صفحة جزء
كتاب العتق

تظاهرت النصوص والإجماع على أنه قربة ، ويصح من كل مالك مطلق لا يصادف إعتاقه متعلق حق لازم لغيره ، فلا يصح إعتاق غير مالك إلا بوكالة أو ولاية ، ولا إعتاق صبي ومجنون ومحجور عليه بسفه . وفي المحجور لفلس والراهن والعبد الجاني خلاف سبق في التفليس والرهن والبيع ، والمريض مرض الموت يعتبر إعتاقه من الثلث ، ولا يصح إعتاق الموقوف عليه الموقوف ، ويصح إعتاق الذمي والحربي . وإذا أسلم عتيق الكافر ، فولاؤه ثابت عليه .

ويصح العتق بالصريح والكناية ، أما الصريح ، فالتحرير والإعتاق صريحان ، فإذا قال له : أنت حر ، أو محرر ، أو أحررتك ، أو أنت عتيق ، أو معتق ، أو أعتقتك ، عتق . وإن لم ينو ، ولا أثر للخطأ في التذكير والتأنيث ، بأن يقول للعبد : أنت حرة ، أو للأمة : أنت حر . وفك الرقبة صريح على الأصح . والكناية كقوله : لا ملك لي عليك ، أو لا [ ص: 108 ] سبيل ، أو لا سلطان ، أو لا يد ، أو لا أمر ، أو لا خدمة ، أو أزلت ملكي عنك ، أو حرمتك ، أو أنت سائبة ، أو أنت لله . وصرائح الطلاق وكناياته كلها كنايات في العتق . وقوله : أنت علي كظهر أمي كناية على الأصح ، لاقتضائه التحريم ، كقوله : حرمتك . ولو قال : وهبتك نفسك ، ونوى العتق ، عتق . فإن نوى التمليك ، فعلى ما سنذكره إن شاء الله تعالى في قوله : بعتك نفسك . ولو كانت أمته تسمى قبل جريان الرق عليها حرة ، فقال لها : يا حرة ، فإن لم يخطر له النداء باسمها القديم ، عتقت ، وإن قصد نداءها ، لم تعتق على الأصح ، وقيل : تعتق ; لأنه صريح . ولو كان اسمها في الحال حرة ، أو اسم العبد حر أو عتيق ، فإن قصد النداء ، لم يعتق . وكذا إن أطلق على الأصح .

وفي فتاوى الغزالي : أنه لو اجتاز بالمكاس ، فخاف أن يطالبه بالمكس عن عبده ، فقال : إنه حر ليس بعبد ، وقصد الإخبار ، لم يعتق فيما بينه وبين الله تعالى ، وهو كاذب في خبره . ومقتضى هذا أنه لا يقبل ظاهرا وأنه لو قال : افرغ من هذا العمل قبل العشاء ، وأنت حر ، وقال : أردت : حر من العمل ، دين ، ولا يقبل ظاهرا . وأنه لو زاحمته امرأة في طريق ، فقال : تأخري يا حرة ، فبانت أمته ، لم تعتق . ولو قال لعبد : يا مولاي ، فكناية ، ولو قال له : يا سيدي ، فقال القاضي حسين والغزالي : هو لغو . قال الإمام : الذي أراه أنه كناية .

فرع

قال لعبد غيره : أنت حر ، فهذا إقرار بحريته ، وهو باطل في الحال . فلو ملكه حكمنا بعتقه مؤاخذة له بإقراره . ولو قال لعبد الغير : قد أعتقتك ، قال الغزالي : إن ذكره في معرض الإنشاء ، فلغو ، [ ص: 109 ] أو في معرض الإقرار ، فيؤاخذ به إن ملكه . وقال القاضي حسين : هو إقرار ; لأن " قد " يؤكد معنى المضي في الفعل الماضي . قال الإمام : ومقتضى كلامه أن قوله : أعتقك بلا " قد " لا يكون إقرارا وإن كانت الصيغة في الوضع للماضي ، قال : وعندي لا فرق بينهما . والوجه أن يراجع ويحكم بموجب قوله ، فإن لم يفسر ، ترك ، وينبغي أن لا فرق بين قوله : أنت حر ، وقوله : أعتقتك .

التالي السابق


الخدمات العلمية