صفحة جزء
فصل

فيمن يغسل الميت

الأصل أن يغسل الرجال الرجال ، والنساء النساء . وأولى الرجال بالرجل ، أولاهم بالصلاة عليه . وسيأتي ترتيبهم - إن شاء الله تعالى - . والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال ، وليس للرجل غسل المرأة إلا لأحد أسباب ثلاثة . أحدها : الزوجية ، فله غسل زوجته المسلمة والذمية ، ولها غسله وإن تزوج أختها أو أربعا سواها على الصحيح . الثاني : المحرمية ، وظاهر كلام الغزالي ، تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء ، لكن لم أر لعامة الأصحاب تصريحا بذلك ، وإنما يتكلمون في [ ص: 104 ] الترتيب ، ويقولون : المحارم بعد النساء أولى . الثالث : ملك اليمين ، فللسيد غسل أمته ، ومدبرته ، وأم ولده ، ومكاتبته ، لأن كتابتها ترتفع بموتها . فإن كن مزوجات ، أو معتدات ، لم يكن له غسلهن .

قلت : والمستبرأة كالمعتدة . - والله أعلم - .

فرع

للمرأة غسل زوجها ، فإن طلقها رجعيا ومات أحدهما في العدة ، لم يكن للآخر غسله ، لتحريم النظر في الحياة . وإلى متى تغسل زوجها ؟ فيه أوجه . أصحها : أبدا . والثاني : ما لم تنقض عدتها بأن تضع حملا عقيب موته . والثالث : ما لم يتزوج . وإذا غسل أحد الزوجين صاحبه ، لف على يده خرقة ولا يمسه ، فإن خالف ، قال القاضي حسين : يصح الغسل ولا يبنى على الخلاف في انتقاض طهر الملموس .

قلت : وأما وضوء الغاسل ، فينتقض ، قاله القاضي حسين . - والله أعلم - .

فرع

هل للأمة ، والمدبرة ، وأم الولد ، غسل السيد ؟ وجهان . أصحهما : لا يجوز . وليس للمكاتبة غسله بلا خلاف ، لأنها كانت محرمة عليه .

قلت : والمزوجة ، والمعتدة ، والمستبرأة ، كالمكاتبة . صرح به في ( التهذيب ) وغيره . - والله أعلم - .

[ ص: 105 ] فرع : لو مات رجل وليس هناك إلا امرأة أجنبية ، أو ماتت امرأة وليس هناك إلا رجل أجنبي ، فوجهان . أصحهما عند العراقيين ، والروياني ، والأكثرين : لا يغسل ، بل ييمم ويدفن . والثاني وهو قول القفال ، ورجحه إمام الحرمين ، والغزالي : يغسل في ثيابه ، ويلف الغاسل خرقة على يده ، ويغض طرفه ما أمكنه ، فإن اضطر للنظر ، نظر للضرورة .

قلت : حكى صاحب ( الحاوي ) هذا الثاني عن نص الشافعي - رضي الله عنه - ، وصححه . وحكى صاحب ( البيان ) وغيره وجها ثالثا : أنه يدفن ، ولا يغسل ، ولا ييمم ، وهو ضعيف جدا . - والله أعلم - .

فرع

إذا مات الخنثى المشكل وليس هناك محرم له من الرجال أو النساء ، فإن كان صغيرا ، جاز للرجال والنساء غسله ، وكذا واضح الحال من الأطفال ، يجوز للفريقين غسله ، كما يجوز مسه والنظر إليه . وإن كان الخنثى كبيرا ، فوجهان ، كمسألة الأجنبي ، أحدهما : ييمم ويدفن . والثاني : يغسل . وفيمن يغسله أوجه . أصحها وبه قال أبو زيد : يجوز للرجال والنساء جميعا غسله للضرورة ، واستصحابا لحكم الصغر . والثاني : أنه في حق الرجال كالمرأة ، وفي حق النساء كالرجل ، أخذا بالأحوط . والثالث : يشترى من تركته جارية لتغسله ، فإن لم يكن تركة ، اشتريت من بيت المال . قال الأئمة : وهذا ضعيف ، لأن إثبات الملك ابتداء [ ص: 106 ] لشخص بعد موته مستبعد ، ولو ثبت ، فالأصح أن الأمة لا تغسل سيدها . والمراد بالصغير : من لم يبلغ حدا يشتهى مثله ، وبالكبير من بلغه .

التالي السابق


الخدمات العلمية