صفحة جزء
باب

الدفن

قد تقدم أنه فرض كفاية . ويجوز في غير المقبرة ، لكن فيها أفضل . فلو [ ص: 132 ] قال بعض الورثة : يدفن في ملكه ، وبعضهم : في المقبرة المسبلة ، دفن في المسبلة . ولو بادر بعضهم فدفنه في الملك ، كان للباقين نقله إلى المسبلة ، والأولى أن لا يفعلوا . ولو أراد بعضهم دفنه في ملك نفسه ، لم يلزم الباقين قبوله . فلو بادر إليه ، قال ابن الصباغ : لم يذكره الأصحاب ، وعندي : أنه لا ينقل ، فإنه هتك ، وليس في بقائه إبطال حق الغير .

قلت : وفي ( التتمة ) القطع بما قاله صاحب ( الشامل ) . - والله أعلم - .

ولو اتفقوا على دفنه في ملكه ، ثم باعوه ، لم يكن للمشتري نقله ، وله الخيار في فسخ البيع إن كان جاهلا . ثم إذا بلي ، أو اتفق نقله ، فذلك الموضع للبائعين ، أم للمشتري ؟ فيه وجهان سيأتي نظائرهما في البيع - إن شاء الله تعالى - .

فصل

أقل ما يجزئ في الدفن حفرة تكتم رائحة الميت ، وتحرسه عن السباع لعسر نبش مثلها غالبا . أما الأكمل ، فيستحب توسيع القبر ، وتعميقه قدر قامة وبسطة ، والمراد قامة رجل معتدل يقوم ويبسط يده مرفوعة . والقامة والبسطة : ثلاثة أذرع ونصف ، وفيه وجه : أنه قامة فقط ، وهي ثلاثة أذرع ، والمعروف الأول .

قلت : وكذا قال المحاملي : إن القامة والبسطة ثلاثة أذرع ونصف . وقال الجمهور : أربعة أذرع ونصف ، وهو الصواب . - والله أعلم - .

[ ص: 133 ] فرع

يجوز الدفن في الشق واللحد فاللحد : أن يحفر حائط القبر مائلا عن استوائه من أسفله قدر ما يوضع فيه الميت ، وليكن من جهة القبلة . والشق : أن يحفر وسطه كالنهر ، ويبنى جانباه باللبن أو غيره ، ويجعل بينهما شق يوضع فيه الميت ويسقف . وأيهما أفضل ؟ فإن كانت الأرض صلبة ، فاللحد أفضل ، وإلا ، فالشق .

فرع

السنة أن يوضع الميت عند أسفل القبر ، بحيث يكون رأسه عند رجل القبر . ثم يسل من جهة رأسه سلا رفيقا . ولا يدخل القبر إلا الرجال متى وجدوا ، رجلا كان الميت أو امرأة . وأولاهم بالدفن أولاهم بالصلاة ، إلا أن الزوج أحق بدفن زوجته ، ثم بعده المحارم ، الأب ، ثم الجد ، ثم الابن ، ثم ابن الابن ثم الأخ ، ثم ابن الأخ ، ثم العم ، فإن لم يكن أحد منهم ، فعبيدها وهم أحق من بني العم ، لأنهم كالمحارم في جواز النظر ونحوه على الأصح . فإن قلنا : إنهم كالأجانب ، لم يتوجه تقديمهم ، فإن لم يكن عبيدها ، فالخصيان أولى ، لضعف شهوتهم . فإن لم يكونوا ، فذوو الأرحام الذين لا محرمية لهم ، فإن لم يكونوا ، فأهل الصلاح من الأجانب . قال إمام الحرمين : وما أرى تقديم ذوي الأرحام محتوما ، بخلاف المحارم ، لأنهم كالأجانب في وجوب الاحتجاب عنهم . وقدم صاحب ( العدة ) نساء القرابة على الرجال الأجانب ، وهو خلاف النص ، وخلاف المذهب المعروف .

[ ص: 134 ] فرع

إن استقل بوضع الميت في القبر واحد ، بأن كان طفلا ، فذاك ، وإلا ، فالمستحب أن يكون عددهم وترا ، ثلاثة ، أو خمسة ، على حسب الحاجة ، وكذا عدد الغاسلين . ويستحب أن يستر القبر عند الدفن بثوب ، رجلا كان أو امرأة ، والمرأة آكد . واختار أبو الفضل بن عبدان من أصحابنا : أن الاستحباب مختص بالمرأة ، والمذهب الأول . ويستحب لمن يدخله القبر أن يقول : باسم الله ، وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم يقول : اللهم أسلمه إليك الأشحاء من ولده وأهله وقرابته وإخوانه ، وفارقه من كان يحب قربه ، وخرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ، ونزل بك وأنت خير منزول به ، إن عاقبته فبذنبه ، وإن عفوت عنه ، فأهل العفو أنت ، أنت غني عن عذابه ، وهو فقير إلى رحمتك ، اللهم تقبل حسنته ، واغفر سيئته ، وأعذه من عذاب القبر ، واجمع له برحمتك الأمن من عذابك ، واكفه كل هول دون الجنة ، اللهم واخلفه في تركته في الغابرين ، وارفعه في عليين ، وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين . وهذا الدعاء نص عليه الشافعي - رحمه الله - في ( المختصر ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية