ملكك منه ، فله ذلك ، وتندفع بينته . وليكن هذا جوابا على أنه يقضي بعلمه . وأنه لو ادعى دارا في يد رجل ، فقال المدعى عليه : ليست الدار في يدي ، ولا أحول بينك وبينها ، فقد أسقط الدعوى عن نفسه ، فيذهب المدعي إلى الدار ، فإن لم يدفعه أحد فذاك ، وإن دفع ادعى على الدفع ، فلو قال المدعي : إنه يكذب في قوله : ليست في يدي ، ولا أحول ، لم يلتفت إليه . وأنه لو باع دارا ، فقامت بينة الحسبة أن أبا البائع وقفها ، وهو يملكها على ابنه البائع ، ثم على أولاده ، ثم المساكين ، نزعت من المشتري ، ويرجع بالثمن على البائع ، والغلة الحاصلة في حياة البائع تصرف إلى البائع إن كذب نفسه ، وصدق الشهود ، فإن أصر على إنكار [ ص: 97 ] الوقت ، لم تصرف إليه ، بل توقف ، فإذا مات ، صرفت إلى أقرب الناس إلى الواقف . ولو ادعى البائع أنه وقف لم تسمع بينته ، والتقييد بالبينة يشعر بسماع دعواه ، وتحليف خصمه . وقال العراقيون : تسمع بينته أيضا إذا لم يكن صرح بأنه ملكه ، بل اقتصر على البيع . وقال الروياني : لو باع شيئا ثم قال بعد : وأنا لا أملكه ، ثم ملكته بالإرث من فلان ، فإن قال حين باع : هو ملكي . لم تسمع دعواه ، ولا بينته وإن لم يقل ذلك ، بل اقتصر على قول : بعتك ، سمعت دعواه ، فإن لم يكن له بينة ، حلف المشتري أنه باعه ، وهو ملكه ، قال : وقد نص عليه في " الأم " وغلط من قال غيره ، وكذا لو ادعى أن المبيع وقف عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية