صفحة جزء
فصل

إذا بلغت ماشيته حدا يخرج فرضه بحسابين كمائتين من الإبل ، فهل الواجب خمس بنات لبون ، أو أربع حقاق ؟ قال في القديم : الحقاق ، وفي الجديد : أحدهما . قال الأصحاب : فيه طريقان ، أحدهما : على قولين . أظهرهما : الواجب أحدهما . والثاني : الحقاق . والطريق الثاني : القطع بالجديد ، وتأولوا القديم . فإن أثبتنا القديم وفرعنا عليه ، نظر ، إن وجد الحقاق بصفة الإجزاء لم يجز غيرها ، وإلا نزل منها إلى بنات اللبون ، أو صعد إلى الجذاع مع الجبران ، وإن فرعنا على المذهب وهو أحدهما ، فللمسألة أحوال .

أحدهما : أن يوجد في المال القدر الواجب من أحد الصنفين بكماله دون الآخر ، فيؤخذ ولا يكلف تحصيل الصنف الآخر ، وإن كان أنفع للمساكين ، ولا يجوز الصعود ولا النزول مع الجبران ؛ إذ لا ضرورة إليه ، وسواء عدم جميع الصنف الآخر أم بعضه ، فهو كالمعدوم . وكذا لو وجد الصنفان وأحدهما معيب ، فكالمعدوم .

الحال الثاني : أن لا يوجد في ماله شيء من الصنفين ، أو يوجد ، أو هما معيبان . فإذا أراد تحصيل أحدهما بشراء أو غيره ، فالأصح أن له أن يحصل أيهما شاء . والثاني : يجب تحصيل الأغبط للمساكين ، وله أن لا يحصل الحقاق ولا بنات [ ص: 158 ] اللبون ، بل ينزل أو يصعد مع الجبران ، فإن شاء جعل الحقاق أصلا ، وصعد إلى أربع جذاع فأخرجها وأخذ أربع جبرانات ، وإن شاء جعل بنات اللبون أصلا ونزل إلى خمس بنات مخاض ، فأخرجها ودفع معها خمس جبرانات ، ولا يجوز أن يجعل الحقاق أصلا وينزل إلى أربع بنات مخاض ويدفع ثماني جبرانات ، ولا أن يجعل بنات اللبون أصلا ويصعد إلى خمس جذاع ويأخذ عشر جبرانات ؛ لإمكان تقليل الجبران . وفي وجه شاذ أنه يجوز الصعود والنزول المذكوران ، وليس بشيء .

الحال الثالث : أن يوجد الصنفان بصفة الإجزاء ، فالمذهب والذي نص عليه الشافعي - رحمه الله - وقاله جمهور الأصحاب : يجب الأغبط للمساكين . وقال ابن سريج : المالك بالخيار فيهما ، لكن يستحب له إخراج الأغبط ، إلا أن يكون ولي يتيم ، فيراعي حظه . وإذا قلنا بالمذهب فأخذ الساعي غير الأغبط ، ففيه أوجه ؛ الصحيح الذي اعتمده الأكثرون أنه إن كان بتقصير ، إما من الساعي بأن أخذه مع علمه ، أو أخذه بلا اجتهاد ، وظن أنه الأغبط ، وإما من المالك ، بأن دلس وأخفى الأغبط - لم يقع المأخوذ من الزكاة . وإن لم يقصر واحد منهما وقع عن الزكاة . والوجه الثاني ، قاله ابن خيران وقطع به في التهذيب : إن كان باقيا في يد الساعي بعينه لم يقع عن الزكاة وإن لم يقصر واحد منهما ، وإلا وقع . والثالث : يقع عنهما بكل حال . والرابع : لا يقع بحال . والخامس : إن فرقه على المستحقين ، ثم ظهر الحال ، حسب عن الزكاة بكل حال ، وإلا لم يحسب . والسادس : إن دفع المالك مع علمه بأنه الأدنى ، لم يجزه ، وإن كان الساعي هو الذي أخذه ، جاز . وحيث قلنا : لا يقع المأخوذ عن الزكاة ، فعليه إخراجها ، وعلى الساعي رد ما أخذه إن كان باقيا ، وقيمته إن كان تالفا . وحيث قلنا : يقع ، فهل يجب إخراج قدر التفاوت ؟ وجهان ، أصحهما : يجب . والثاني : يستحب كما إذا أدى اجتهاد الإمام إلى أخذ القيمة ، وأخذها ، لا يجب شيء آخر . قال أصحابنا : وإنما يعرف التفاوت بالنظر إلى القيمة ، فإذا كانت قيمة الحقاق أربعمائة [ ص: 159 ] وقيمة بنات اللبون أربعمائة وخمسين ، وقد أخذ الحقاق ، فالتفاوت خمسون ، فلو كان التفاوت يسيرا لا يحصل به شقص ناقة ، دفع الدراهم للضرورة ، وأشار صاحب التقريب إلى أنه يتوقف إلى وجود شقص ، وليس بشيء ، فإن يحصل به شقص فوجهان . أحدهما : يجب شراؤه . وأصحهما : يجوز دفع الدراهم لضرر المشاركة ، ولأنه قد يعدل إلى غير الجنس الواجب للضرورة ، كمن وجب عليه شاة في خمس من الإبل ، فلم يجد شاة ، فإنه يخرج قيمتها ، وكمن لزمته بنت مخاض ، فلم يجدها ولا ابن لبون ، لا في ماله ولا بالثمن ، فإنه يعدل إلى القيمة . فإذا جوزنا الدراهم ، فأخرج شقصا ، جاز . قال في النهاية : وفيه أدنى نظر ؛ لما فيه من العسر على المساكين وإن أوجبنا الشقص ، فيكون من الأغبط ، أم من المخرج ؟ فيه أوجه . أصحها : من الأغبط ؛ لأنه الأصل . والثاني : من المخرج ؛ لئلا يتبعض . والثالث : يتخير بينهما . ففي المثال المتقدم ، يخرج على الأصح خمسة أتساع بنت لبون . وعلى الثاني : نصف حقة ، ثم إذا أخرج شقصا ، وجب صرفه إلى الساعي على قولنا : يجب الصرف إلى الإمام في الأموال الظاهرة ، وإذا أخرج الدراهم ، فوجهان ، أحدهما : لا يجب الصرف إليه ؛ لأنها من الباطنة . والثاني : يجب ، لأنها جبران الظاهرة .

قلت : هذا الثاني أصح ، والله أعلم .

وإطلاق الأصحاب الدراهم في هذا الفصل ، يشبه أن يكون مرادهم به نقد البلد ، دراهم كان أو دنانير ، كما صرح به الشيخ إبراهيم المروذي .

قلت : مرادهم نقد البلد قطعا ، وصرح به جماعة ، منهم القاضي حسين وغيره ، وعليه يحمل قول صاحب الحاوي وإمام الحرمين وغيرهما : دراهم أو دنانير ، يعنيان أيهما كان نقد البلد ، والله أعلم .

الحال الرابع : أن يوجد بعض كل صنف ، بأن يجد ثلاث حقاق وأربع بنات لبون ، فهو بالخيار ، إن شاء جعل الحقاق أصلا فدفعها مع بنت لبون [ ص: 160 ] وجبران ، وإن شاء جعل بنات اللبون أصلا فدفعها مع حقة وأخذ جبرانا ، وهل يجوز أن يدفع حقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات ؟ وجهان . ويجري الوجهان فيما إذا لم يجد إلا أربع بنات لبون وحقة ، فدفع الحقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات ونظائره . والأصح الجواز . قال في التهذيب : ويجوز في الصورة الأولى أن يعطي الحقاق مع جذعة ويأخذ جبرانا ، وأن يعطي بنات اللبون وبنت مخاض مع جبران .

الحال الخامس : أن يوجد بعض أحد الصنفين ولا يوجد من الآخر شيء ، كما إذا لم يجد إلا حقتين ، فله إخراجهما مع جذعتين ، ويأخذ جبرانين ، وله أن يجعل بنات اللبون أصلا ، فيخرج بدلهن خمس بنات مخاض مع خمس جبرانات . ولو لم يجد إلا ثلاث بنات لبون ، فله إخراجهن مع بنتي مخاض وجبرانين ، وله أن يجعل الحقاق أصلا ، ويخرج أربع جذعات بدلها ، ويأخذ أربع جبرانات . كذا ذكر في التهذيب الصورتين ، ولم يحك خلافا ، وينبغي أن يكون فيه الوجهان السابقان ، ولعله فرعه على الأصح .

فرع

إذا بلغت البقر مائة وعشرين ، ففيها أربعة أتبعة ، أو ثلاث مسنات ، وحكمها حكم بلوغ الإبل مائتين في جميع الخلاف والتفريع المتقدم .

فرع

لو أخرج صاحب المائتين من الإبل حقتين وبنتي لبون ونصفا ، لم يجز ، ولو ملك أربع مائة ، فعليه ثماني حقاق ، أو عشر بنات لبون ، ويعود فيها جميع ما في المائتين من الخلاف والتفريع . ولو أخرج عنها أربع حقاق وخمس بنات لبون ، [ ص: 161 ] جاز على الصحيح الذي قطع به الجمهور ، ومنعه الإصطخري لتفريق الفرض ، كما لو فرقه في المائتين . قال الجمهور : كل مائتين أصل منفرد ، فهو ككفارتين ، يطعم في إحداهما ، ويكسو في الأخرى . وأما المائتان ، فالتفريق فيهما كالتفريق في الكفارة الواحدة ، على أن المانع في المائتين ليس هو مجرد التفريق ، بل المانع التشقيص ، ألا ترى أنه لو أخرج حقتين وثلاث بنات لبون أو أربع بنات لبون وحقة ، جاز . ويجري هذا الخلاف متى بلغ المال ما يخرج منه بنات اللبون والحقاق بلا تشقيص .

فإن قيل : ذكرتم أن الساعي يأخذ الأغبط ، ويلزم من ذلك أن يكون أغبط الصنفين هو المخرج ، فكيف يخرج البعض من هذا والبعض من ذاك ؟

فالجواب ما أجاب به ابن الصباغ . قال : يجوز أن لهم حظا ومصلحة في اجتماع النوعين وفي هذا أن جهة الغبطة غير منحصرة في زيادة القيمة ، لكن إذا كان التفاوت لا من جهة القيمة ، يتعذر إخراج قدر التفاوت .

التالي السابق


الخدمات العلمية