صفحة جزء
[ ص: 278 ] فصل

وأما تصرفات المكاتب ، فهو كالحر في معظمها ، فيبيع ويشتري ، ويؤجر ويستأجر ، ويأخذ بالشفعة ، ويقبل الهبة ، والوصية ، والصدقة ، ويصطاد ويحتطب ، ويؤدب عبيده إصلاحا للمال ، كما يقصدهم ويختنهم .

وفي إقامته الحدود عليهم خلاف سبق في الحدود . ولو أجر نفسه أو عبيده أو أمواله ، فعجزه السيد في المدة انفسخ العقد .

وقيل : لا يجوز أن تزيد مدة الإجارة على مدة النجوم ، ولا يصح منه تصرف فيه تبرع أو خطر . هذا هو القول الجملي فيه وفي تفصيله صور .

إحداها : لا يصح إعتاقه ولا إبراؤه عن دين ولا هبة مجانا ، ولا بشرط الثواب ؛ لأن في قدر الثواب خلافا ، فقد يحكم القاضي بقليل .

وإن شرط فيها ثوابا معلوما ، ولم يكن [ فيه ] غبن ، وقلنا : هذه الهبة بيع ، ولا يشترط في ثبوت الملك الإقباض ، فهي جارية على قياس البيوع .

وكذا إن شرطنا الإقباض صحت الهبة ، لكن لا يسلمها حتى يقبض العوض .

الثانية : قال الشيخ أبو محمد : لا يحل له التبسط في الملابس والمآكل ، ولا يكلف فيها التقتير المفرط .

الثالثة : ليس له دفع المال إلى غيره قراضا ؛ لأنه قد يخون أو يموت فيضيع . وله أن يأخذه إقراضا ؛ لأنه أكساب ، وليس له أن يقرض ، وله أن يقترض ، وليس له تعجيل دين مؤجل .

[ ص: 279 ] الرابعة : ليس له شراء أحد من أصوله وفروعه لتضمنه العتق . فلو وهب له قريبه ، أو أوصى له به ، فإن لم يقدر على الكسب لهرم أو زمانة وعجز وكان بحيث يلزمه نفقته ، لم يجز قبوله . وقيل : يجوز قبول الزمن ، وهو ضعيف .

وإن كان كسوبا يقوم بكفاية نفسه استحب قبوله ، إذ لا ضرر فيه ، ثم لا يعتق عليه لضعف ملكه ، بل يكاتب عليه فيعتق بعتقه ، ويرق برقه ، وليس له بيعه .

وعن ابن أبي هريرة : أنه يجوز بيعه . قال الشيخ أبو علي : هذا غلط ، وتكون نفقته في كسبه ، وما فضل فللمكاتب أن يستعين به في أداء النجوم ، فإن مرض أو عجز أنفق المكاتب عليه ؛ لأنه من صلاح ملكه ، فإن جنى بيع في الجناية ، وليس للمكاتب أن يفديه بخلاف ما إذا جنى عبده له أن يفديه لأن الرقبة تبقى له يصرفها في النجوم .

الخامسة : ليس له الشراء بالمحاباة ، ولا البيع بالغبن ، ولا بالنسيئة . ولو استوثق برهن وكفيل ، فلو باع ما يساوي مائة بمائة نقدا ، أو مائة نسيئة جاز ولو اشترى نسيئة بثمن النقد جاز ، ولا يرهن به ؛ لأنه قد يتلف الرهن .

وإن اشتراه بثمن نسيئة لم يجز ، ذكره البغوي لما فيه من التبرع ، وذكره الروياني في " جمع الجوامع " أنه يجوز إذ لا غبن .

وقد سبق في كتاب " الرهن " حكاية وجه أن المكاتب كولي الطفل في البيع نسيئة ، والرهن والارتهان ، والصحيح الذي عليه الجمهور الفرق .

السادسة : إذا باع أو اشترى لم يسلم ما في يده حتى يتسلم العوض ؛ لأن رفع اليد عن المال بلا عوض نوع غرر ، وكذا ليس له السلم ؛ لأنه يقتضي تسليم رأس المال في المجلس ، وانتظار المسلم فيه ، لا سيما إن كان سلما مؤجلا .

وقيل : يجوز [ السلم حالا ، ويسلم رأس المال ، ثم يتسلم المسلم فيه في المجلس . وقيل : يجوز ] مطلقا بشرط الغبطة ، والصحيح الأول .

[ ص: 280 ] السابعة : ليس له أن يكاتب عبده ، فلو كاتبه ، فأدى المال لم يعتق لأن تعليقه غير صحيح ، ولا يتزوج ، ولا يزوج عبده ، لما فيه من المؤن ، ولا يتزوج المكاتبة ؛ لأن ذلك ينقصها .

وله شراء الجواري للتجارة ، ولا يجوز له التسري خوفا من هلاك الجارية في الطلق ، ولضعف الملك .

وقال الشيخ أبو محمد : لا يبعد إجراء الوجهين في وطء من يؤمن حبلها كما في المرهونة .

قال الإمام : هذا غير مرضي .

الثامنة : إذا لزم المكاتب كفارة قتل أو ظهار ، أو وطء في نهار رمضان ، أو يمين كفر بالصوم دون المال ؛ لأن ملكه ليس بتمام ، وهو مستحق لجهة الكتابة .

فرع

جميع ما منعناه في هذه الصور مفروض فيما إذا لم يأذن له السيد ، فإن أذن فسنذكره عقيبه إن شاء الله تعالى .

فرع

وصية المكاتب باطلة سواء أوصى بعين أو ثلث ماله ؛ لأن ملكه غير تمام .

التالي السابق


الخدمات العلمية