صفحة جزء
الحكم الثاني : السراية إلى الولد يجوز وطء المدبرة والمعلق عتقها بصفة ، لكمال الملك ، ونفاذ التصرف ، فإن أولدها ، صارت مستولدة ، وبطل التدبير على الأصح ، كما سبق . وفائدة الخلاف فيما لو قال : كل مدبر لي حر ، هل تعتق هي ؟ ولو أتت المدبرة بولد من نكاح أو زنى ، سرى التدبير إليه على الأظهر عند الأكثرين ، منهم الشيخان أبو حامد والقفال ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد رحمهم الله ، كما يتبع ولد المستولدة والأضحية والهدي أمه .

قلت : بل الأظهر عند الأكثرين أنه لا يتبعها . والله أعلم .

ولو ولدت المعلق عتقها بصفة ، لم يتبعها الولد على الأظهر ، وولد الموصى بها لا يتبعها على المذهب . وقال الشيخ أبو محمد : يحتمل طرد القولين ، فإذا جعلنا ولد المدبرة مدبرا ، فماتت في حياة السيد ، لم يبطل التدبير في الولد ، كما لو دبر عبدين فمات أحدهما قبل السيد ، [ ص: 204 ] وكما لو ماتت المستولدة لا يبطل حق الولد . ولو رجع السيد عن تدبير أحدهما باللفظ وجوزناه ، أو باع أحدهما ، لم يبطل التدبير في الآخر . ولو كان الثلث لا يفي إلا بأحدهما ، فوجهان ، أصحهما وبه قال ابن الحداد : يقرع بينهما ، كعبدين ضاق الثلث عنهما ، والثاني : يقسم العتق عليهما ، لئلا تخرج القرعة على الولد فيعتق ، ويرق الأصل .

وإذا قلنا : المعلق عتقها بصفة يتبعها الولد ، فمعناه أن الصفة إذا وجدت فيها وعتقت ، عتق الولد ، ولا تعتبر الصفة فيه . ولو وجدت الصفة منه ، فلا أثر لها . هذا هو الصحيح المعروف في المذهب . وقال الشيخ أبو محمد : مقتضى سراية التعليق أن عتقه بنفس الصفة ، وهي دخول الدار مثلا ، فعلى هذا لا يعتق هو بدخولها ، ويعتق بدخوله .

ولو بطل التعليق فيها بموتها ، بطل في الولد . ومقتضى قول الشيخ أبي محمد أن لا يبطل فيه . ولو قال لأمته : أنت حرة بعد موتي بعشر سنين مثلا ، فإنما يعتق بعد مضي تلك المدة من يوم الموت ، فلو ولدت قبل موت السيد ، فهل يتبعها الولد في حكم الصفة ؟ فيه القولان .

وإن ولدت بعد موت السيد وقبل مضي المدة ، فقد نص الشافعي رحمه الله أنه يتبعها ، فقيل : فيه القولان كما قبل الموت ، وإنما فرع على أحدهما ، وقيل : يتبعها قطعا لتأكد سبب العتق ، إذ ليس للوارث التصرف فيها ، فأشبهت المستولدة ، فعلى هذا يعتق الولد من رأس المال كولد المستولدة . وأما ولد المدبر ، فلا يؤثر تدبير أبيه فيه ، وإنما يتبع الأم في الرق والحرية .

فرع

هذا الذي ذكرناه في ولد المدبرة ، هو فيما إذا حدث بعد التدبير ، وانفصل قبل موت السيد ، فأما إذا كانت حاملا عند موت السيد ، فيعتق معها الحمل بلا خلاف ، كما لو أعتق حاملا ، فإن لم يحتملها [ ص: 205 ] الثلث حاملا ، عتق منها قدر الثلث ، وكذا المعلق عتقها على صفة لو كانت حاملا عند وجود الصفة . ولو كانت المدبرة حاملا عند التدبير ، فطريقان : أحدهما : أنه على القولين في أن الحمل هل يعرف ؟ إن قلنا : نعم وهو الأظهر ، فالولد مدبر ، وإلا ففيه القولان في الولد الحادث ، والمذهب القطع بأنه مدبر . وإن قلنا : لا يعرف الحمل كما يدخل في البيع . وإن قلنا : لا يعرف وليس هو بسراية التدبير بل اللفظ يتناوله وإنما يعرف كونه موجودا عند التدبير إذا ولدته لدون ستة أشهر ، فإن ولدته لأكثر من أربع سنين من وقت التدبير ، فهو حادث ، وإن ولدته لما بينهما ، نظر ، هل لها زوج يفترشها أم لا ، وقد سبقت نظائره في مواضع . وإن كان لها زوج قد فارقها قبل التدبير ، وولدت لدون أربع سنين من وقت الفراق ، فالأظهر أنه يجعل موجودا يوم التدبير ، كما يجعل موجودا في ثبوت النسب من الزوج .

فرع

إذا ثبت التدبير في الحمل ، ثم انفصل ، فرجوع السيد في التدبير عن أحدهما لا يرفع التدبير في حق الآخر . وإن رجع قبل الانفصال عن تدبير الحمل ، وجوزنا الرجوع باللفظ ، ارتفع التدبير فيه ، وبقي في الأم . وقيل : لا يصح الرجوع فيه ما دام حملا مع بقاء التدبير في الأم ، والصحيح الأول . وإن رجع في تدبير الأم ، نظر ، إن قال : رجعت في تدبيرها دون الولد ، لم يخف حكمه ، وإن أطلق ، فوجهان ، أحدهما : يتبعها في الرجوع ، كما يتبعها في التدبير ، وأصحهما : لا يتبعها كالرجوع بعد الانفصال ، بخلاف التدبير ، فإن فيه معنى العتق ، وللعتق قوة . وإذا رجع في تدبيرها دون الولد ، ثم ولدت لدون ستة أشهر من وقت الرجوع ، فهو مدبر . وإن أتت به لأكثر من ذلك ، ولها زوج يفترشها ، لم يكن مدبرا ; لأنه لا يعلم وجوده قبل الرجوع .

التالي السابق


الخدمات العلمية