صفحة جزء
فصل

الركاز دفين الجاهلية ، ويجب فيه الخمس ، ويصرف مصرف الزكوات على المذهب . وحكي قول - وقيل : وجه - أنه يصرف مصرف خمس خمس الفيء ، ولا يشترط الحول فيه بلا خلاف . والمذهب : اشتراط النصاب وكون الموجود ذهبا أو فضة . وقيل : في اشتراط ذلك قولان . الجديد : الاشتراط .

[ ص: 287 ] فرع

لو كان الموجود على ضرب الإسلام ، بأن كان عليه شيء من القرآن أو اسم ملك من ملوك الإسلام ، لم يملكه الواحد بمجرد الوجدان ، بل يرده إلى مالكه إن علمه ، فإن لم يعلمه فوجهان ، الصحيح الذي قطع به الجمهور : هو لقطة يعرفه الواجد سنة ، ثم له تملكه إن لم يظهر مالكه . وقال الشيخ أبو علي : هو مال ضائع يمسكه الآخذ للمالك أبدا ، أو يحفظه الإمام له في بيت المال ، ولا يملك بحال ، كما لو ألقت الريح ثوبا في حجره ، أو مات مورثه عن ودائع وهو لا يعرف مالكها . وإنما يملك بالتعريف ما ضاع من المارة ، دون ما حصنه المالك بالدفن . ونقل البغوي عن القفال نحو هذا .

قال الإمام : ولو انكشفت الأرض عن كنز بسيل ونحوه ، فما أدري ما قول الشيخ فيه ، والمال البارز ضائع ، قال : واللائق بقياسه أن لا يثبت فيه حق التمليك اعتبارا بأصل الموضع ، ولو لم يعرف أن الموجود من ضرب الجاهلية أو الإسلام فقولان ، أظهرهما وأشهرهما : ليس بركاز ، والثاني : ركاز فيخمس . وعلى الأظهر : يكون لقطة على قول الجمهور .

وعن الشيخ أبي علي موافقة الجمهور هنا . وعنه أيضا وجهان ، أحدهما : الموافقة ، والثاني أنه مال ضائع كما قال في الصورة السابقة . ثم يلزم من كون الركاز على ضرب الإسلام كونه دفن في الإسلام ، ولا يلزم من كونه على ضرب الجاهلية كونه دفن في الجاهلية ؛ لاحتماله أنه وجده مسلم بكنز جاهلي ، فكنزه ثانيا ، فالحكم مدار على كونه من دفن الجاهليين ، لا على كونه ضرب الجاهلية .

[ ص: 288 ] فرع

الكنز الموجود بالصفة المتقدمة تارة يوجد في دار الإسلام ، وتارة في دار الحرب . فالذي في دار الإسلام ، إن وجد في موضع لم يعمره مسلم ولا ذو عهد فهو ركاز ، سواء كان مواتا أو من القلاع العادية التي عمرت في الجاهلية . فإن وجد في طريق مسلوكة فالمذهب والذي قطع به العراقيون والقفال أنه لقطة . وقيل : ركاز . وقيل : وجهان . والموجود في المسجد لقطة على المذهب . ويجيء فيه الوجه الذي في الطريق أنه ركاز . وما عدا هذه المواضع ، ينقسم إلى مملوك وموقوف ، فالمملوك إن كان لغيره ووجد فيه كنزا ، لم يملكه الواجد ، بل إن ادعاه مالكه ، فهو له بلا يمين ، كالأمتعة في الدار ، وإلا فهو لمن تلقى صاحب الأرض الملك منه . وهكذا إلى أن ينتهي إلى الذي أحيا الأرض ، فيكون له وإن لم يدعه ؛ لأنه بالإحياء ملك ما في الأرض ، وبالبيع لم يزل ملكه عنه ، فإنه مدفون منقول . فإن كان من تلقى الملك عنه هالكا فورثته قائمون مقامه . فإن قال بعض ورثته : هو لمورثنا ، وأباه بعضهم - سلم نصيب المدعي إليه ، وسلك بالباقي ما ذكرناه . هذا كله كلام الأئمة صريحا وإشارة .

ومن المصرحين بملك الركاز بإحياء الأرض القفال . ورأى الإمام تخريج ملك الركاز بالإحياء على ما لو دخلت ظبية دارا فأغلق صاحبها الباب لا على قصد ضبطها . وفيه وجهان أصحهما : لا يملكها ، ولكن يصير أولى بها . كذلك المحيي يصير أولى بالكنز . ثم إذا قلنا : الكنز يملك بالإحياء ، وزالت رقبة الأرض عن ملكه ، فلا بد من طلبه ورده إليه . وإن قلنا : لا يملكه ، ولكن يصير أولى به ، فلا يبعد أن يقال : إذا زال ملكه عن رقبة الأرض بطل اختصاصه . كما أن في مسألة الظبية إذا قلنا : لا يملكها ، ففتح الباب وأفلتت ، ملكها من اصطادها .

التفريع : إن قلنا : المحيي لا يملك بالإحياء ، فإذا دخل في ملكه ، أخرج [ ص: 289 ] الخمس ، وإلا فإذا احتوت يده على الكنز نفسه وقد مضى سنون ، فلا بد من إخراج الخمس الذي لزمه يوم ملكه . وفيما مضى من السنين ، يبنى وجوب ربع العشر في الأخماس الأربعة على الخلاف في الضال والمغصوب ، وفي الخمس كذلك إن قلنا : تتعلق الزكاة بالعين ، وإلا فعلى ما ذكرنا إذا لم يملك إلا نصابا وتكرر الحول عليه . أما إذا كان الموضع الذي وجد فيه الكنز للواجد ، فإن كان أحياه فما وجده ركاز ، وعليه خمسه في وقت دخوله في ملكه كما سبق . وقال الغزالي : فيه وجهان بناء على ما قاله الإمام ، وإن كان انتقل إليه من غيره ، لم يحل له أخذه ، بل عليه عرضه على من ملكه عنه . وهكذا حتى ينتهي إلى المحيي كما سبق .

وإن كان الموضع موقوفا ، فالكنز لمن في يده الأرض ، كذا قاله في التهذيب . هذا كله إذا وجد في دار الإسلام ، فلو وجد في دار الحرب في موات ، نظر ، إن كانوا لا يذبون عنه فهو كموات دار الإسلام ، وإن كانوا يذبون عنه ذبهم عن العمران ، فالصحيح الذي قطع به الأكثرون أنه كمواتهم الذي لا يذبون عنه . وقال الشيخ أبو علي : هو كعمرانهم . وإن وجد في موضع مملوك لهم ، نظر ، إن أخذ بقهر وقتال فهو غنيمة ، كأخذ أموالهم ونقودهم من بيوتهم ، فيكون خمسه لأهل الخمس ، وأربعة أخماسه لمن وجده . وإن أخذ بغير قتال ولا قهر فهو فيء ، ومستحقه أهل الفيء . كذا قاله في النهاية وهو محمول على ما إذا دخل دار الحرب بغير أمان ؛ لأنه إذا دخل بأمان لا يجوز له أخذ كنزهم لا بقتال ولا بغيره . كما ليس له أن يخونهم في أمتعة بيوتهم ، وعليه الرد إن أخذ . وقد نص على هذا الشيخ أبو علي . ثم في كونه فيئا إشكال ؛ لأن من دخل بغير أمان وأخذ مالهم بلا قتال ، إما أن يأخذه خفية فيكون سارقا ، وإما جهارا فيكون مختلسا ، وهما خاص ملك السارق والمختلس . ويتأيد هذا الإشكال بأن كثيرا من الأئمة أطلقوا القول بأنه غنيمة ، منهم ابن الصباغ والصيدلاني .

[ ص: 290 ] فرع

إذا تنازع بائع الدار ومشتريها في ركاز وجد فيها ، فقال المشتري : لي وأنا دفنته ، وقال البائع مثل ذلك ، أو قال : ملكته بالإحياء ، أو تنازع المعير والمستعير ، أو المكري والمستأجر هكذا - فالقول قول المشتري والمستعير والمستأجر مع أيمانهم ؛ لأن اليد لهم ، وهو كالنزاع في متاع الدار . وهذا إذا احتمل صدق صاحب اليد ولو على بعد . فأما إذا لم يحتمل لكون مثله لا يمكن دفنه في مدة جديدة ، فلا يصدق صاحب اليد . ولو وقع النزاع بين المكري والمستأجر أو المعير والمستعير بعد رجوع الدار إلى يد المالك ، فإن قال المكري أو المعير : أنا دفنته بعد عود الدار إلي ، فالقول قوله بشرط الإمكان . وإن قال : دفنته قبل خروج الدار من يدي ، فوجهان ، أحدهما : القول قوله أيضا ، وأصحهما : القول قول المستأجر والمستعير ؛ لأن المالك سلم له حصول الكنز في يده ، فيده تنسخ اليد السابقة ؛ ولهذا لو تنازعا قبل الرجوع ، كان القول قوله .

فرع

إذا اعتبرنا النصاب في الزكاة ، لم يشترط كون الموجود نصابا ، بل يكمله بما يملكه من جنس النقد الموجود . وفيه من التفصيل والخلاف ما سبق في المعدن ، وإذا كملنا ، ففي الركاز الخمس .

[ ص: 291 ] فرع

حكم الذمي في الركاز ، حكمه في المعدن ، فلا يمكن من أخذه في دار الإسلام ، فإن وجده وأخذه ، ملكه على المذهب المعروف .

قال الإمام : وفيه احتمال عندي ، لأنه كالحاصل في قبضة المسلمين ، فهو كمالهم الضال . وإذا قلنا بالمذهب فأخذه ، ففي أخذ حق الزكاة منه ، الخلاف السابق في المعدن .

قلت : إذا وجد معدنا أو ركازا ، وعليه دين ، ففي منع الدين زكاتهما القولان المتقدمان في سائر الزكوات . وإذا أوجبنا زكاة الركاز في عين الذهب والفضة ، أخذ خمس الموجود لا قيمته ، ولو وجد في ملكه ركاز فلم يدعه ، وادعاه اثنان ، فصدق أحدهما ، سلم إليه .

وإذا وجد من الركاز دون النصاب ، وله دين تجب فيه الزكاة ، فبلغ به نصابا ، وجب خمس الركاز في الحال ، وإن كان ماله غائبا ، أو مدفونا ، أو غنيمة ، والركاز ناقص ، لم يخمس حتى يعلم سلامة ماله ، فحينئذ يخمس الركاز الناقص عن النصاب ، سواء بقي المال ، أو تلف إذا علم وجوده يوم حصل الركاز . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية